عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Nov-2022

الفصل المرن كشرط للتحديث الشامل*أ. د. ليث كمال نصراوين

 الراي 

أكد جلالة الملك في خطبة العرش التي ألقاها عند افتتاحه الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة ضرورة أن تتعاون السلطتان التشريعية والتنفيذية في إطار الفصل المرن بينهما لتحقيق الأهداف المنشودة من مشروع التحديث الشامل، معتبرا أن هذا التكافل بينهما سيسهم في تجاوز العقبات والعثرات التي قد تظهر في مرحلة التطبيق العملي للمشروع.
 
إن الأهمية الدستورية لهذا التوجيه الملكي تكمن في التأكيد على الدور التكاملي المأمول بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في المرحلة القادمة لتنفيذ مشروع التحديث الوطني، وذلك ضمن إطار الاختصاص الدستوري لكل منهما، والمتمثل في حق مجلس الأمة في التشريع وسلطة مجلس الوزراء في إدارة شؤون الدولة. فالفصل المرن عماده احترام السلطة للسلطة وعدم التغول عليها، أو ممارسة أي تأثير سلبي من شأنه أن يحد من ممارسة أي منها لصلاحياتها المقررة في الدستور.
 
ويبقى التعاون المطلوب بين السلطتين التشريعية والتنفيذية رهينا من حيث طبيعته ونطاقه بالإصلاح المنشود والمرحلة التي وصل إليها. ففيما يخص التحديث السياسي، فقد سبق وأن تشكلت حالة من الاشتباك الإيجابي بين الحكومة ومجلس الأمة، والتي أثمرت عن إقرار توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية المتمثلة في التعديلات الدستورية لعام 2022 وقانوني الانتخاب والأحزاب السياسية، وهو الأمر الذي أثنى عليه جلالة الملك في خطبة العرش.
 
بالتالي، فإن الدور التشريعي لمجلس الأمة قد انتهى تقريبا في إطار التحديث السياسي، وتبقى المسؤولية الأكبر على عاتق السلطة التنفيذية لضمان حسن تنفيذ هذه التشريعات السياسية، وتوفير أقصى درجات الدعم والمساندة للمؤسسات الوطنية ذات الصلة بالإصلاح السياسي وتفعيل المشاركة السياسية، وفي مقدمتها الهيئة المستقلة للانتخاب والجامعات ومؤسسات التعليم العالي التي أصبح يسمح للطلبة فيها بممارسة العمل الحزبي. فأبرز المهام الملقاة على عاتق الحكومة فيما يخص الإصلاح السياسي هو «الإفراج» عن نظام ممارسة الأنشطة الحزبية في مؤسسات ا?تعليم العالي، وإخراجه إلى حيز الوجود في أقرب وقت ممكن.
 
أما على صعيد الإصلاح الاقتصادي، فإن طبيعة التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية يجب أن يأخذ منحنى مغايرا نوعا ما، إذ سبق وأن أقر مجلس الأمة قانون البيئة الاستثمارية الجديد، الذي ترى فيه الحكومة الأساس التشريعي للعمل على المضي قدما في الإصلاحات الاقتصادية.
 
ويبقى الجزء الأهم في هذا الإطار أن يبادر مجلس الوزراء إلى وضع خطة وطنية شاملة مرتبطة بجدول زمني واضح ومحدد يتضمن كيفية الاستفادة من قانون البيئة الاستثمارية الجديد وتطبيقه بما ينعكس إيجابا على تحقيق الإصلاح الاقتصادي المنشود. كما يتعين على مجلس الوزراء أن يعد العدة الإدارية والتنفيذية اللازمة لإخراج الإصلاح الاقتصادي إلى حيز الوجود، وذلك كله تحت رقابة برلمانية مباشرة من مجلس النواب، الذي يجب أن يكون المقيّم والمقوّم الموضوعي لأداء الحكومة ووزرائها في هذا المجال.
 
وفيما يخص الإصلاح الإداري، فإن التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية سيكون مختلفا من حيث المعالم والتفاصيل، وذلك بسبب حالة اللاوضوح التي تشوب ملامح هذا الإصلاح على خلاف الإصلاحين السياسي والاقتصادي. فالنسخة الأولى من التقرير الحكومي للإصلاح الإداري قد لاقت اعتراضات سياسية وشعبية حول أبرز ملامحه وتوصياته، مما استلزم الأمر إجراء جولة وطنية من المشاورات والحوارات يقودها المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
 
في المقابل، بدأت الحكومة الخطوات الأولية نحو تنفيذ مقترحاتها، وهذا ما ظهر جليا في التعديل الوزاري الأخير الذي تم فيه دمج عدد من الوزارات تمهيدا لإلغائها.
 
فالإصلاح الإداري يرى فيه جلالة الملك أنه عِماد مشروع التحديث الوطني، فهو يعتبر أن «المسارين السياسي والاقتصادي لا يكتملان دون إدارة عامة كفؤة، توفر أفضل الخدمات للمواطنين وتعتمد التكنولوجيا الحديثة وسيلة لتسريع الإنجاز ورفع مستوى الإنتاجية». وهذا ما يزيد من حجم المسؤولية على عاتق الحكومة بأن تبادر إلى إقرار التوصيات النهائية التي ترى أنها ضرورية لتحقيق الإصلاح الإداري المنشود، وأن تشاركها مع مجلس النواب لمناقشتها وتجويدها، قبل أن تشرع في تنفيذها على أرض الواقع. إن التحدي الأبرز في مجال مشروع الإصلاح الوطني?يجب أن يكون هو عامل الوقت، إذ يتعين على السلطتين التشريعية والتنفيذية أن تستفيدا من حالة السكينة وطيب الخواطر القائمة بينهما للعمل المشترك وبأقصى سرعة نحو تحقيق الرؤى الملكية السامية. فالتحديات الوطنية من فقر وبطالة في تزايد والمشاكل الإقليمية والدولية في تسارع مضطرد، وهو ما يخشى معه أن يتم تشتيت الجهود الوطنية لصالح قضايا ومشاكل أخرى لم تكن في البال أو في الحسبان.