عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Mar-2019

”تکیة السلط“.. أکلات تراثیة تطهی بالبیوت لتوزع علی المارة
تغرید السعایدة
عمان-الغد-  لم تتوقع أم ریان جرار وھي تحمل معھا عددا من أكیاس التسوق أن تنتھي رحلتھا بتناول كمیة من ”الرشوف“، وتتحلى بحبات من القطایف في ساحة العین في السلط. كان ذلك ضمن ”تكیة السلط“، التي تأتي بمبادرة من مجموعة من الراغبین بالمحافظة على التراث الأردني فیما یخص ”الأكلات الشعبیة“، وتقدیمھا للمارة بشكل مجاني.
وتقول أم ریان إنھا سعیدة بتناولھا الرشوف الذي لم تعد تتناولھ إلا في بیت والدتھا التي تقوم بإعداده بین الحین والآخر، وتنوي العودة خلال الأسابیع المقبلة للتكیة للاستمتاع بتناول أكلات تراثیة أخرى تقدم لزوار السلط على اختلاف مستویاتھم المعیشیة، بدون تخصیص فئة محددة، وھذا ما یعطیھا انطباعا عائلیا جمیلا یحیي ثقافة ”الإطعام“ في المدینة.
وأصبحت ساحة العین على موعد كل أسبوع مع الفرح واللقاء بین الناس مع أصوات تتعالى وتدعو لتناول ”الرشوف أو المجدرة والحمیمصة.. وغیرھا“، یتشارك فیھا القریب والبعید والفقیر والغني، الرجل والمرأة، بصورة تمثل التآلف والتوادد بین سكان المكان بما یعكس التكافل الاجتماعي في السلط كغیرھا من مدن المملكة.
و“تكیة السلط“ عبارة عن فعالیة أسبوعیة تقام كل یوم سبت، أنشأتھا مجموعة من المبادرین الذین جمعھم حب السلط وتراثھا، ومنھم عمر الشوبكي، الذي تحدث عن بدایة التكیة في نھایة العام الماضي ونجاحھا الكبیر مع ازدیاد أعداد الزوار والمستفیدین من التكیة والمتواجدین في مدینة السلط خلال فترة التوزیع.
ویأتي مفھوم ”التكیة“ منذ الخلافة العثمانیة التي كانت تنتشر في مختلف المناطق، وكانت تقام لإیواء المنقطعین وعابري السبیل وتقدیم الطعام والمكان لھم. واستمرت التكیة وتطور مفھومھا على مدار سنوات، ویقوم كثیرون بإنشائھا بین الحین والآخر، وتنم عن تكافل اجتماعي تتلاشى فیھ الفروقات.
ویقول الشوبكي إن مجموعة من الشباب، مثل محمد باكیر، مھند العزب، أسامة الحواري، إبراھیم الحیاري، إبراھیم أبو رمان، خالد أبو رمان، والناشطة ثائرة عربیات، قرروا إطلاق المبادرة، وأصبح الإعلان عنھا بشكل أسبوعي، وھي جزء من عشرات المبادرات التي تخرج من السلط بشكل دائم، لذا كان ھناك قرار مبادرة تراثیة تعتمد على إبراز المأكولات الشعبیة، تستقطب الزوار والمارة، على حد تعبیره.
وتعتقد الناشطة ثائرة عربیات أن الھدف الرئیس من ھذه المبادرة التي تقع تحت مظلة منتدى البلقاء الثقافي، أن یكون ھناك تعریف للمتواجدین في السلط بأھم المأكولات الشعبیة التي تلاشت في البیوت الأردنیة على الرغم من أنھا أكلات متوارثة من الأجداد والأمھات، ولھا فائدة غذائیة كبیرة وكانت تستعین بھا السیدات في السابق لإطعام الأسرة، ومنھم من یوزعھا على الجیران والأقارب، ومن ھنا جاءت فكرة التكیة في السلط وفي منطقة أیضاً تراثیة ھي نھایة شارع الحمام ”ساحة العین“.
