عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Jan-2021

“بتسيلم”: إسرائيل دولة “أبارتهايد” وما يجري بحق الفلسطينيين خطير ومرشح للتدهور

 رام الله – وصفت وثيقة صادرة عن مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم”، إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري “أبرتهايد”

وتستعرض الوثيقة، التي نشرت أمس الطريقة التي يعمل بها النظام الإسرائيلي سعياً إلى أهدافه في كافة الأراضي الواقعة تحت سيطرته.
وتعرض المبادئ التي توجه النظام وتقدم أمثلة على تطبيق هذه المبادئ، كما تشير إلى الاستنتاج المشتق من ذلك بخصوص تعريف هذا النظام وبخصوص حقوق الإنسان.
وجاء في الوثيقة أن “النظام الإسرائيلي يطبق بكافة الأراضي الممتدة بين النهر والبحر قوانين وإجراءات وعُنفاً منظماً (عنف الدولة) غايتها السعي إلى تحقيق وإدامة تفوق جماعة من البشر أي اليهود على جماعة أخرى هُم الفلسطينيون. وتشكل هندسة الحيز بطريقة مغايرة لكل من هاتين المجموعتين إحدى الأدوات المركزية التي يستخدمها النظام لتحقيق هذا الهدف.”
وتقول الوثيقة: “المواطنون اليهود المقيمون في الاراضي الممتدة بين النهر والبحر يديرون حياتهم كأنما هي حيز واحد (ما عدا قطاع غزة). الخط الاخضر يكاد لا يعني شيئاً بالنسبة إليهم ومسألة إقامتهم غربه ضمن الحدود السيادية للدولة أو شرقه في المستوطنات التي لم تضمها إسرائيل رسمياً لا علاقة لها بحقوقهم أو مكانتهم. في المقابل نجد أن مكان الإقامة مسألة مصيرية بالنسبة للفلسطينيين. لقد قسم النظام الإسرائيلي الأراضي الممتدة بين النهر والبحر إلى وحدات مختلفة تتميز عن بعضها البعض في طريقة سيطرته عليها وتعريفه لحقوق سكانها الفلسطينيين. هذا التقسيم ذو صِلة بالفلسطينيين فقط وهكذا فإن الحيز الجغرافي المتواصل بالنسبة لليهود هو بالنسبة إلى الفلسطينيين حيز فسيفسائي مشظىً يتشكل من قطع مختلفة”.
وبحسب الوثيقة، “تخصص إسرائيل للسكان في كل من هذه الوحدات المعزولة رزمة من الحقوق تختلف عن تلك المخصصة لسكان الوحدات الأخرى – وجميعُها حقوق منقوصة مقارنة برزمة الحقوق الممنوحة للمواطنين اليهود. نتيجة لهذا التقسيم يتم تطبيق مبدأ التفوق اليهودي بطريقة مختلفة في كل وحدة مما يُنتج شكلاً مختلفاً من الظلم الواقع على الفلسطينيين المقيمين فيها.
وتؤكد أن واقع حياة الفلسطيني في غزة يختلف عن واقع حياة الفلسطيني في الضفة، وهذا يختلف عن واقع حياة فلسطيني ذي مكانة المقيم الدائم في القدس أو مواطن فلسطيني داخل الخط الأخضر. لكن هذه الفروق هي الأوجُه المختلفة لتدني مكانة الفلسطيني وحقوق المنقوصة مقارنة باليهود المقيمين في المنطقة نفسها.”
وقدمت الوثيقة، تفصيلاً لأربع وسائل رئيسة يسعى النظام الإسرائيلي من خلالها إلى تحقيق التفوق اليهودي، “اثنتان منها تطبقان بشكل مشابه في كافة المناطق: تقييد الهجرة لغير اليهود والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية لأجل بناء بلدات لليهود فقط وفي موازاة ذلك لأجل إنشاء معازل فلسطينية على مساحات ضيقة. الوسيلتان الأخيرتان يجري تطبيقهما على الأخص في المناطق المحتلة: قيود مشددة على حرية حركة وتنقل الفلسطينيين من غير المواطنين وتجريد ملايين الفلسطينيين من الحقوق السياسية.
