عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Aug-2025

إسرائيل تخوض حربا لا تستطيع كسبها

 الغد

ترجمه (بتصرف): علاء الدين أبو زينة
عامي أيالون* - (فورين أفيرز) 5/8/2025
الطريق إلى قيام دولة فلسطينية وحده القادر على وقف الكارثة في غزة -وعلى العالم أن يقود المسار.
 
 
أصبحت الحرب التي اندلعت بعد المجزرة التي قادتها حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 أكثر الصراعات تحوّلًا في الشرق الأوسط منذ الربيع العربي. مع ذلك، وبعد مرور أكثر من 22 شهرًا على إطلاق قوات الدفاع الإسرائيلية حملتها لتدمير حماس، ما تزال إسرائيل بلا نهاية سياسية محددة. وقد تعثرت المفاوضات حول وقف لإطلاق النار في غزة، وعمّق فشل إسرائيل في تصوُّر "اليوم التالي" للحرب الكارثة الإنسانية في القطاع، التي أصبحت تشمل أزمة جوع متفاقمة. ومع تحوّل الصراع أكثر فأكثر إلى مشكلة إقليمية ودولية دامية، بدأ لاعبون من خارج إسرائيل يتدخلون لمحاولة إيجاد حل: يوم الاثنين الماضي، أطلقت فرنسا والمملكة العربية السعودية خطة في الأمم المتحدة لفرض نهاية أكثر حسماً للقتال، ولتشجيع الدول الأخرى على الاعتراف بدولة فلسطين ودعم إنشاء دولتين على حدود 1967 استنادًا إلى قرارات مجلس الأمن الدولي. وقالت كندا وفرنسا والمملكة المتحدة إنها ستعترف بدولة فلسطين بحلول أيلول (سبتمبر) المقبل ما لم تتوقف الحرب.
في كل هذا، تبدو الحكومة الإسرائيلية الحالية عاجزة عن تغيير نهجها، على الرغم من أن هدفها العسكري الرئيسي -تفكيك البنية التحتية "الإرهابية" لحماس- قد تحقق إلى حد كبير. وترك غياب أي رؤية إسرائيلية طويلة المدى إسرائيل، وغزة، والمنطقة الأوسع في حالة فوضى ممتدة. ذلك أن الحروب التي بلا هدف سياسي واضح لا يمكن كسبها ولا يمكن إنهاؤها. وكلما طال فراغ التخطيط الإسرائيلي، ازداد اضطرار الفاعلين الدوليين إلى التكاتف لمنع وقوع كارثة أسوأ من هذه التي تتكشف حاليًا. ويجب أن يفعلوا ذلك -ليس من أجل الإسرائيليين والفلسطينيين فحسب، بل أيضًا من أجل استقرار المنطقة ومن أجل خدمة مصالحهم الخاصة. كانت الحرب التي أعقبت المجزرة التي ارتكبتها حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) حربًا عادلة. لكنها تصبح اليوم حربًا غير عادلة، غير أخلاقية، وضد مصلحة إسرائيل نفسها حين تنقل المسؤولية عن الكارثة الإنسانية في غزة من حماس إلى إسرائيل.
تغيّر المناخ
ثمة حدثان رئيسيان أعادا تشكيل المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين: الربيع العربي؛ وهجمات السابع من تشرين الأول (أكتوبر). من جهته، غيّر الربيع العربي، الذي بدأ في أواخر العام 2010، الديناميات الداخلية للعديد من الأنظمة في الشرق الأوسط بشكل جذري. فقد أعطى الحركات الشعبية قوة؛ وأضعف الشرعية التقليدية للطغاة؛ وأجبر حتى أكثر القادة استبدادًا على أن يصبحوا أكثر استجابة لمشاعر شعوبهم. وكان ينبغي على القادة الإسرائيليين والأميركيين أن يفهموا أن الربيع العربي سيؤثر، على المدى الطويل، في كيفية استجابة مختلف الفاعلين الإقليميين للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. لطالما شكّلت القضية الفلسطينية شعارًا موحِّدًا لفاعلين متباينين -من السنة والشيعة، والعرب والفرس، والإسلاميين والقوميين، ومثّلت رابطًا أيديولوجيًا لـ"طوق النار" الإيراني: حزب الله في لبنان؛ وحماس في غزة؛ والحوثيين في اليمن؛ والميليشيات الشيعية في العراق وسورية. ومع أن هذه الجماعات كثيرًا ما كانت على خلاف، فإن قضية فلسطين كانت نقطة تجمّع ومصدر شرعية في العالم الإسلامي الأوسع.
