عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Sep-2025

سياسات الإبادة

 الغد

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
ديفيد روزن* - (كاونتربنش) 10/9/2025
ذكرت صحيفة "الغارديان" أن "قاعدة بيانات استخباراتية عسكرية إسرائيلية سرية تشير إلى أن خمسة من كل ستة فلسطينيين قُتلوا على يد القوات الإسرائيلية في غزة كانوا من المدنيين...". وأضافت الصحيفة أن هذا "معدل قتل مفرط نادرًا ما كان له نظير في العقود الأخيرة من الحروب".
 
 
في العام 1895، أعلن ثيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية: "سوف نسعى إلى نقل السكان المعدمين (الفلسطينيين) عبر الحدود بتأمين فرص عمل لهم في بلدان العبور، بينما نمنع عنهم أي عمل في بلدنا الخاص... يجب أن يتم تنفيذ عملية المصادرة وترحيل الفقراء بتكتُّم وحذر".
والآن، في 22 آب (أغسطس) 2025، أصدر "تصنيف الأمن الغذائي المتكامل" التابع للأمم المتحدة تقريرًا عن حملة التجويع المستمرة التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في غزة، مشيرًا إلى أن: "المجاعة ليست مسألة الطعام فحسب؛ إنها التسبب المتعمّد في انهيار الأنظمة اللازمة لبقاء الإنسان".
وأصدر توم فليتشر، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، تحذيرًا جاء في جزء منه:
"إنها مجاعة. مجاعة غزة.
إنها مجاعة كان يمكننا منعها لو سُمح لنا بذلك. لكنّ المواد الغذائية تتكدس عند الحدود بسبب العرقلة المنهجية التي تمارسها إسرائيل.
إنها مجاعة على بعد مئات الأمتار فقط من الطعام، في أرض خصبة.
إنها مجاعة تضرب الأكثر ضعفًا أولًا. لكل منهم اسم، ولكل منهم قصة. مجاعة تجرد الناس من الكرامة قبل أن تنزع حيواتهم. تُجبر الوالد على أن يختار أي طفل من أطفاله يطعم. تجبر الناس على المخاطرة بحياتهم في محاولة الحصول على الطعام.
إنها مجاعة تلقينا التحذيرات منها مرارًا وتكرارًا. ولكن لم يُسمح لوسائل الإعلام الدولية بالدخول لتغطيتها. للشهادة عليها.
إنها مجاعة تحدث في العام 2025. مجاعة في القرن الحادي والعشرين تشرف عليها الطائرات المسيّرة وأحدث تكنولوجيا عسكرية في التاريخ.
إنها مجاعة يروّج لها بعض القادة الإسرائيليين علنًا كسلاح حرب". (انتهى الاقتباس)
يصرّ نتنياهو على أنه لا أحد في غزة يتضور جوعًا: "لا توجد سياسة تجويع في غزة، ولا يوجد جوع في غزة. نحن نسمح بدخول المساعدات الإنسانية طوال فترة الحرب إلى غزة – وإلا، لما كان هناك غزيون".
ومع ذلك، في تموز (يوليو)، خالف الرئيس دونالد ترامب ادعاء نتنياهو بعدم وجود جوع في غزة، مشيرًا إلى الصور التي تظهر لأشخاص هزيلين: "هؤلاء الأطفال يبدون جائعين جدًا".
تقول اثنتان من أبرز منظمات حقوق الإنسان في إسرائيل، "بتسيلم" و"أطباء من أجل حقوق الإنسان"، إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة.
وكما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز: "قال أميحاي إلياهو، النائب اليميني المتطرف الذي يرأس وزارة التراث في إسرائيل، في مقابلة إذاعية إنها ’لا توجد أمة تطعم أعداءها‘، مضيفًا أن ’البريطانيين لم يطعموا النازيين، ولا الأميركيون أطعموا اليابانيين، ولا الروس يطعمون الآن الأوكرانيين‘".
تشكل حملة المجاعة التي تنفذها إسرائيل جزءًا من استراتيجية بشعة للإبادة و/أو الترحيل يروّج لها الصهاينة اليمينيون المتطرفون وينفذها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو؛ وهي مدعومة من الرئيس دونالد ترامب الذي دعا إسرائيل إلى السيطرة على غزة ونقل الفلسطينيين إلى الدول المجاورة، بما في ذلك الأردن ومصر.
لقد روّج سياسيون إسرائيليون بارزون لحملة الإبادة. دعا وزير المالية اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، إلى الترحيل الجماعي للفلسطينيين من غزة؛ وأكد: "لقد أوضح الرئيس ترامب الأمر: يمكن لإسرائيل أن تحدد موعدًا نهائيًا صارمًا -إما أن يعود جميع الرهائن بحلول السبت، أو أننا نفتح أبواب الجحيم"، على حد قوله. وحثّ إسرائيل على أن "تطلق الجحيم حرفيًا" على غزة. وبالإضافة إلى ذلك، دعا وزير الاتصالات، شلومو كارهي، إلى تهجير الفلسطينيين وقطع إمدادات الكهرباء والمياه عنهم؛ وقالت وزيرة المواصلات، ميري ريغيف، إن على إسرائيل أن تعيد بناء المستوطنات في غزة التي كانت قد أخلتها في العام 2005.
