عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Mar-2023

حمّى كل ليلة… لكن مع المسلسل التركي!

 القدس العربي -حسن داوود

قريبتنا عليا هي التي أخبرتنا بأن خالد* سوف يموت، مع أنها كانت قبل ذلك تتردّد في الإفصاح عما سيحصل لاحقا، لكي نظلّ مستمتعين بحلقات المسلسل. كما قالت أيضا أن زوجات خالد الثلاث أندِر ويَلدِز وشاهقة هنّ اللواتي قتلنه. كان ذلك قبل ثلاثة أشهر من وصولنا إلى تلك الحلقة. لكن بعد أن رأينا ذلك بأمّ أعيننا، عرفنا أنهنّ لم يقتلنه عن قصد، بل هنّ دفعنه إلى الخلف فيما هو يعلي صراخه عليهن، فسقط متدحرجا على الدرج، ومات.
وهكذا افتُتحت مرحلة جديدة بدأت مع موت خالد، وحلول الريّس حسن علي محلّه في بطولة المسلسل، كما في قيادة الشركة التي لا نعرف تماما ما هو مجال عملها. شاهدنا إذن موت خالد، ومنذ أسبوعين رأينا كيف ماتت شاهقة هي أيضا فيما كانت تحاول الاستحواذ على الشركة، بالاحتيال، من الريّس بعد أن تزوجته غصباً. شيء لا يُصدّق أن تموت شاهقة هكذا بلا مقدّمات ولا أسباب مهيّئة. لم تنبئنا الحلقة السابقة بشيء من ذلك، ما جعلنا نفكّر أن المرأة ماتت بسبب خلاف مفاجئ حصل بينها وبين المخرج فأزاحها شاطبا دورها. في حلقة سابقة حصل الشيء نفسه مع الصبي، ابن خالد وإندِر، إذ استُبدل بصبيّ آخر، أقصد بممثّل آخر وجدنا، نحن مشاهديه، صعوبةً في الاعتياد عليه. وكنا سنظل مستغربين شكله لو لم يُرسله المخرج إلى أمريكا، مزيحا إياه هو أيضا من المسلسل.
 
ولا نجد أنفسنا منتظرين عودة هذا الابن، إذ بعد ثلاث حلقات أو أربع حلقات صار هذا الفتى شيئا من الماضي. كايا شقيق شاهقة وزوج أندِر كان شيئا من الماضي هو أيضا، لكنه عاد من حوالي أربع حلقات أو خمس حلقات، وها هو من جديد يحاول الآن إعادة العلاقة مع أندِر، بل ربما تعود شاهقة أيضا، إلى الحياة، على الرغم من أنها ماتت، ودُفنت. فهنا، في هذا المسلسل، يتساوى ما هو ممكن مع ما هوغير ممكن. وهذا دون أن يكون ذلك من قبيل الابتكار أو الإبداع. الدليل على ذلك هو تلك الحلقة الكاملة التي خرج فيها الجميع عن الحال الذي كنا عرفناهم فيه، فصاروا كأنهم آخرون سواهم، لكن لم يلبثوا أن عادوا، في الحلقة التالية، إلى ما كانوا عليه في أدوارهم السابقة. عليا قالت، لتفسر لنا هذا الاضطراب، بأن ذلك كله لم يحصل في الحياة الجارية للشخصيات، بل هي فكرة خطرت للمخرج فأخرجها ثم رأى أن يعود عنها فعاد. ذاك أن طول المسلسل الذي ربما يستغرق عرضه اليومي سنوات يُدخل الحابل بالنابل، كما يخلط الكل بالكل فمن يكون فقيرا سيصير غنيا (ثم يعود فقيرا) ومن يكون لئيما ستكشف شخصيته عن أنه غير ذلك (قبل أن يعود، للمرّة الثانية أو الثالثة، لئيما من جديد). ثم إن الجميع يختلطون بالجميع، زواجا وغراما وكيدا وعداوة، ذلك طبعا لكي تتناسل من حياة هؤلاء حلقات جديدة، أو «مواسم» جديدة كما يسمِّي المسلسل حِقَبه.
 
لم نعد في الدراما التي عرفناها في الرواية والمسرح والسينما، تلك التي تتقصّى حياة أبطالها دون أن تحيد عن التسلسل المنطقي الذاهب بهم إلى مصائرهم. ما يجري هنا في المسلسل هو لعبة بازل تتشكّل كل حلقة فيها من إعادة توزيع شخصيّاتها، أو أبطالها، ليبدأوا فرجة جديدة، وإذ يُزاد على الممثلين ممثلون جدد، كما حصل عند بداية الموسم السادس، حيث وعدنا بوفد جديد من الجميلات، نشعر بأننا متفرجون على سيرك تمثيلي لا عملا دراميا تتوالد الأحداث والشخصيات فيه وتتكاثر أو تتصادم على نحو يُظهر كم هي شحيحة الأعمال الروائية الكبرى في ابتكار الأحداث، وكم تعاني من قلّة التشويق.
هكذا يمضي المسلسل في استدعائنا لنشاهد ما يحمله لنا كل يوم من إعادة تموضع لتلك الشخصيات. ونحن نجلس قبالة التلفزيون لنرى هؤلاء الذين اعتدنا السهر متفرّجين عليهم منذ أن عمّت كورونا وأتانا الخراب من بعدها. يساهروننا مثلما كنا، في مراحل سابقة من حياتنا، يساهرنا أصدقاؤنا أو أقرباؤنا. إننا نتسلّى، نقول لمن يسألنا، نحن الذين نعلم أن ما نتشوّق لحضوره لا يليق بنا، أو نقول، بيننا وبين أنفسنا أيضا، أننا نضع أنفسنا في موضع من سنستخف بعقولهم حين نعلم أنهم يتابعون مشاهدة المسلسل الذي نتابعه.
هؤلاء هم من نسهر معهم إذن، الممثّلون الأتراك الذين جرت دبلجتهم بكفاءة حتى صرنا نستغرب، كلما خطر لنا أن نتخيّلهم متكلّمين بلغتهم التركية، ثم إننا، رغم شعورنا بأن ما نداوم على مشاهدته يعطّل عقولنا، إلا أن المسلسلات جعلتنا نحب تركيا ونحب أن نعيش فيها. تجّار العقارات هناك عرفوا ذلك فينا وها هم يرسلون إلينا على فيسبوك، كل يوم، عروضا عن بيوت نغادر بلدنا لنعيش فيها.
 
*أحد أبطال المسلسل التركي «التفاح الحرام» الذي يعرض على شاشات عربية عدة كما على وسائل التواصل الاجتماعي