مدن كردفان السودانية المحاصرة.. مأساة إنسانية ومستقبل غامض
الغد
السودان - أشبه بجزر معزولة داخل جغرافيا حرب مشتعلة، تعيش ثلاث مدن واقعا مأساويا في ولايتي جنوب كردفان وغرب كردفان جنوبي السودان، وذلك جراء الحصار الخانق الذي تفرضه "قوات الدعم السريع" منذ أكثر من عام.
بابنوسة، والدلنج، وكادوقلي، تلك المدن باتت معزولة عن محيطها، والطرق الحيوية مقطوعة، ما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية.
ويرى محللون سودانيون أن منع تكرار سيناريو مدينة الفاشر غربي البلاد يعتمد على قدرة الجيش على الصمود، إلا أن الوسطاء يحاولون منع الانزلاق إلى الهاوية، رغم أن مؤشرات التصعيد لا تزال قائمة.
ومنذ 26 تشرين الأول(اكتوبر) الماضي، تستولي "قوات الدعم السريع" على الفاشر مركز ولاية شمال دارفور، وارتكبت مجازر بحق مدنيين، فيما أقر قائد تلك القوات محمد حمدان دقلو "حميدتي"، بحدوث "تجاوزات" من قواته بالمدينة، مدعيا تشكيل لجان تحقيق.
بابنوسة
تعتبر هذه المدينة الأكثر سخونة في السودان، وتحاصرها قوات الدعم السريع منذ كانون الثاني (يناير) 2024، فيما تتحصن قوات الجيش في الفرقة 22 داخل المدينة التي أصبحت شبه مهجورة.
وقال شهود عيان، إن المدينة أصبحت خالية من الأهالي بعد أن نزح أهلها إلى محيطها.
بينما تقول غرف طوارئ بابنوسة (لجنة إغاثية) إن المدينة أصبحت خالية من الأهالي بعد نزوح 177 ألف شخص منها.
وتكمن أهميتها كونها إحدى أهم المدن الاقتصادية في إقليم كردفان، وتشتهر بمصانع الألبان ووفرة الثروة الحيوانية وكذلك حقول النفط.
كما تعتبر ممرا رئيسيا يربط السودان بجنوب السودان، وبوابة الجيش إلى دارفور، إذ تبعد عن مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور نحو 237 كيلومترا، و 400 كيلومترا عن نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، ومركز تحالف السودان التأسيسي برئاسة محمد حمدان دقلو "حميدتي".
كادوقلي والدلنج
المدينتان تبعدان عن بعضهما مسافة 135 كيلومترا، وتعانيان من حصار تفرضه "الدعم السريع" و "الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال" بقيادة عبد العزيز الحلو منذ الشهور الأولى للحرب، وهجمات متكررة بالمدفعية والطائرات المسيرة.
وتسيطر الحركة الشعبية على المناطق الجنوبية من جبال النوبة في جنوب كردفان منذ عام 2011، وتتخذ من مدينة كاودا عاصمة لها.
وشكل انخراط الجانبان في "تحالف السودان التأسيسي" منذ فبراير(شباط) الماضي نقطة تحول في الصراع في جنوب كردفان، ومنحهما مساحة حركة أوسع لتضييق الخناق على المدينتين.
ورغم أن مدينتي كادوقلي والدلنج ظلّتا تحصلان على جزء محدود من الغذاء عبر طرق وعرة من المحليات الشرقية لجنوب كردفان، فقد أغلقت هذه المسارات بالكامل منذ حزيران (يونيو) الماضي بسبب الأمطار، ما أدى إلى انقطاع الإمدادات.
وأكد أحدث تقرير للجنة مراجعة المجاعة "آي بي سي" وقوع مجاعة فعلية في مدينتي الفاشر وكادوقلي، نتيجة انعدام الغذاء والرعاية الطبية.
وحذر التقرير من أن 20 منطقة إضافية في دارفور وكردفان معرضة لخطر المجاعة، بما في ذلك مواقع جديدة في شرق دارفور وجنوب كردفان.
ولا توجد إحصائيات عن عدد الأهالي في كادوقلي، لكنها شهدت موجات نزوح كبيرة على فترات إلى الأطراف والمناطق المحاطة.
ولا يختلف الوضع في الدلنج ثاني مدن ولاية جنوب كردفان عن العاصمة كادوقلي، حيث تُحكم "الدعم السريع" الطوق شمالًا وشرقًا، بينما تحاصرها الحركة الشعبية من الغرب والجنوب.
وتقع مدينة الدلنج في أقصى شمال ولاية جنوب كردفان، ويعتمد اقتصادها على التجارة والحرف اليدوية وصناعة الجلود وغيرها.
كما تقع على مفترق طرق يربط جبال النوبة بمحاور كردفان ودارفور، وتتحكم في خطوط الإمداد بين شمال الإقليم وغربه وجنوبه.
وفي تموز(يوليو) الماضي، ضيّقت "الدعم السريع" الخناق أكثر على الدلنج بسيطرتها على منطقة الدشول التي تضم ملتقى يربط مدينة الدلنج بولاية غرب كردفان.
أما الشريان البري المغذي لمدينتي الدلنج وكادوقلي والواصل بينهما مع مدينة الأبيض في شمال كردفان فقد قُيِّدت الحركة عبره بشدة، بعد المعارك الضارية التي خاضتها "الدعم السريع" ضد الجيش السوداني في نيسان(ابريل) الماضي.
لا منتصر بالحرب
المحلل السياسي أمير بابكر، يرى أن سيطرة "الدعم السريع" على مساحات في ولايتي غرب كردفان وجنوب كردفان، يجعل المدن الثلاث تحت مرمى نيرانها.
وأضاف بابكر أن منع تكرار سيناريو الفاشر يعتمد على قدرة القوات المسلحة على الصمود في مواقعها.
وأشار إلى "محاولات الجيش للسيطرة على مواقع متقدمة، لتشتيت جهود قوات الدعم السريع".
أما بالنسبة لمدينتي الدلنج وكادوقلي، يقول بابكر إنهما "ظلتا تحت مرمى نيران الحركة الشعبية، وهذا العامل سيضاعف جهود الجيش للحفاظ على السيطرة".
وأشار إلى أن "الأهم هو أن طبيعة الحرب الجارية لا منتصر فيها، مما يصعب مسألة حسمها عسكريا".
بابكر شدد على أن "كل ما يدور هو من أجل تحقيق أفضلية ميدانية تسمح بالحصول على موقف متقدم في مفاوضات سلام انعقادها حتمي، وللأسف الضحية هم المدنيون".-(وكالات)