كان تجاهل هذه الحقيقة خطأ جوهريًا من جانب صانعي السياسات الإقليميين والعالميين على حد سواء. لم تكن مجزرة 7 تشرين الأول (أكتوبر) مجرد عمل إرهابي وحشي. كانت حدثًا حمل رسالة سياسية متعمدة، تتحدى بشكل مباشر عقيدة "إدارة الصراع" التي حدّدت سياسة إسرائيل في عهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لأكثر من عقد. كما كانت أيضًا رفضًا لافتراضات الولايات المتحدة بأن الدول العربية ستستمر في تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل من دون بذل جهود جدية لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
ذلك الوهم انهار في خريف العام 2023، كاشفًا هشاشة منطقةٍ جمعتها البراغماتية الدبلوماسية، لكنها كانت تعجّ بالمظالم التي لم تُحلّ بعد. وقد اعتُبرت "اتفاقات أبراهام" التي أُبرمت في العام 2020، والتي تمت بوساطة الولايات المتحدة، إنجازًا دبلوماسيًا كبيرًا. فقد رسّخت السلام بين إسرائيل ودول عربية عدة -أبرزها البحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة. لكن هذه الاتفاقات ارتكزت على اعتقاد خطير ومضلل بأن القضية الفلسطينية أصبحت غير ذات صلة في المنطقة، وأنه يمكن التوصل إلى مزيد من اتفاقات التطبيع من دون أن يؤخذ في الاعتبار تطلع الفلسطينيين إلى تقرير المصير. وقد شجع هذا الخطأ الاستراتيجي إسرائيل على تعميق سيطرتها على الضفة الغربية -من خلال توسيع الاستيطان وتجريد المجتمعات الفلسطينية من أراضيها- وإضعاف السلطة الفلسطينية. كما أتاح لحركة حماس أن تملأ معظم الفراغ السياسي في غزة وأن تهمّش السلطة الفلسطينية المُنهَكة، وأن تعرض نفسها باعتبارها المدافع الوحيد عن حقوق الفلسطينيين.
في أيلول (سبتمبر) 2023، كشف الرئيس الأميركي جو بايدن عن "ممر الهند – الشرق الأوسط"، وهو مشروع اقتصادي طموح يربط الهند بأوروبا عبر مسارات تمر بعدد من دول المنطقة العربية وإسرائيل. وقد صُمم المشروع ليكون ثقلًا استراتيجيًا موازنًا لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية، لكنه بدوره همّش الفلسطينيين، ولم يعرض لهم أكثر من مجرد إيماءات رمزية. وكان الممر المقترح بالنسبة لحماس -وخاصة لقائدها يحيى السنوار- خيانة من الفاعلين العرب الإقليميين والفاعلين الدوليين. وأصبح مفهومًا الآن أن خطة الممر كانت عاملًا مركزيًا في قرار السنوار شن هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر).
أعادت المجزرة، والحملة العسكرية الإسرائيلية اللاحقة، صياغة الحسابات السياسية بالنسبة لحكام آخرين في المنطقة. وأبرزت تصريحات بعض القادة حقيقة أوسع: أن الرأي العام، حتى في الأنظمة غير الديمقراطية، أصبح قوة لا يستطيع القادة تجاهلها.
منعطف حاد
بعد نجاحاتها العسكرية غير المسبوقة، تقف إسرائيل الآن عند مفترق تاريخي أمام طريقين. أحد الطريقين -وهو الطريق الذي تسلكه إسرائيل الآن- سيقود البلاد نحو تآكل معاهدات السلام القائمة مع الدول العربية التي أبرمتها، وتعميق الانقسام الداخلي، والعزلة الدولية. وسيدفع باتجاه مزيد من التطرف في المنطقة، وازدياد العنف الديني - القومي من المنظمات الجهادية العالمية التي تتغذى على الفوضى، وتراجع الدعم بين صانعي القرار في الولايات المتحدة والمواطنين الأميركيين، وارتفاع معاداة السامية في أنحاء العالم. أما اختيار الطريق الآخر -الذي يعزز الأمن للإسرائيليين والفلسطينيين معًا ويشجع على الاستقرار والازدهار في عموم الشرق الأوسط- فسوف يتطلب توجه إسرائيل نحو اتفاق إقليمي يتضمن حل دولتين قابل للحياة.
