عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Apr-2021

إسرائيل لم تعد قسمة يمين أو يسار .. إنها مؤيد لنتنياهو أو مناهض له

 الغد-فريدا غيتيس* – (وورلد بوليتكس ريفيو) 1/4/2021

 
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
قبل ولاية بنيامين نتنياهو الطويلة رئيسا للوزراء، والتي هي الأطول في تاريخ إسرائيل، رسم الإسرائيليون الخطوط الكونتورية السياسية لأحزابهم على أساس الأيديولوجيا. لكن ذلك شرع في التغير مع امتداد سيطرة نتنياهو على السلطة بمرور السنين، على الرغم من تصرفه بطرائق وجدها بعضهم مسيئة، وتأتي بنتائج عكسية، وربما إجرامية في بعض الأحيان. وقد أعاد الآن صياغة خطوط القسمة السياسية الإسرائيلية بالكامل، والتي أصبحت واضحة بشكل صارخ في الانتخابات الأخيرة -الرابعة التي تُجرى في البلاد خلال عامين فقط.
تقليديًا، فرّق الإسرائيليون بين وجهات نظرهم السياسية من خلال تصنيف أنفسهم وأحزابهم بين اليمين واليسار. وكما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى، يعتمد التمييز على تفضيلات الأطراف فيما يتعلق بحجم الدور الذي يجب أن تلعبه الدولة في الاقتصاد، وكم يجب أن تساعد الفقراء، وكم يجب أن تثق بالأسواق الحرة. لكن أحد الفروق المحدِّدة بين اليمين واليسار في السياق الإسرائيلي الفريد هو التنازلات التي يعتقد الناس أن على إسرائيل تقديمها في المفاوضات مع الفلسطينيين والدول العربية المجاورة. ويدافع اليساريون عن مزيد من المرونة في السعي للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. وفي المقابل، يظهر اليمين، وخاصة الآن، القليل من الاهتمام بالتسوية، إن وجد مثل هذا الاهتمام أصلاً. وقد أصبح احتمال حل الدولتين أبعد منالاً مما كان في أي وقت مضى.
كان هذا هو الخط الفاصل القديم بين الكتل السياسية المتنافسة في إسرائيل. أما الآن، فقد أصبحت نقطة ارتكاز السياسة الإسرائيلية هي نتنياهو نفسه. وبدلاً من اليمين واليسار، أصبحت الكتل الجديدة إما مؤيدة لنتنياهو أو معادية له. وتحتل الأيديولوجيا والفلسفة السياسية الآن مقعدًا خلفيًا في مسألة ما إذا كان رئيس الوزراء، وهو الآن في عامه الثاني عشر على التوالي في المنصب ويواجه تهم الفساد التي ينفيها بشدة، ويجب أن يستمر في رئاسة الحكومة أم لا.
ذهب الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع الأسبوع قبل الماضي مرة أخرى لمحاولة تسوية هذا السؤال. وقد أصبح البلد في خضم مأزق سياسي جعل من المستحيل تقريبًا تشكيل ائتلاف أغلبية يضم 61 مقعدًا من أصل 120 مقعدًا في الكنيست، البرلمان الإسرائيلي. وتتضح حقيقة كون نتنياهو هو القضية الحاسمة من الحقيقة التي لا جدال فيها والتي مفادها أن هذا الجمود السياسي المستمر منذ سنوات كان سيتلاشى سريعاً لو أنه لم يكن مرشحًا لرئاسة الوزراء زعيما لليكود.
في انتخابات الأسبوع قبل الماضي، ظهر الناخبون الإسرائيليون، الغاضبون، عند صناديق الاقتراع بعدد هو الأدنى منذ العام 2009. وكان الفائز الأكبر بالأصوات هو الليكود، الذي حصل على 30 مقعدًا من أصل 120 مقعدًا، متقدمًا بفارق كبير عن أقرب منافسيه، حزب “يش عتيد” الوسطي -“هناك مستقبل” بالعبرية- برئاسة يائير لبيد. ولبيد هو السياسي الأكثر احتمالاً لأن يصبح رئيسًا للوزراء في حال تمكنت الكتلة المناهضة لنتنياهو من تشكيل الحكومة.
على الرغم من احتلال حزبه المركز الأول في الانتخابات، يبدو نتنياهو قادراً على تكوين تحالف يضم 52 مقعدًا -أي أقل بتسعة مقاعد من الحد الأدنى المطلوب لتشكيل الحكومة. ومن ناحية أخرى، يبدو أن لدى لبيد ما يكفي من الدعم لجمع 57 مقعدًا، وهو أيضًا عدد غير كافٍ، ولكنه أقرب إلى الهدف.
اللافت للنظر في هذا كله هو تركيبة الجانب المعادي لنتنياهو. وهي أوضح علامة على كيف أن نتنياهو، أو الكراهية تجاهه، هما الشرط الذي لا غنى عنه في السياسة الإسرائيلية. وفي حين يمكن أن يكون نتنياهو متأكداً إلى حد ما من ضمان دعم الأحزاب الدينية إضافة إلى مقاعده الثلاثين في الليكود، فإن الكتلة المناهضة لنتنياهو تتكون من مجموعة مذهلة من الآراء والخلفيات المتباينة. فإضافة إلى حزب “يش عتيد”، تشمل الكتلة -من بين آخرين- حزب “ميرتس” اليساري؛ وحزب “العمل” يساري الميل والمعاد تنشيطه حديثًا؛ و”القائمة المشتركة”، وهي تحالف من الأحزاب العربية في أغلبها والتي احتلت المركز الثالث في انتخابات العام الماضي وحصلت على 15 مقعدًا. لكنها حصلت هذه المرة، بعد انشقاق أحد أعضائها عن الكتلة، على 6 مقاعد.
