هآرتس
الرئيس العراقي برهم صالح قال إن السفارة الأميركية في بغداد نقلت إليه مسودة مشروع قانون العقوبات الذي يهدد ترامب بسنه. صالح لم يعط أي تفصيلات عما كتب في مشروع القانون، ولكن يبدو أنها تشمل تجميد جميع النشاطات الأميركية في العراق، ومنع تعاون الشركات الأميركية مع الشركات العراقية، واغلاق السماء العراقية والإعلان عن حصار بحري.
كل هذه الأمور تجعل بغداد لا تتعامل مع تهديدات البيت الابيض باستخفاف. وفي النقاش الذي جرى حول القانون في البرلمان حاول رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي اقناع الشيعة بـ “العمل من اجل مصالح العراق ومصالح السنة والاكراد”، وعدم المصادقة على القانون. وباستثناء الحلبوسي فانه لم يشارك في البرلمان اعضاء برلمان من السنة أو الاكراد. الشيعة لم يستجيبوا لتوسلاته، والآن فقط عائق قانوني يتعلق بصلاحية الحكومة الانتقالية يمنع تطبيق القانون.
رئيس الحكومة الانتقالية عادل عبد المهدي أعلن بأنه يؤيد طرد القوات الاجنبية من العراق، لكنه يعرف جيدا المغزى العملي لهذا الطلب. رئيس الحكومة يخشى وبحق بأنه بدون مساعدة جوية أميركية ومواصلة برنامج التدريبات الذي أهل تقريبا 200 ألف جندي، سيجد العراق صعوبة كبيرة في الوقوف في مواجهة محاولة قوات “داعش” لتجديد الهجمات. وبناء على ذلك، اقترح على أعضاء البرلمان صيغة لينة، بحسبها يجري العراق مفاوضات جديدة حول اتفاق تعاون عسكري مع الولايات المتحدة يتم فيه تحديد عدد الجنود الذين سيسمح لهم البقاء في العراق ونوعية مهماتهم.
ليس فقط “داعش” هو الذي يهدد العراق. فتصاعد الصراع الداخلي الذي أدى الى استقالة الحكومة كشف الى أي مستوى وصل تحكم ايران بالعراق. المليشيات الشيعية في العراق التي تشغلها ايران استخدمت وسائل قمع دموية أدت الى قتل 450 شخصا واصابة 25 ألف شخص. ورغم أن حكومة العراق دمجت المليشيات الشيعية في جهاز الامن وبدأت بدفع رواتب اعضائها، إلا أنها ليست المسؤولة عنها.
القائد الفعلي أبو مهدي المهندس الذي قتل مع قاسم سليماني، تلقى التعليمات المباشرة من سليماني، الذي اعتبر المسؤول عنه. وقيس خزعلي، العضو في البرلمان وقائد مليشيا عصائب الحق، هو الحليف المقرب من ايران. وقد كان الخزعلي سجينا لدى القوات الأميركية في العام 2007 – 2008 بسبب نشاطات إرهابية ضد قوات التحالف. وأصبح الآن مطلوبا منذ اعتبرت القوات الاميركية قواته منظمة ارهابية. وقد نزل تحت الأرض ومن هناك يواصل تشغيل عصاباته.
الأسبوع الماضي نشرت قيادة المنطقة الوسطى الأميركية عددا من تقارير التحقيق الذي جرى مع الخزعلي في 2007. وحسب التقارير فقد باع اسماء المتعاونين مع إيران وعلى رأسهم مقتدى الصدر، الزعيم الشيعي الانفصالي. وحسب الخزعلي فان الصدر قد تلقى مبالغ كبيرة من ايران كي تنفذ مليشياته “جيش المهدي” عمليات ضد الأميركيين. توقيت نشر هذه التقارير ليس صدفيا. الولايات المتحدة تحاول تشويه صورة الخزعلي وتوسيع الشرخ بينه وبين الصدر للتأثير على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
المعارضون للمليشيات الشيعية قالوا إن استمرار التواجد الأميركي يمنع إيران من استخدام جميع قواتها ضد الحركات الاحتجاجية في العراق، وتصفية احتمالات تغيير نظام الحكم هناك وتحويل الدولة الى فرع إيراني كامل.
محللون في العراق يعتقدون أن الهجوم الاميركي على قواعد المليشيات الشيعية في نهاية شهر كانون الاول دعم المظاهرات. وقد قالوا إن هذه رسالة أميركية للسلطات العراقية وإيران من اجل كبح القمع الوحشي، وتلميح لأي رئيس حكومة جديد سيعين عن طريق البرلمان بأن الولايات المتحدة لن تترك معاقلها السياسية لصالح إيران.
ولكن التحليل العراقي لا يلزم السياسة الأميركية، وبشكل خاص لا تلزم الرئيس ترامب، والذي تعنيه مسألة الديمقراطية في العراق مثل الديمقراطية في سورية أو في الصين. والسؤال الذي يطرحه عدد من مستشاري ترامب المقربين عليه هو هل العراق هو ذخر استراتيجي أم عبء يستنفد مليارات الدولارات من خزينة الولايات المتحدة.