إن هذه الحرب جزء من صراع مستمر وعميق الجذور حول الهوية والتاريخ والانتماء. وهو صراع شكّلته قوة غير متكافئة، لكنه تغذى بخوف متناظر. ولا بد أن يتيح حله لكل طرف أن يصوغ رواية انتصاره الخاصة. وهذا يتطلب، بدوره، انخراطًا دوليًا نشطًا وقيادة فاعلة. يجب أن يكون أي حل دائم -ليس سياسيًا وإقليميًا فحسب، بل نفسيًا ورمزيًا أيضًا. وحده الإطار الإقليمي المدعوم دوليًا بشكل متماسك يمكن أن يوفر الشرعية الخارجية والحوافز الأوسع والغلاف السياسي اللازم لكلا الطرفين من أجل تقديم التنازلات.
تظل "مبادرة السلام العربية" للعام 2002، التي طرحتها المملكة العربية السعودية وأقرها مجلس جامعة الدول العربية، الإطار الأكثر شمولية والأقل استغلالًا للتسوية. وعلى عكس الجهود الدبلوماسية السابقة، تميزت هذه المبادرة بعنصرين حاسمين: هدف نهائي واضح -إقامة دولتين على أساس حدود العام 1967 مع تبادل متفق عليه للأراضي- ومشاركة إقليمية كاملة في عملية التفاوض. ومثلت هذه المبادرة انقلابًا على بيان الخرطوم الصادر عن جامعة الدول العربية في العام 1967، حيث حوّلت "اللاءات الثلاث" الشهيرة لذلك البيان -لا سلام، لا اعتراف، لا مفاوضات- إلى "نعم" إقليمية جماعية.
تجاهلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة هذا المقترح. ولكن بالنسبة للإسرائيليين، يمكن الآن فهم المبادرة العربية على أنها انتصار استراتيجي: تتويج لعقود من الجهود الدبلوماسية والعسكرية التي أثمرت اعترافًا عربيًا واسعًا بحق الدولة اليهودية في الوجود. كتب زئيف جابوتنسكي -أحد مؤسسي الصهيونية وأحد المهندسين الرئيسيين لعقيدة إسرائيل الأمنية- في العام 1923 أن المفاوضات الحقيقية مع العالم العربي لن تكون ممكنة إلا حين يعترف بأن الشعب اليهودي باقٍ في المنطقة. أما بالنسبة للفلسطينيين، فبعد أكثر من 140 عامًا من النضال، ونكبة العام 1948، والانتفاضات الشعبية ضد الاحتلال، والكلفة الباهظة للحروب المتعاقبة، فإن الإطار الذي اقترحته مبادرة السلام العربية سيمنحهم اعترافًا طال انتظاره بالهوية الوطنية والدولة. والأهم من ذلك، أنها لا تتناول الحدود والسيادة فقط، بل أيضًا الهيكلية الأمنية الإقليمية الضرورية لتحقيق سلام دائم.
الوعظ خارج الجوقة
للأسف، أظهرت الحكومة الإسرائيلية الحالية أنها تعارض بشكل فعّال إقامة دولة فلسطينية. ولذلك، حان الوقت الآن لكي يمضي الفاعلون الدوليون قدمًا في عملية واقعية تدريجية مستوحاة من مبادرة السلام العربية، وكذلك من المقترحات المصرية والفرنسية - السعودية الأخيرة. يجب أن يصدر أوسع تجمع ممكن من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والسعودية والدول العربية المعتدلة، إعلانًا مشتركًا: الهدف هو قيام دولتين ذاتي سيادة، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنبًا إلى جنب في سلام واعتراف متبادل. ويمكن للوضوح الذي يوفّره مثل هذا البيان أن يخترق ضباب انعدام الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين ويسمح للطرفين بتخيّل مستقبل يستحق السعي من أجله.
سوف تكون الخطوة العملية الأولى هي تأمين وقف إطلاق نار في غزة والإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين المتبقين. ويمكن لحكومة فلسطينية انتقالية تكنوقراطية تحت إشراف أميركي - سعودي أن تتولى إدارة الشؤون المدنية في غزة، بينما تتولى قوة أمنية عربية إقليمية، ربما وفق تفويض من جامعة الدول العربية أو تفويض متعدد الأطراف، الحفاظ على النظام. ويمكن أن تقود المملكة العربية السعودية والإمارات، جنبًا إلى جنب مع المنظمات الدولية الكبرى، عملية إعادة إعمار غزة على نطاق واسع. ويمكن نزع سلاح حماس تدريجيًا بواسطة قوات "السلطة الفلسطينية" بدعم إقليمي.