وتصعب إسرائيل، بحسب بتسيلم، “ليس فقط هجرة الفلسطينيين من دول أخرى إلى الأراضي التي تسيطر عليها وإنما تصعب أيضاً انتقالهم بين المعازل المختلفة إذا ما كان هذا الانتقال يؤدي إلى تحسين مكانتهم وفق تصور النظام. فعلى سبيل المثال يمكن لفلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية أو مقيم في شرقي القدس أن ينتقل للسكن في الضفة الغربية دون صعوبة لكنه بذلك يخاطر بحقوقه ومكانته القانونية كمقيم دائم، في المقابل لا يمكن للفلسطينيين سكان المناطق المحتلة الحصول على مواطنة إسرائيلية والانتقال للسكن داخل الحدود السيادية لإسرائيل إلا في حالات استثنائية جداً ووفقاً لاعتبارات الجهات الإسرائيلية.”
كما تصعب إسرائيل على الفلسطينيين، طبقا لهذه الوثيقة، ليس فقط الحصول على مكانة في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها وإنما هي أيضاً تضع موضع الشك حق سكان المناطق المحتلة – وبضمنهم سكان شرقي القدس التي ضمتها إلى حدودها – في مواصلة الإقامة في المنطقة التي وُلدوا ونشأوا فيها، فمنذ العام 1967 سحبت إسرائيل مكانة نحو رُبع مليون فلسطيني من الضفة الغربية (يشمل شرقي القدس) وقطاع غزة بذرائع مختلفة من بينها مكوثهم خارج المناطق طوال أكثر من ثلاث سنوات. من بين هؤلاء عشرات آلاف المقدسيين الذين انتقلوا للسكن في أراضي الضفة الغربية التي لم تضمها إسرائيل في أماكن تبعد فقط بضع كيلومترات شرقًا عن منازلهم. هؤلاء جميعاً صودر حقهم في العودة لمنازلهم وعائلاتهم والأماكن التي وُلدوا ونشأوا فيها”.
الى ذلك، يقول مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم” إن “إسرائيل تطبق في كافة الأراضي الممتدة بين النهر والبحر سياسة تهويد المكان التي يوجهها تصور يعتبر الأرض مورداً مخصصاً لخدمة اليهودي بشكل شبه حصري. وفقاً لهذا التصور تتم إدارة موارد الأرض بهدف تطوير وتوسيع البلدات اليهودية وإقامة بلدات جديدة لليهود، وفي الوقت نفسه تجريد الفلسطينيين من الأراضي ودحرهم إلى معازل ضيقة ومكتظة.
وتضيف الوثيقة، أنه “بعد العام 1967 سلك النظام الإسرائيلي وفق المبدأ الناظم نفسه في الضفة الغربية (بما في ذلك الأراضي التي ضُمت رسمياً لمسطح نفوذ بلدية القدس): أكثر من مليوني دونم وبضمنها مراعٍ وأراضٍ زراعية نهبتها إسرائيل من الرعايا الفلسطينيين بشتى الذرائع وسخرتها لأغراض عديدة وبضمنها إقامة وتوسيع مستوطنات – إضافة مساحات عمرانية وأراضٍ زراعية ومناطق صناعية. جميع المستوطنات مناطق عسكرية مغلقة يُحظر على الفلسطينيين دخولها دون تصريح. هنالك اليوم أكثر من 280 مستوطنة في أنحاء الضفة الغربية (يشمل شرقي القدس) يقيم فيها ما يزيد على 600 ألف مواطن يهودي. كذلك نهبت الدولة من الفلسطينيين أراض أخرى لأجل شق مئات الكيلومترات من الشوارع الالتفافية المخصصة للمستوطنين.”
وتحدثت “بتسيلم” في وثيقته عن تقييد حرية حركة وتنقل الفلسطينيين، مشيرة الى أن إسرائيل تتيح لمواطنيها والمقيمين فيها – اليهود والفلسطينيين- حرية التنقل بين المناطق المختلفة التي تسيطر عليها باستثناء قطاع غزة الذي عرفته “كياناً معادٍياً”. غير أنها تمنع دخول مواطنيها إلى المناطق التي نُقلت إدارتها شكلياً إلى السلطة الفلسطينية “مناطق A”، الا في حالات استثنائية يحصل الفلسطينيون المواطنون والمقيمون في إسرائيل على تصاريح دخول إلى قطاع غزة. إضافة إلى ذلك يحق لكل مواطن إسرائيلي مغادرة الدولة والعودة إليها متى شاء. وفي المقابل لا يملك سكان شرقي القدس لا جوازات سفر إسرائيلية وقد يعرضهم المكوث لمدة طويلة خارج الدولة إلى فقدان مكانة “المقيم الدائم”.
