عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Nov-2025

في يوم الحرية.. كيف نمارسها بوعي في علاقتنا وداخل بيوتنا؟

  الغد

في خضم احتفال العديد من الجهات الدولية والأهلية باليوم العالمي للحرية، الذي يصادف التاسع من نوفمبر من كل عام، يتجه كثيرون إلى التأمل في أن الحرية لا تقتصر على بعدها العالمي أو السياسي فحسب، بل تمتد إلى عمق تفاصيل حياتنا اليومية.
 
 
حياتنا التي تقوم على احترام خصوصية الآخرين هي شكل من أشكال الحرية أيضا، لكنها حرية تتطلب ضمانات. فعدم تداول المقاطع المسيئة عبر منصات التواصل الاجتماعي، يمثل وجها يوميًا من وجوه صون حرية الآخرين. كما أن التطفل على حياة الناس وتمحيص تفاصيلها يستدعي وضع حدود واضحة للحرية.
وفي التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للحرية، إحياء لذكرى سقوط جدار برلين عام 1989، الذي مثل نهاية الحكم الشيوعي في أوروبا وإعلانا لانتصار قيم الحرية.
لكن، ومع ما يشهده العالم من تطور وانفتاح هائل في مختلف جوانب الحياة بفعل التكنولوجيا، بات كثيرون يرون أن الحرية لا يجب أن تظل حبيسة المصطلحات والمفاهيم السياسية أو الاقتصادية أو حتى الدينية، بل هناك نوع من الحرية أكثر قربا من الإنسان، يجب أن تكون مصونة وفي الوقت ذاته محدودة، وهي حرية التعامل مع الآخرين في تفاصيل حياتنا اليومية.
 متى تبدأ حريتك؟
"شعار حريتي تنتهي عند بداية حرية الآخرين بات أمرا مختلفا منذ أن دخل هذا العالم الافتراضي بيوتنا، ونحن بحاجة إلى تذكير بعضنا بعضا بما تعنيه حرية استخدام التكنولوجيا في هواتفنا وكاميراتها". بهذا القول يتحدث حمزة ربيع، الذي يعمل في قطاع التكنولوجيا، ويرى أن ما يشهده يوميا في حياته الشخصية والعملية يؤكد أن كثيرين يعتقدون أن مجرد امتلاكهم لهواتفهم يمنحهم حرية مطلقة في النشر والتعبير والطرح، وهو أمر في غاية الخطورة.
في حين ترى أمل مدني أن الحرية مفهوم واسع لا يمكن أن يختزل في الحريات العامة للدول والمجتمعات، فاحترامها يبدأ من الأسرة الصغيرة، من خلال احترام خصوصية أفرادها ومنح كل شخص فيها مساحة من الحرية "المنضبطة"، لتنطلق بعدها هذه الثقافة نحو احترام حرية الآخرين وحمايتها في الوقت نفسه.
وفي المحصلة، فإن جميع الحريات التي نتحدث عنها هنا تتمحور حول العلاقات الاجتماعية في حياتنا اليومية، والتي تبنى عليها أسس المجتمعات. لذلك، يرى اختصاصي علم الاجتماع والأسرة مفيد سرحان أن الحرية هي الفطرة التي خلق الله تعالى الناس عليها، وهي صفة ملازمة للإنسان تميزه عن غيره من المخلوقات.
تحرر الإنسان من القيود 
والحرية في الأصل هي لجميع الناس، وضرورة من الضروريات الإنسانية، كما أن الحرية تعني أيضا أن يتحرر الإنسان من القيود التي تكبل طاقاته وقدرته على الإنتاج والعطاء والإبداع، كما يقول سرحان، وهي قيمة عظيمة وهي حرية الاختيار والإرادة وهي حرية الرأي والتعبير.
كما أن الحرية بمفهومها الشامل هي حجر الأساس لكل مجتمع يسعى للتحضر والتقدم والازدهار، والدليل على حرية الإنسان، كما يبين سرحان، أن هذه الحرية ترتبط دائما بالمسؤولية، فإن لم يكن الشخص حر الإرادة، فلا مسؤولية عليه.
وتتجلى الفوضى عندما تتجاوز تصرفات الأفراد حدود الاحترام المتبادل، وتستند فقط إلى المصالح الشخصية دون مراعاة القيم الأخلاقية أو حقوق الآخرين. 
 الحدود والضوابط بالعلاقات
ويبين سرحان أن ذلك من شأنه أن يضعف الروابط الاجتماعية، وتسود الأنانية على حساب القيم الفاضلة والمشتركة، وينعكس ذلك في مظاهر عديدة، منها التجاوز على الذوق العام وقواعد المرور، وانخفاض احترام الطلاب لمعلميهم في المدارس.