في غضون 18 إلى 24 شهرًا من وقف إطلاق النار، ينبغي إجراء انتخابات فلسطينية تحت إشراف دولي في الضفة الغربية وغزة، بهدف إنشاء حكومة فلسطينية موحّدة وشرعية قادرة على تمثيل شعبها في مفاوضات الوضع النهائي. ومرتكزًا إلى مبادرة السلام العربية، ومسترشدًا بقرارات الأمم المتحدة القائمة، وبوساطة دولية قوية، سيضع الاتفاق النهائي حدودًا دائمة تتضمن تبادلات في الأراضي قائمة على الأمن والديموغرافيا والتواصل الجغرافي. كما سيؤسس لترتيبات أمنية، ويتفاوض بشأن حلول للإسرائيليين الراغبين في الإقامة في فلسطين والفلسطينيين الساعين إلى العيش في إسرائيل، ويبتّ في وضع اللاجئين الفلسطينيين والقدس، ويؤكد الاعتراف المتبادل.
وبالتوازي مع ذلك، يجب استثمار الإنجازات العسكرية لإسرائيل والولايات المتحدة في إطلاق مفاوضات شاملة مع إيران لمنعها من حيازة أسلحة نووية. ويجب على الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والصين وإسرائيل والسعودية (ممثلةً للجامعة العربية) والأمم المتحدة تنسيق هذه العملية ووضع آليات تفتيش دولية قوية.
من قوة إلى قوة
في مقابلة أجريت معه في العام 1997، قدّم الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس، توقعًا مرعبًا، تخيل فيه أنه بحلول العام 2027 ستقوم دولة إسلامية موحّدة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، تحكمها الشريعة الإسلامية. وعندما سُئل عمّا قد يمنع ذلك، أجاب: "الشيء الوحيد الذي أخشاه هو واقع يعتقد فيه الفلسطينيون أن اليهود سيسمحون بقيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل".
لقد كشفت هذه الاعترافات عن حقيقة جوهرية: تعتمد قوة حماس على اليأس، وتزدهر في غياب البدائل. ولكن إذا ما تم تقديم مسار موثوق ومدعوم دوليًا نحو إقامة دولة فلسطينية، فإن جاذبية حماس ستنهار.
لقد استعادت إسرائيل قدرتها على الردع العسكري. وأظهرت قدرتها على الدفاع عن نفسها وردع أعدائها. لكن القوة وحدها لا يمكن أن تفكك شبكة الوكلاء الإيرانيين وتمنح إسرائيل سلامًا وأمنًا دائمين لأجيالها القادمة. وحده الاتفاق الإقليمي المدعوم دوليًا بقوة، والذي يفضي في نهاية المطاف إلى حل دولتين قابل للحياة، يمكن أن يحفظ أمن إسرائيل وهويتها اليهودية - الديمقراطية، وينهي دورة العنف، ويحوّل الشرق الأوسط من ساحة معركة إلى منطقة تعاون. وليس هذا مثالية يوتوبية، وإنما هو تصوُّر يعمل في مصلحة الفاعلين الإقليميين والدوليين. أما بالنسبة لإسرائيل، فقد أصبح ضرورة استراتيجية.
 
*عامي أيالون Amihai "Ami" Ayalon: من أبرز الشخصيات الأمنية والسياسية في إسرائيل، وُلد في العام 1945 في كيبوتس معجان ميخائيل، وبرز كقائد في سلاح البحرية حيث وصل إلى منصب قائد سلاح البحرية الإسرائيلية بين العامين 1992 و1996، ثم تولى رئاسة جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" من 1996 إلى 2000. بعد تقاعده من العمل الأمني دخل المعترك السياسي، وانتُخب عضوًا في الكنيست عن حزب العمل، وعُرف بمواقفه التي تميل إلى دعم حل الدولتين والدعوة إلى تسوية سياسية مع الفلسطينيين، وشارك في مبادرات مثل "مبادرة جنيف" و"نداء الشعب" مع شخصيات فلسطينية بارزة. اشتهر بكونه شخصية مثيرة للجدل داخل المؤسسة الإسرائيلية، حيث جمع بين خلفيته الأمنية وميله إلى خطاب أكثر انفتاحًا نحو التسوية مع الفلسطينيين. وهو مؤلف كتاب "نيران صديقة: كيف أصبحت إسرائيل أسوأ أعداء نفسها وأملها في المستقبل" Friendly Fire: How Israel Became Its Own Worst Enemy and Its Hope for the Future.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Israel Is Fighting a War It Cannot Win