عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-May-2020

في ظل “كورونا”.. أم مؤيد تخوض التجربة وتحقق الأمن الغذائي لعائلتها

 

فيصل القطامين
 
الطفيلة - الغد-  لم تنتظر أم مؤيد التزود بمادة الخبز خلال أزمة فيروس كورونا مع كل الإرباكات التي شابت آليات التوزيع مع بداية أزمة كورونا، في الوقت الذي لم تتمكن أسر عديدة من التزود بتلك المادة الأساسية التي يعتمد عليها الأردنيون في غذائهم اليومي.
أم مؤيد حققت الأمن الغذائي المنزلي، ولو بشكل مؤقت لمواجهة أزمة الحصول على الخبز، وعلى طريقتها البسيطة، لتستمر على ذلك النهج طوال هذه الفترة، خصوصا بعد أن نالت إعجاب أفراد أسرتها جميعا.
وتبدأ أم مؤيد قبل ليلة من بدء عملية الخبز بتحضير العجين المكون من الطحين الأسمر المنتج من القمح، وتعمل على خلطه بقليل من الطحين الأبيض، بعد أن تضع مادة الخميرة، ليكون جاهزا في صباح اليوم التالي للخبز.
وتقوم في الصباح الباكر بإشعال الفرن المنزلي لديها، وتتركه ليسخن لدرجة حرارة مناسبة، وتقطع العجين بأحجام تتراوح في وزنها ما بين 400 و500 غم، وتقوم برقه ليكون مستديرا، وتخبزه في الفرن الذي ينشر رائحة شهية عند بدء نضجه.
وتحرص أم مؤيد على أن تخرج الأرغفة التي تأخذ لونا ورديا مائلا للحمرة القانية، مع ما يصدر عنه من رائحة بنكهة شهية لا يمكن وصفها، ويقدم لأفراد الأسرة التي تنتظر المائدة مع ما يتيسر من الطعام الذي يكون الزيت والزعتر في العادة من مكوناتها الرئيسة.
أفضلية الخبز المنزلي تكون من خلال تحقيق عناصر وشروط النظافة فيه، وفق أم مؤيد، علاوة على المواد المكونة له، وهي في الأساس مادة القمح، دون أنواع من الطحين الأخرى التي لا تضاهى بطحين القمح الذي يعتبر أسهل في عملية الهضم، علاوة على طعمه المميز.
وتضيف، أن الخبز المنزلي بمكونه الرئيس مادة القمح الذي يحتوي على قشرة القمح “النخالة” يحتوي على كافة العناصر الغذائية من فيتنامينات ومواد غذائية مفيدة للجسم وتتميز بسهولة الهضم.
وتشير أم مؤيد إلى أن عناصر أخرى تتوفر في طحين القمح لا تتوفر في أنواع أخرى من الطحين الأبيض، كما أنها تؤكد أنه بالإمكان إضافة مواد ونكهات طبيعية أخرى لتعطيه مذاقا ونكهات مختلفة لذيذة، إلى جانب إمكانية إضافة مادة زيت الزيتون للخبز ليعطيه أشكالا من المذاق والاستخدام.
ويمكن وفق أم مؤيد أن يوضع في الفرن حجارة “الرضاف”، أي حجارة بحجم أقل من حجم بيض الدجاج تكون منتقاة من مجاري السيول، وتغسل جيدا وتجفف وتوضع في أرضية الفرن للحصول على خبز الطابون.
وتشير إلى أن البعض من الأسر ما تزال تمتلك الطابون، الذي يعد فعلا الطريقة الفضلى للحصول على خبز الطابون، والذي يعد تراثا غذائيا كان الأجداد يستخدمونه في الحصول على خبزهم اليومي، علاوة على خبز الشراك في الأرياف لاستخدامه واللجوء إليه بسهولة، لوجود الحطب والصاج، فهو وسيلة احتياطية في حال انعدام سبل الحصول على الخبز بعيدا عن الأزمات.
وترى أم مؤيد أن أطيب الطعام ما كان من إنتاج اليد ومن مكونات البيت المحلية، سواء خبز القمح البلدي أو زيت الزيتون، أو الزيتون المكبوس أو المربيات من الفواكه المختلفة ووضعها في زجاجات صغيرة بأوزان بسيطة، فخيرات البلد فيها بركة كبيرة.
