الدستور- بداية لا يختلف اثنان على قوة الصدمة الاقتصادية التي تسبب بها تفشي فيروس كورونا على مختلف دول العالم، إلا أن هناك قناعات راسخة تعززها التجارب السابقة بإن النشاط الاقتصادي لا يمكن أن يعود ضمن دورته الطبيعية في ظل الظروف الحالية التي يشهدها، بل يحتاج إلى حزمة من المحفزات وأدوات التنشيط لإعادة الزخم إلى مفاصله وقطاعاته المختلفة.
قرار فتح الاقتصاد وإعادته إلى العمل دون دفعة حكومية لا يمكن وصفه بأكثر من قرار إداري لا علاقة له بتنشيط القطاعات وإدارة عجلة الإنتاج مرة أخرى، إذ بدون ضخ سيولة كافية تتيح للمنتجين القدرة على الاستمرار في دفع الرواتب وتحمل كلف المواد الأولية، وتشجع المستهلكين على الشراء لا يمكن للعرض والطلب أن يعود إلى طبيعته، وستبقى الشركات والمؤسسات تأن تحت وطأة الإنفاق بدون إيرادات تغطي تكاليف التشغيل والأجور، والنتيجة حتمية بإعلان إفلاس جزء كبير منها وتقليص حجم العمالة إلى الحدود الدنيا في الشركات التي ستتمكن من الاستمرار.
ضخ سيولة تنشيطية وحوافز ضريبية ودعم الأجور تمثل أساسيات ضرورية لدعم الاقتصاد وحماية ما يمكن حمايته من القطاعات الأكثر تضرراً، فبدون سيولة متوفرة في الأسواق ما فائدة فتح المصانع والفنادق والشركات أبوابها، ولمن ستنتج أو تقدم خدماتها، فإذا كان المستهلك يعاني شحاً في السيولة فمن أين ستتولد القدرة على الشراء وإدامة العرض والطلب وعودة الحياة إلى عروق الاقتصاد.
ندرك تماماً أن الميزانية العامة تعاني عجزاً وأن حجم المديونية أصبح يمثل هاجساً كبيراً، إلا أن القاعدة تقول بأن الضرورات تبيح المحظورات، والاقتراض الأن مبرر وقد يكون طوق النجاة للاقتصاد الأردني، خاصة وأن تصريحات وزارة المالية تؤكد أن الإقبال على إصدار سندات اليوروبوند الأخيرة فاق الطلب 6.25 أضعاف حجم الإصدار ما يعكس ثقة المستثمرين والمجتمع الدولي في متانة ومنعة الاقتصاد الوطني، وتعطي مؤشراً على أن منابع التمويل ما زالت متوفرة ومتاحة بنسب إقراض معقولة، فلماذا تحجم الحكومة عن اللجوء إلى مثل هذا الإجراء، كون ما تحصل من الإصدار الحالي سيذهب بشكل رئيسي لإطفاء ديون دولية وجزء يسير منه لإطفاء ديون للبنوك محلية، أي أنه لن يؤثر بشكل كبير في سيولة السوق الوطني.
سنوات طويلة ونحن نعاني عجزاً في ميزانيتنا والاقتراض أصبح جزءا من سياستنا المالية، والجميع مدرك لحجم الضرر الواقع على قطاعات كثيرة بدأت بضخ أعداد كبيرة إلى طابور البطالة، وما سينتج عن ذلك من تداعيات اجتماعية لا أحد قد يتوقع مآلاتها ونتائجها.
دول كثيرة لجأت إلى ضخ سيولة في أسواقها ودعمت رواتب القطاع الخاص لضمان استمرار سلسلة الإنتاج والاستهلاك، فيما نحن نريد للاقتصاد أن ينتعش ذاتياً.