كما أن عدم احترام الحرية المتبادل في المجتمع من شأنه أن يزيد نسبة العنف اللفظي والجسدي، وتزايد حملات التشهير والاساءة للآخرين، وهو ما نراه فعليا عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ويشير سرحان إلى أن الحرية بنظر كثيرين، أن يفعل الإنسان ما يشاء دون أن يكون لها حدود أو ضوابط. وبهذا الاعتقاد سنرى الفوضى العارمة تبيح لبعضهم تجاوز حدود الآخرين والتعدي عليهم، وهذا أمر لا يقبله أحد ولا يبيحه شرع أو قانون أو منطق سليم، فهنالك فرق كبير بين الحرية الحقيقية وبين الفوضى التي قد تسمى حرية، بمعنى أن تفعل ما تشاء شريطة ألا تضر بنفسك أو بالآخرين.
الحرية المسؤولة بخير الأفراد 
ولا تقتصر أيضا معاني الحرية في المجتمع فقط، بل أن لكل فرد في الأسرة مساحة حرية، والتي تبدأ من الزوجين والأسرة، والتي هي أسمى درجات "الحرية المسؤولة" وهي التي تراعي حقوق الآخرين، وتلتزم بالقوانين التي تحفظ النظام والعدالة والعادات والتقاليد، وهي نموذج لكون الحرية تعني أن الحقوق تأتي مع أداء الواجبات، وأن المسؤولية جزء لا يتجزأ من الحرية، بحسب سرحان. 
ويؤكد سرحان أن الحرية التي لا تضبطها المسؤولية، تتحول إلى فوضى، والحرية والمسؤولية هما بمثابة كفتي الميزان، لا بد من تواجدهما معا، لتحقق للأفراد كافة الأمور الإيجابية، أما المسؤولية، فتحرص على حماية الصالح العام، وعدم التعدي على الآخر والمساس بحريات الآخرين والحرص على حماية الصالح العام وتجنب التصرف المؤذي، أو الاصطدام بالقانون أو التعدي على الصالحِ العام.
وما بين حرية الإعلام، التملك، الاعتقاد، حرية الدول، والتعبير.. وغيرها من المسميات، تعتقد المعلمة إشراق موسى، أن تعليم الأطفال منذ البداية حرية التعبير عن مشاعرهم مهما كانت، هي الخطوة الأساسية في تعليمهم معنى الحرية الحقيقي فيما بعد.
وتقول إشراق، إن تعليم الطفل التعبير عن مشاعره بكل حرية وسلاسة يساعده على المدى البعيد في تعلم مفهوم حرية القول أو العمل والاختيار. ولكن قد يكون دور المدرسة والأهل فيما بعد تعليمه أن هناك حدا لهذه الحرية ينتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، وسنشاهد بعد ذلك شخصا قادرا على وضع حدود له دون المساس بحريته. 
الحرية وتحقيق الاستقرار المجتمعي
إذاً، وكما ترى إشراق أن الأساس يبدأ من حرية التعبير عن المشاعر، يقول سرحان أيضا إن الحرية الحقيقية تحمي الإنسان من نفسه وتحميه من الآخرين أيضاً، كما أنها تحمي غيرك منك ومن أن تضر أحداً أو تتدخل في حياته وقراراته، لأن الهدف منها هو تحقيق مصالح الناس وليست للإساءة لهم، أو لبعضهم وتساهم في تحقيق الاستقرار والأمن الاجتماعي وليست لتهديد الاستقرار الاجتماعي، كونها "حقا وليست سلاحاً ضد الآخر". 
ويمكن أن تتحول الحرية إلى فوضى، فعندما يعتقد الناس أن الحرية تعني التحرر من جميع القواعد والضوابط والقوانين والقيم والاخلاق، يشيع بينهم سلوك غير مسؤول قد يؤدي إلى زعزعة الأمن الاجتماعي.  لذا، فإن الحرية بالمعنى الصحيح تحمي الإنسان، بينما الفوضى تحرم وتسلب وتحزن وعاقبتها مؤلمة.
وهكذا يقترن حق الحرية بواجب المسؤولية، بحيث تفقد الحرية معناها بدون المسؤولية، وتفقد المسؤولية معناها بدون الحرية، فالعلاقة بينهما علاقة تلازم وتكامل، فالإنسان حر ما لم يضر نفسه أو غيره.
 الحرية المطلقة والسلوك الفوضوي 
ويقول سرحان، الحرية لا تعني التجاوز أو الخروج عن النظام، أو الشتم والتجريح، وإلا تحولت إلى فوضى. كما أنها ليست "رخصة لنفعل ما نريد في الوقت الذي نريد"، بل إن نفعل ما يجب علينا فعله. فالحرية المطلقة من غير قيود ولا حدود هي سلوك فوضوي مدمر، لا يليق بالإنسان صاحب القيم، ولا بحياته ومجتمعه.
ويشدد سرحان على أن الحرية الحقيقية تتطلب وعيًا ونضجا فكريا واخلاقيا، إذ يدرك الفرد أن حريته تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين، وهي جوهر الإنسانية وأساس التقدم والرقي. كما يؤكد أن الحرية تحتاج إلى فهم عميق ومسؤولية كبيرة، ومن الضروري أن نتعلم كيف نمارسها دون أن نتسبب بالفوضى، وأن نعي أنها وسيلة لبلوغ السعادة والمحافظة على السلم والأمن المجتمعي.
وليكن شعارنا، كما يقول سرحان: "كن حرا بكل معاني الكلمة، واحذر أن تكون فوضويا".