وتقول، إن كل تلك المنتجات المنزلية تسهم في تحقيق الأمن الغذائي الحقيقي لكل عائلة، والتي أصبحت تفتقر لهذا العنصر المهم في الحياة بأغلب المنازل، حتى في المناطق الريفية، الذين أثر فيهم التحضر وجعلهم ينهجون نهج أهل المدينة، بحيث يعتمدون في معيشتهم وغذائهم على ما توفره البقالات والسوبر ماركت والمولات، من أغذية، بغض النظر عن تأثيرها على صحة وحياة الإنسان.
ومن جانبه، قال الدكتور طلال عبيدات/ تخصص الاقتصاد في جامعة الطفيلة التقنية، إن الأمن الغذائي له عدة شروط يتحقق بها، ومن أهمها الاعتماد على المنتجات الغذائية يكون من إنتاج البلد نفسها، وأن يكون ذلك كافيا بشكل استراتيجي، وفي متناول اليد دائما وبكلفة معقولة.
وبين الدكتور عبيدات أنه في حالات الطوارئ والأوبئة والحروب يضطر الناس إلى إيجاد البدائل في حال عدم القدرة على الحصول على المنتجات، والتي يمكن أن تنتج محليا أو منزليا، فمثلا مادة الخبز التي يمكن الاستغناء عن شرائها في حال تعذر عملية الشراء من السوق أو المخابز، فبالإمكان إنتاجها في المنزل من خلال فرن منزلي كما كانت الأمهات قبل عدة عقود يخبزن بواسطته، إلا أن الظروف الطارئة تدعو أحيانا إلى اللجوء إلى إنتاج الخبز في المنزل.
ولفت عبيدات إلى أن الزمن الذي تقوم به الأم بعملية إنتاج الخبز في الطابون أو في الفرن وإنتاج كل المواد الغذائية تغير، حيث لم يعد لدى الأسر القدرة ولا القابلية على إنتاج الخبز منزليا، بل الاعتماد على المخابز والأسواق، لكون ذلك أسهل وأقل كلفة وجهدا.
واعتبر أن ما تقوم به الأمهات من الخبز في المنزل ليس أمنا غذائيا بالمعنى الحقيقي، بل هو طريقة مؤقتة للتخلص من أزمة أو حالة طارئة خاصة في أيامنا هذه.
ويعلل، بسبب تغير النظرة الاجتماعية نحو كل الأشياء، ومنها الطبخ والخبز وكافة عمليات الإنتاج الفردي، فما تزال وبنسبة ضئيلة جدا بعض من الأسر الأردنية في الأرياف والمناطق النائية تقوم بالإنتاج المنزلي خاصة الخبز، بسبب البعد عن السوق أو توفر بعض المواد التي تديم عملية الإنتاج تلك، كصناعة الخبز وإنتاج المخللات وكبيس الزيتون والمربيات ومشتقات الألبان وغيرها من أشكال التصنيع الغذائي المنزلي.
وأشار إلى أن الجيل الحالي من السيدات ليس لديهن المعرفة والقدرة على الكثير من عمليات الإنتاج المنزلي، لأسباب تتعلق بعدم التفرغ، فباتت المرأة عاملة، وليس لديها الوقت الكافي لمثل تلك الأعمال، عدا عن عدم توفر بعض المنتجات في المنازل، وسهولة الحصول عليها من الأسواق بشكل مباشر وسلس وبأقل جهد.
ويبين أن التحول من النمط الحياتي الريفي إلى المدنية أسهم في الكثير من التغيرات، ومنها عمليات الإنتاج التي تحولت فيها حتى المناطق الريفية من التحول والاعتماد في غذائها على المناطق الصناعية في المدن، بدلا من أن يكون الريف هو الداعم والمصدر الرئيس للمدينة في تزويدها بما تحتاجه من غذاء.
وقال عبيدات، إن ما كانت تقوم به المجتمعات الريفية سابقا من عمليات إنتاج غذائي كان يحقق مفهوم الأمن الغذائي بمعناه الحقيقي، كالقمح الذي ينتج منه الطحين، الذي لم يعد له وجود حاليا في منازلنا، في ظل وجود بدائل سهلة للحصول على الخبز من المخابز بسهولة ويسر.