وكممارسة روتينية يقيد النظام الإسرائيلي حركة الفلسطينيين سكان المناطق المحتلة ويمنعهم عموماً من العبور بين وحدات المناطق الواقعة تحت سيطرته.
سكان الضفة الغربية وفق بتسليم الذين يريدون دخول إسرائيل أو شرقي القدس أو قطاع غزة يُطلب منهم تقديم طلب تصريح إلى السلطات الإسرائيلية. أما قطاع غزة فقد فرضت إسرائيل عليه حصاراً منذ العام 2007 وحبست سكانه داخله بعد أن منعت أي خروج منه أو دخول إليه – سوى في حالات قليلة، حالات “إنسانية” وفقاً لتعريف إسرائيل. سكان قطاع غزة الذين يريدون مغادرة القطاع والفلسطينيون سكان المعازل الأخرى الذين يريدون دخول القطاع عليهم تقديم طلب خاص للحصول على تصريح. الجدير ذكرُه أن إسرائيل مقلة جداً في إصدار هذه التصاريح والحصول عليها يخضع لنظام تصاريح صارم وتعسفي يفتقر للشفافية والقواعد الواضحة – هكذا تعتبر إسرائيل كل تصريح تصدره لفلسطيني حسنة تتفضل بها عليه لا حقاً مكفولاً له.
ويقول مركز “بتسيلم” إنه “داخل أراضي الضفة الغربية تسيطر إسرائيل على جميع الشوارع الموصلة بين المعازل الفلسطينية. هذه السيطرة تتيح للجيش أن ينصب الحواجز الفجائية متى شاء وأن يسد مداخل القرى وأن يغلق الشوارع ويمنع الحركة في الحواجز. إضافة إلى ذلك أقامت إسرائيل جدار الفصل داخل أراضي الضفة أيضًا وإذاك عرفت الأراضي الفلسطينية الواقعة شرقي الجدار “منطقة تماس”، وبضمنها أراضٍ زراعية، ثم قيدت دخول الفلسطينيين إلى هذه الأراضي وأخضعته لنظام التصاريح نفسه.
وحول المشاركة السياسية تقول الوثيقة، إن “الفلسطينيين المقيمين في المناطق المحتلة والبالغ عددهم نحو خمسة ملايين لا يشاركون في المنظومة السياسية التي تتحكم بحياتهم وتحدد مستقبلهم. نظرياً يحق لمعظم هذه المجموعة من الفلسطينيين أن تشارك في انتخابات السلطة الفلسطينية، لكن صلاحيات هذه السلطة محدودة بحيث حتى لو جرت الانتخابات بانتظام (آخر انتخابات للسلطة جرت في العام 2006) تبقى حياة السكان الفلسطينيين خاضعة لقرارات ورغبات النظام الإسرائيلي الذي يُمسك بالمفاصل المركزية للسلطة في المناطق المحتلة، ومنها الهجرة وسِجل السكان وسياسة الأراضي والتخطيط وتوزيع موارد المياه وشبكة الاتصالات والاستيراد والتصدير والأهم: السيطرة العسكرية على الأرض والجو والبحر. الفلسطينيون سكان شرقي القدس موجودون في وضع وسطي: بصفتهم مقيمون دائمون في إسرائيل يحق لهم المشاركة في انتخابات بلدية القدس وليس في انتخابات الكنيست. أما عن حق المشاركة في انتخابات السلطة الفلسطينية فإن إسرائيل تصعبه عليهم بعراقيل كثيرة”.
ويجيب مركز “بتسيلم” في وثيقته على سؤال: إذا كنا نتحدث عن نظام يتشكل ويجري تطبيقه منذ سنين طويلة فما الجديد وما الذي تغير الآن؟ لماذا ننشر ورقة الموقف هذه الآن في العام 2021؟ ويؤكد جوابا على ذلك “يكمن التغيير الأساسي في السنوات الأخيرة في استعداد وتحفز ممثلي النظام وهيئات رسمية لتكريس مبدأ التفوق اليهودي دستورياً والتصريح بهذه النوايا علناً وعلى رؤوس الأشهاد. لقد تجلت سيرورة إزالة الأقنعة في ذروتها لدى سن “قانون أساس: إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي” وعند إعلان نوايا الضم الرسمي (دي يوري – بحُكم القانون) لأجزاء من الضفة الغربية بعد سنين طويلة من الضم الفعلي (دي فاكتو- بحُكم الأمر الواقع) ليسقط بذلك القناع الذي دأبت إسرائيل على التخفي من ورائه طوال سنين.