والأكثر إثارة للقلق، وفقًا لما ذكرته صحيفة "الغارديان"، هو أن "قاعدة بيانات استخباراتية عسكرية إسرائيلية سرية تشير إلى أن خمسة من كل ستة فلسطينيين قُتلوا على يد القوات الإسرائيلية في غزة كانوا من المدنيين...". وتضيف الصحيفة أن هذا "معدل قتل مفرط نادرًا ما كان له نظير في العقود الأخيرة من الحروب".
وتشير "الغارديان" أيضًا إلى أن "مجلة 972+" الفلسطينية-الإسرائيلية، ووسيلة الإعلام العبرية "لوكال كول"، وجدت أن 53 ألف فلسطيني قُتلوا في الهجمات الإسرائيلية. وتضيف: "المقاتلون الذين وردت أسماؤهم في قاعدة بيانات المخابرات العسكرية الإسرائيلية شكّلوا 17 في المائة فقط من العدد الإجمالي، ما يشير إلى أن 83 في المائة من القتلى كانوا مدنيين".
في تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، أصدرت "المحكمة الجنائية الدولية" مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.
***
غالبًا ما يُنسى عند النظر في حملة الإبادة التي تُشن في غزة دور إسرائيل في تعزيز حركة "حماس". ويعود الكولونيل ديفيد حاخام، الخبير في الشؤون العربية في الجيش الإسرائيلي، إلى العام 1979 كتاريخ لبداية دور إسرائيل في رعاية الحركة، عندما وافق المسؤولون الإسرائيليون على إنشاء "المركز الإسلامي" (المعروف أيضًا باسم "المجمع الإسلامي") في غزة؛ الذي كان فرعًا لجماعة "الإخوان المسلمين". وكما قال حاخام لصحيفة "جيروزاليم بوست" في العام 2017: "لم تؤسس إسرائيل ’حماس‘، لكن ما تمّ فعله في العام 1979 أدى في النهاية إلى ما نعرفه اليوم كمنظمة إرهابية". وأضاف: "تلك كانت الخطيئة الأصلية".
في العام 1981، قال العميد يتسحاق سيغيف، الذي شغل منصب حاكم عسكري إسرائيلي في غزة في أوائل الثمانينيات، لصحيفة "نيويورك تايمز"، إن الحكومة الإسرائيلية قدمت له أموالًا لتمويل الحركة الإسلامية الفلسطينية لتكون بمثابة "ثقل موازن" لـ"منظمة التحرير الفلسطينية".
وفي العام 2009، قال أفنير كوهين، وهو مسؤول إسرائيلي متقاعد، لصحيفة "وول ستريت جورنال": "حماس، للأسف الشديد، هي من صنع إسرائيل". واعترف موضحًا أن "إسرائيل تعاونت مع رجل دين مشلول نصف أعمى يُدعى الشيخ أحمد ياسين، حتى بينما كان يضع الأسس لما سيصبح حماس".
وبطريقة أكثر وضوحًا، صرّح عضو الكونغرس السابق، رون بول (الجمهوري عن ولاية تكساس):
"... إذا نظرتم إلى التاريخ، ستجدون أن إسرائيل شجعت ’حماس‘، وهي التي بدأت ’حماس‘ حقًا، لأنها أرادت من ’حماس‘ أن تواجه ياسر عرفات... وهكذا عندئذ، قلنا نحن كأميركيين: ’لدينا نظام رائع. وسوف نفرضه على العالم...‘. ولذلك شجعنا الفلسطينيين على إجراء انتخابات حرة؛ وقد فعلوا، وانتخبوا ’حماس‘".
وفي العام 2019، قال رئيس الوزراء نتنياهو في اجتماع لحزبه، الليكود: "أولئك الذين يريدون إحباط إمكانية قيام دولة فلسطينية يجب أن يدعموا تقوية ’حماس‘ وتحويل الأموال إليها. هذا جزء من استراتيجيتنا". وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن نتنياهو دعم طويلًا تقديم الدعم المالي لـ"حماس" كوسيلة لإبقائها "هادئة".
يشير موقع "شرح الهولوكوست" إلى أن: "معسكرات الإبادة النازية كانت تهدف إلى قتل وإبادة جميع الأجناس التي اعتُبرت ’منحطة‘: اليهود بالدرجة الأولى، وإنما الغجر أيضًا".
للأسف، لا يسع المرء إلا أن يتساءل: هل أصبح الصهاينة اليمينيون المتطرفون نازيي القرن الحادي والعشرين؟
 
*ديفيد روزن David Rosen: كاتب ومحلّل أميركي يركز على تقاطعات الثقافة الشعبية، السياسة، الجنس، والتقنية. يمتلك خبرة تمتد لأكثر من عقد في الكتابة عن الحياة الأميركية. نشر ثلاثة كتب رئيسية منها "الجنس والخطيئة والتخريب: كيف تحوّلت محظورات نيويورك في الخمسينيات إلى الطبيعي الأميركي الجديد"،, Sin & Subversion: The Transformation of 1950s New York’s Forbidden into America’s New Normal (سكاي هورس، 2015)، الذي رُشح لجائزة "بوني وفيرن بلوف" للعام 2017.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:  The Politics of Extermination