الدولة التي تحتفظ باحتياط النفط الخامس من حيث حجمه في العالم هي دولة مدينة بنحو 115 مليار دولار في العام 2019، ويتوقع أن يصل دينها الى اكثر من 128 مليار دولار في العام 2021. العراق يجد صعوبة في أن يوفر لنفسه الكهرباء والوقود، وشبكة المياه فيه متهالكة وغير مستقرة. ترامب يمكنه الحلم بأن تستطيع بغداد الدفع مقابل قاعدة سلاح الجو التي أنشأتها الولايات المتحدة في العراق. وبدون دعم القوات الاميركية فان شركات النفط وشركات أميركية اخرى لن تبقى في العراق. وقوات الحماية الخاصة التي تستأجرها هذه الشركات لا تستطيع تقديم الحماية المطلوبة في حالة هجوم شديد للمواطنين. وبالاحرى للقوات العسكرية أو شبه العسكرية مثل المليشيات المحلية. ولكن مشكوك فيه إذا كان دافع الضرائب الأميركي سيوافق على تقديم امواله من اجل مواصلة نشاطات هذه الشركات في العراق. في هذه الاثناء يبدو أن التهديدات الأميركية بفرض عقوبات على العراق ستبقى في اطار التهديدات.
من ناحية عسكرية، العراق ليس المعقل الأهم بالنسبة للولايات المتحدة. فهي توجد لها قاعدة كبيرة في قطر وقواعد اخرى في البحرين والكويت والسعودية. وفي العراق نفسه يخدم نحو 6 آلاف جندي ومدرب. وهذا ليس بالعدد الكبير الذي يشير الى تفوق عسكري مرتفع بشكل خاص، لا سيما عندما تكون الذريعة الاساسية لتواجدهم وهي الحرب ضد “داعش”، تم الاعلان بأنها قد وصلت الى نهايتها. العراق اوضح للولايات المتحدة بأنه لن يسمح لها أو لأي جهة اخرى باستخدام اراضيه كنقطة انطلاق لهجمات ضد ايران، كما أن المبرر الاستراتيجي الاكثر اهمية للوجود الاميركي في الخليج لا يمكنه الاستناد على العراق
يمكن تفهم غضب ترامب من القانون العراقي الذي يطالب باخراج القوات الاميركية من العراق. ليس من اللطيف أن تكون مطرودا، وبالذات من قبل المدينين لك بالمليارات. ولكن حتى اذا كان الرئيس يريد الانفصال عن الشرق الاوسط فهو سيضطر الى الانتظار. الولايات المتحدة يمكنها سحب جزء من قواتها في العراق دون المس بآلتها العسكرية، لكن لا يمكنها أن تقلص بصورة كبيرة القوات الموجودة في الشرق الأوسط، وبالاساس في الخليج الفارسي، وبالاحرى عندما يكون من غير الواضح الى أين تتطور المواجهة مع إيران.
ترامب لا يريد مواجهة مع رد يشبه الرد الذي حصل عليه عند إعلانه عن الانسحاب من سورية. فقد وجه اليه الانتقاد في الكونغرس ومن اصدقاء للولايات المتحدة، الذين قالوا إن الأمر لا يتعلق بخطوة تعرض الاكراد للخطر، بل هو هدية للتحالف الروسي – التركي. وفي نهاية المطاف تم تجميد الانسحاب الأميركي.
إضافة الى ذلك، إذا سحبت الولايات المتحدة قواتها من الخليج، وهو الأمر الذي سيزيد التهديد على السعودية ودولة الإمارات والبحرين. وفي ظل غياب الدعم والدفاع الأميركي فان هذه الدول ستضطر الى البحث عن دعم آخر والدولة العظمى الوحيدة التي ستخطر في البال كبديل للولايات المتحدة هي روسيا.
ترامب قال أول من أمس قبل يومين إنه يتوقع أن يأخذ حلف شمال الاطلسي “الناتو” على مسؤوليته جزءا اكبر في الدفاع عن منطقة الخليج. والقصد هو ليس أن تقوم قوات “الناتو” باستبدال الدور الرئيسي للولايات المتحدة في الخليج، بل أن تشكل تعزيزا لها. إن اظهار قوة مشتركة أمام إيران هو أمر حيوي كجزء من الجهود الدبلوماسية لوقف التحطم الكامل للاتفاق النووي الآخذ في التلاشي، كلما حررت إيران نفسها من القيود التي فرضت عليها.
إذا كان ترامب جديا في نية تجديد المفاوضات مع إيران ومحاولة صياغة اتفاق جديد فهو لا يمكنه في نفس الوقت سحب القوات الأميركية من الخليج. فهذه الخطوة ستخفف التهديد العسكري الذي يطمح الرئيس الأميركي بالحفاظ عليه أمام طهران.