ویضیف الشوبكي أیضاً ”من أھداف التكیة تنمیة مبدأ التواصل الاجتماعي بین الناس ونشر الفكرة في أكثر المناطق ولا تقتصر على السلط، ففي بعض الأحیان یقبل الشباب على تناول تلك المأكولات التي لا یعرفون مكوناتھا، ومن ھنا یتعرفون علیھا، وبعض الشباب والمارة یقومون كذلك بالمساعدة بالتوزیع على زوار شارع الحمام وساحة العین بغض النظر عن ھدف مجیئھم إلى المنطقة، سواء سیاحا أو متسوقین“.
ویطمح المبادر محمد باكیر أیضاً إلى أن تتطور التكیة بشكل أكبر وأشمل، خاصة مع اقتراب شھر رمضان المبارك حتى یكون ھناك مساحة للمحتاجین وبعض الأسر العفیفة التي یمكن أن تستفید مما تقدمھ التكیة من مأكولات، سواء أكلات شعبیة أو وجبات مختلفة، وھذا إذا دل فإنما یدل على نجاح المبادرة في تنمیة روح المواطنة والتواصل بین سكان مدینة السلط، وتشجیع الشباب كذلك على المشاركة في مثل ھذه الفعالیات الخیریة الاجتماعیة التراثیة في الوقت ذاتھ.
ویقول الشوبكي ”إن تواجد أطیاف مختلفة من الأشخاص الذین یأتون للتكیة كل سبت، یشجع الفقیر أو المحتاج لوجبة في یومھ على أن یتواجد معنا، ویقلل حاجز الخجل بین أھل المنطقة، خاصة وأن القائمین على المبادرة یحرصون في كل مرة على دعوة أكثر من شخص من السلط للتواجد في المكان، ولكي یحفزوا المارة على أن یكونوا جزءا من تكیة السلط وتناول الوجبات التراثیة التي یقوم بتحضیرھا القائمون علیھا في منازلھم، مع الحرص على أن تُقدم على أحسن وجھ“.
وتصف عربیات مشاركتھا في التكیة بأنھا أكثر من رائعة وسعیدة بأنھا تسھم في تحضیر بعض الوجبات، وتؤكد ضرورة أن تكون تراثیة؛ إذ تعد عربیات من الناشطات في المجال التراثي في محافظة البلقاء ولھا العدید من الفعالیات الخاصة بذلك، لذا تقوم بتحضیر وجبات وتُعرف زوار التكیة على مكوناتھا وفائدتھا.
ومن أبرز تلك الوجبات التي یتم تقدیمھا ”الرشوف، الحمیمصة، الجریشة، القطایف، الكعك السلطي (كعك العید)، المجدرة، العدس“ وغیرھا الكثیر من الأنواع الأخرى التي سیتم تقدیمھا على مدار الأسابیع المقبلة، بید أن عربیات تبین ”أن باب التبرع مفتوح لدى التكیة لأي شخص یرغب بالتواصل معھم وتقدیم الوجبات التي یرغب بتوزیعھا لأي ھدف كان، ففي النھایة ھي مبادرة خیریة واجتماعیة نسعى من خلالھا إلى توطید العلاقة ما بین سكان السلط على اختلافھم“.
وبحسب القائمین على المبادرة ”كل زائر ومتسوق وسائح في مدینة السلط، ماراً بشارع الحمام
الذي ینتھي بساحة العین فیھا، یمكنھ أن یكون أحد المحظوظین الذین یتذوقون بعضا من المأكولات الشعبیة التراثیة في كل یوم سبت من الأسبوع، كما یدعون الأسر العفیفة إلى أن تشارك بالمبادرة بوجودھا لتناول الوجبات، ما یشجع المقتدرین على أن یكونوا جزءا من التكیة ویسھموا في تقدیم وجبات دائمة بشكل أسبوعي“.
ُویجمع المبادرون على أھمیة ترسیخ مفھوم العمل العام والاھتمام بالقضایا المجتمعیة، وكسر حاجز التفرقة بین السكان على اختلافھم، متطلعین إلى خطوة أكبر وأشمل لتعمم الفكرة بكل مناطق المحافظة، وتنعكس إیجابیاتھا على المجتمع ككل، ولیس فقط على مبدأ ”إطعام الطعام“.