عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Jun-2020

وهم الضم: مغامرة ميؤوس منها - شلومو افنري

 

هآرتس
 
من يؤيدون الضم يستندون إلى نظامين من التبرير يستخدمان بصورة مختلطة: الأول، أمني – استراتيجي. والثاني، ايديولوجي. التبرير الأمني يقول إنه ازاء الخصر الضيق للدولة في حدود 1967 فان إسرائيل ملزمة بضمان وجود أمني في مناطق الضفة الغربية، لا سيما في غور الأردن. هذا تبرير مشروع، توجد له صلاحية الآن، رغم الضغط الحالي للدول العربية، مع الاخذ في الحسبان الاحتمال الضئيل لاجراء مفاوضات مهمة مع الفلسطينيين حول اتفاق سلام. ولكن الحقيقة هي أن إسرائيل تسيطر فعليا على هذه المناطق، وضم الضفة أو أجزاء منها لن يحسن الوضع، بل العكس.
إسرائيل نجحت في الحفاظ على وضع قائم مركب خلال عشرات السنين رغم انتفاضتين ومن خلال تنسيق أمني غير بسيط مع السلطة الفلسطينية، الذي ضمن مصالحها ومنح الأمن ايضا لمواطنيها الذين يعيشون خلف الخط الاخضر. الجهد للحفاظ على هذا الوضع لم يكن سهلا، وكان يكتنفه ثمن سياسي واخلاقي. ولكن الهدوء الحالي يدل على نجاح إسرائيل. وضم الضفة أو أجزاء منها لن يضيف أي شيء لأمن إسرائيل ولن يمنح المستوطنين أمنا شخصيا أبعد مما هو قائم، بل سيعرض للخطر الوضع الحالي. هذه هي الرسالة التي تبثها أجهزة الأمن للحكومة وبصورة غير مباشرة للجمهور ويصعب أن لا نوافق على ذلك.
ومثلما اظهر تشيك فرايلخ “خسارة، كانت هناك دولة لطيفة” (“هآرتس”، 11/6)، فان الضم سيدهور الوضع في الضفة وسيفرض على إسرائيل استثمارات كبيرة اخرى في الأمن الجاري، وسيزيد العداء في اوساط الفلسطينيين ولن يكون له أي اسهام للامن. العنف الفلسطيني سيزداد وايضا الرد الإسرائيلي. ومهما كان ساحقا فمن شأنه أن يتسبب بضحايا في الارواح في اوساط الجيش. باختصار، الضم غير حيوي من ناحية امنية وهو سيضر بالهدوء الحالي، الذي هو افضل وضع ممكن في ظل غياب المفاوضات أو الاتفاق مع الفلسطينيين.
التبرير الثاني للضم هو ايديولوجي – تجسيد حلم ارض إسرائيل الكاملة، سواء بصيغة الوعد الالهي أو بصيغة القومية العلمانية. من يؤمنون بهذه الايديولوجيا يتجاهلون تماما أن قوة ومكانة إسرائيل لا تحلق في فضاء فارغ، بل هي مرتبطة بشبكة دولية يجب على كل دولة – أكيد دولة صغيرة مثل إسرائيل – أن تأخذها في الحسبان وأن تحظى بدعمها.
لا يمكن تجاهل أن ضم مناطق نتيجة احتلالها في الحرب، حتى في حرب دفاعية، غير مقبول اليوم على دول العالم، كما ان إسرائيل ملزمة بالامتناع عن فعل ذلك بقوة قرار مجلس الامن 242 الذي وافقت عليه. لا يوجد اليوم أي دولة في العالم ستوافق على ضم أحادي الجانب للضفة أو اجزاء منها. وليس صدفة أن خطة ترامب تربط بين امكانية الضم والمفاوضات مع الفلسطينيين، وحتى مع امكانية اقامة دولة فلسطينية.
الاحتلال والضم أحادي الجانب للقرم من قبل روسيا في عهد فلادمير بوتين في 2014 أثار أزمة عميقة بين روسيا والغرب وشطب بدرجة كبيرة الانفتاح الذي ميز العلاقات الدولية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة. الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي فرضوا على روسيا عقوبات مست بشكل كبير باقتصادها. وما لم يسمح به النظام الدولي لدولة عظمى مثل روسيا لن يسمح به بالتأكيد لدولة مثل إسرائيل.
إسرائيل يجب عليها – لا يهم أي حكومة تقودها – فحص خطواتها من خلال اعتبارات براغماتية وعقلانية وموضوعية من اجل أن تضمن أمنها وازدهارها. ويجب عليها عدم الانجرار وراء ايديولوجيا متطرفة تحرمها من دعم العالم ودعم اجزاء من الشعب اليهودي، لا سيما في الوقت الحالي الذي تقف فيه إسرائيل امام التحدي الصعب المتمثل باعادة تأهيل اقتصادها في اعقاب ازمة الكورونا. حكومة إسرائيل الحالية هي مخلوق هجين غريب: يجب علينا الأمل في أن تتغلب الاصوات العقلانية والحكيمة على التطرف الايديولوجي الذي يرى بإسرائيل وباليهود شعب سيعيش معزولا. إسرائيل السيادية هي جزء من العالم ودعمه حيوي لامنها ووجودها. وضعضعة الوضع الحالي، الذي حتى في ظل غياب اتفاق هو مريح نسبيا لإسرائيل رغم تعقيده، ستكون مغامرة ميؤوس منها.