ويؤكد “بتسيلم” أن “منطق عمل هذا النظام وطريقة تطبيقه مماثلان لما كان في نظام الأبارتهايد الذي اتبعته جنوب إفريقيا في الماضي، والذي كانت غايته الحفاظ على تفوق المواطنين البيض في الدولة بوسائل عدة منها تقسيم السكان إلى جماعات ذات مكانات مختلفة ومنح حقوق مختلفة لكل منها. هناك بطبيعة الحال فوارق بين النظامين – منها أن الفصل في جنوب إفريقيا اعتمد العرق ولون البشرة بينما اعتمدت إسرائيل الأصل القومي والإثني، ومنها ان الفصل هناك تجلى أيضاً في الحيز العام فصلاً بين الناس على أساس لون البشرة، فصل رسمي وعلني يتم إنفاذه وضبطه بعمل الشرطة بينما تتفادى إسرائيل بشكل عام مثل هذه التجليات البارزة. ولكن تعريف نظام الأبارتهايد في الخطاب العام وفي القانون الدولي لا يتطلب ولا يفترض التطابُق مع نظام الأبارتهايد الذي ساد في جنوب إفريقيا لأن مثل هذا التطابُق التام لن يحدث أبداً. لقد تحولت مفردة “أبارتهايد” منذ زمن إلى مفهوم مستقل (مكرس نصاً في المواثيق الدولية أيضاً) جوهره المبدأ الناظم لعمل النظام: النظام الذي يعمل بشكل منهجي على تحقيق تفوق جماعة بعينها من البشر على جماعة أخرى والحفاظ على هذا التفوق.
وشدد “بتسيلم” في وثيقته على أنه يصح القول إن النظام الإسرائيلي نظام أبارتهايد رغم أنه لم يصرح علناً عن نفسه كهذا أبداً، بل على العكس – ممثلو النظام يصرحون صباح مساء أنه نظام ديمقراطي. ذلك أن مثل هذه التصريح العلني لا يلزم لتعريف النظام كنظام أبارتهايد فالعنصر الحاسم في ذلك ليس ذاك التصريحي بل الوقائعي: أي ممارسات النظام. صحيح أن النظام في جنوب إفريقيا صرح عن نفسه أنه كذلك في العام 1948 ولكن بالنظر إلى العبر التاريخية لا يُعقل أن نتوقع من أية دولة أن تفعل ذلك في أيامنا وأن تتطوع في الإعلان عن نفسها كدولة أبارتهايد. الأكثر معقولية هو أن رد الفعل الدولي من قبَل معظم دول العالم على نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا يمنع دولاً أخرى من الاعتراف أنها تطبق نظاماً مشابهاً ومن الواضح أن ما كان ممكناً في العالم 1948 ليس ممكناً اليوم – لا على الصعيد الجماهيري ولا القضائي.
واختتم مركز المعلومات الإسرائيلي وثيقته بالقول: “إن تصويب النظر نحو الواقع أمرٌ مؤلم لكن ما يؤلم أكثر هو العيش تحت “البسطار”. الواقع الذي تصفه هذه الوثيقة جدي وخطير ولكنه واقع مترشح لمزيد من التدهور والتصعيد عبر تطبيق ممارسات جديدة – مع تكريسها في قانون أو بدون ذلك. ولكن من أقاموا هذا النظام هُم بشر وهُم من يستطيعون فرض المزيد من التصعيد – وهُم أيضاً من يستطيعون تغييره. هذا بالضبط هو الأمل الذي حذا بنا إلى صياغة ورقة الموقف هذه. لأنه كيف يمكن النضال ضد الظلم إذا لم نسمه باسمه؟ الأبارتهايد هو المبدأ الناظم – ولكن توصيفه وتعريفه بما هو لا يعني الاستسلام ورفع الراية البيضا، وإنما على العكس تماماً: إنه نداء للتغيير.