ولعل الأكثر درامية هو أن أولئك العازمين على الإطاحة بنتنياهو يضمون بعضًا من الذين كانوا ذات مرة أقرب حلفائه؛ من الساسة والأحزاب الذين تربطهم صلة أيديولوجية بحزب الليكود، لكن قادتها يفضلون ابتلاع الأظافر على مساعدة نتنياهو المخادع على الخدمة لولاية أخرى. ومن بين هؤلاء جدعون ساعر، المسؤول الكبير في الليكود منذ فترة طويلة، والذي كان مقربًا من نتنياهو وخدم في العديد من وزاراته. لكنه شكل حزباً جديداً هذا العام، “الأمل الجديد”، على أمل إزاحة رئيس الوزراء. وكان أداء “الأمل الجديد” ضعيفًا في صناديق الاقتراع، لكن مقاعد ساعر اليميني الستة تُحسب الآن مع مقاعد الأحزاب العربية واليسارية في الكتلة المناهضة لنتنياهو.
كان فشل نتنياهو الخاص في تحسين وضعه في الكنيست –حيث حصل الليكود على 36 مقعداً في الانتخابات السابقة العام الماضي- مذهلاً. في عهد نتنياهو، تمكنت إسرائيل من إعطاء لقاحات “كوفيد” لنسبة من سكانها أكبر بكثير من أي دولة على وجه الأرض، حتى مع إلقاء مسؤولية تطعيم الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة –على نحو مثير للجدل- على عاتق الكيانات الفلسطينية فيهما. وقد سمح هذا النطاق من إعطاء اللقاح للإسرائيليين بالعودة إلى شيء قريب من الحياة الطبيعية بينما يكافح بقية العالم مع جائحة وحشية. وإضافة إلى ذلك، قاد نتنياهو المفاوضات، بوساطة إدارة ترامب، لتطبيع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، مما أدى إلى تغيير موقف إسرائيل الدبلوماسي في المنطقة.
وفي الحقيقة، من الصعب تخيل موقف أقوى من هذا قبل انتخابات. لكن كثيرين من الإسرائيليين، بمن فيهم شخصيات سياسية بارزة، سئموا من نتنياهو.
وثمة تطور آخر في الانتخابات الأخيرة، هو أن أحد الحزبين غير المواليين اللذين يمكن أن يساعدا في تحديد من سيشكل الحكومة، أو صانع الملوك الجديد، ليس سوى حزب “راعم”، وهو حزب إسلامي عربي انفصل عن “القائمة المشتركة” في وقت سابق من هذا العام. والحزب الآخر غير المنحاز هو “يمينا” -“اليمين” بالعبرية- برئاسة حليف سابق آخر لنتنياهو، نفتالي بينيت، الذي يصف نفسه بأنه أكثر يمينية من نتنياهو نفسه.
وقد أصبحت العقبات أمام تشكيل حكومة ائتلافية أكبر بالنسبة لنتنياهو، جزئياً لأن جانبه من المنافسة يبدو أكثر اتساقاً من الناحية الأيديولوجية. وعلى سبيل المثال، سيكون من المستحيل على الجانب الآخر عملياً تشكيل تحالف يضم اليهود الأرثوذكس من اليمين المتطرف والإسلاميين العرب. ومن ناحية أخرى، يتمتع خصومه، وهم الذين يواجهون تحدياتهم الخاصة، بمزيد من المرونة وبهدف مشترك: الإطاحة بنتنياهو.
سوف يقرر الرئيس رؤوفين ريفلين، الذي يعد دوره شرفيًا إلى حد كبير، من هو الذي يحصل على الفرصة الأولى لتشكيل الحكومة. وقد أعلن ريفلين عن الشروع في عقد المشاورات يوم الاثنين الماضي، الذي صادف أنه اليوم الذي تبدأ فيه محاكمة نتنياهو بتهم الفساد. ويعتقد الكثيرون أنه في حال حصل على ولاية أخرى، فسوف يناور بقوة لجعل الكنيست يعطيه الحصانة من المحاكمة.
وبمجرد أن يكلف ريفلين لبيد أو نتنياهو بتشكيل حكومة، سيكون أمامهما ستة أسابيع للقيام بذلك، قبل أن يحصل المعسكر المعارض على فرصته. وإذا لم ينجح أي من الطرفين، فسيتعين على الإسرائيليين الذهاب إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى -للمرة الخامسة في غضون عامين. وهو شيء لا يريده أي طرف.
سوف يكون الوقوف ضد نتنياهو مناورة حمقاء. لكن حدة المشاعر المناوئة له لا يمكن تجاهلها. وعلى الرغم من أن هناك شريحة من السكان تؤيده بشدة، فإن معظم الإسرائيليين ليسوا كذلك. ويطالب المتظاهرون باستقالة نتنياهو منذ شهور، في حين يبدو كبار السياسيين مصممين على إنهاء فترة ولايته.
لم تعد إسرائيل دولة يمين ويسار. إنها الآن دولة مؤيدين لنتنياهو ومعادين له.
*Frida Ghitis: كاتبة عمود في الشؤون العالمية. منتجة ومراسلة سابقة لشبكة (سي إن إن)، وهي تساهم بانتظام في (سي إن إن) و”الواشنطن بوست”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Israel Is No Longer Right or Left. It’s Pro- and Anti-Netanyahu