عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Dec-2025

صالح حمدوني يطرح رؤية جديدة للفوتوغرافيا في "على مد البصر"

 الغد-عزيزة علي

 رأى المشاركون في حفل توقيع كتاب "على مد البصر"، الصادر عن وزارة الثقافة الأردنية، للكاتب والفوتوغرافي صالح حمدوني، أن الكتاب يذكرنا بأن الصورة ليست مجرد ومضة ضوء تحفظ لحظة عابرة، بل هي خطاب ثقافي ينهض على رؤية، ووعي، وعمق يتجاوز حدود الإبهار البصري.
 
 
وأشار المتحدثون في حفل التوقيع، الذي أقيم أول من أمس، في رابطة الكتاب الأردنيين، وأداره الشاعر رامي ياسين، ورئيس الرابطة د. موفق محادين، وقدم قراءة في الكتاب الناقد والباحث د. إياد كنعان، إلى أن حمدوني يعيد في كتابه الاعتبار للفوتوغرافيا بوصفها فضاء للتفكير ونافذة على العالم، لا مجرد لعبة تقنية أو أثر سريع الزوال.
وركز د. موفق محادين، في كلمته، على مفهوم البصيرة مقابل البصر، مستعيدا قول النَّفّري: "تتسع الرؤية كلما ضاقت العبارة"، مبينا أن اللقطة البصرية، رغم كونها متاحة وموضوعا مشاعا، تبقى قابلة للتوظيف من جهات عديدة.
ورأى محادين أن اللقطات التي تكثف مخزونا معرفيا وحدوسيا هي وحدها القادرة على الاشتباك مع التوحش التكنولوجي وترويض الكاميرا ولعبة الصورة. كما دعا المثقفين إلى تجاوز ثاراتهم وحساباتهم الانتخابية الضيقة، واستعادة دور المثقف العضوي الذي يليق بالرابطة ومكانتها.
من جانبه، قال الناقد د. إياد كنعان، إن كتاب "على مد البصر" يمثل صرخة جارحة في وجه كل من يحاولون تحويل فن التصوير الضوئي إلى فن "عابر" أو "رخيص" أو "مبتذل"، أو حتى أولئك الذين يروجون لهذا التصور، لا سيما مع الطفرة الكبيرة في وسائط التواصل الاجتماعي البصرية.
ورأى كنعان أن هذه الوسائط أسهمت في تكريس الصورة بوصفها مفهوما ذاتيا، نرجسيا، ودعائيا ترويجيا، بما يتنافى مع طبيعة هذا الفن الإبداعية الجادة، والذي غالبا ما يتموضع ضمن مجموعة من الإشكالات الثقافية والاجتماعية والسياسية والدلالية شديدة الحساسية والإلحاح على المستوى الحياتي واليومي للإنسان في تفاعله مع محيطه الاجتماعي والثقافي والتاريخي.
وأضاف أن هذا الواقع يفرض حاجة متجددة وملحة للخوض في أدبيات هذا الفن وثقافته الخاصة، أكثر من أي وقت مضى.
وأشار كنعان إلى أن كتاب حمدوني، هو محاولة جادة لإخراج وعينا بـ"الصورة"، من حيز "المقدس"، "الأيقنة العاطفية"، التي صنعت "هالة" حول مجموعة من أهم الأعمال التصويرية التي لاقت رواجا عاليا عربيا وعالميا، وتقريبها إلى درجة كبيرة من حيز المبحث "الدلالي" والتأويلي (الموضوعي)، وفق الرؤية "التداولية"، و"السياقية"، لـ"الصورة"، (في شموليتها وكليتها) "علامة" مندمجة في المجتمع وقيمه، وليست معزولة عنهما.
ورأى كنعان أن الكتاب يشكل دعوة صريحة لئلا نقف في تعاطينا مع "الصورة" عند حدود مساءلة "مضمونها" فحسب، بل يجب أن يطال اهتمامنا بـ"الطريقة" التي يتم فيها ومن خلالها تقديم ذلك "المضمون": شكله وأدواته وسياقاته وخلفياته ومبرراته. وصولا إلى الدعوة لأن تكون محاولتنا لـ"تأويل"، "فك شيفرة الصورة" مشفوعة بتراكم معرفي، وبحث شغوف تتطلبه ضمنا عملية "التلقي" الواعية، وما تستدعيه من جرأة الاشتباك "والتعارض في بعض الأحيان".
بالإضافة إلى الوعي التاريخي والثقافي والسياسي والاجتماعي والأخلاقي المجتمعي المراد تكريسه، وفق كنعان. لتنزع عن "الصورة" سمتي "الصمت" و"السكون"، اللحظي، وتعيدها إلى سياقاتها الزمنية والتاريخية "الحركية" التي ولدت فيها ومن خلالها، عبر تجاوز حدود المرئي والمباشر إلى "اللامرئي"، بل إلى المحكي والسردي الشفوي المعلن منه والمضمر أو الضمني.
من جانبه، قال المؤلف صالح حمدوني "إن الصورة الناجحة ليست تلك التي تلتقطها الكاميرا عبر إدخال كمية مناسبة من الضوء، أو التي تحمل قيما لونية وتكوينا متناسقا ومميزا، أو تلك التي تخضع لقواعد وأسس تكوين المشهد الفوتوغرافي؛ فالأمر لا يقتصر على ذلك مطلقا. فالصورة الناجحة هي التي تثير الأسئلة: ماذا قبل هذه اللقطة؟ ماذا بعدها؟ أين التقطت ومتى؟ وأسئلة أخرى يخلقها المكون البصري، عاكسة مستوى وتنوعا ثقافيا واجتماعيا".
ورأى حمدوني أنه في زمن يغرق فيه عالمنا في بحر من الصور، يعاد طرح السؤال القديم الجديد حول سلطة الصورة ومعناها، باعتبار أن الفوتوغرافيا خطاب ثقافي ومعرفي يتجاوز حدود الجماليات، وهو في جوهره "فضاء تأملي يربط بين الحس الجمالي والإدراك الاجتماعي". فالصورة لم تعد مجرد توثيق للحظة عابرة أو انعكاس للواقع، بل تحولت إلى حيز للتمثيل وإعادة إنتاج العالم.
وأشار حمدوني إلى أحد أسباب تردي واقعنا الإبداعي -وخاصة الثقافي منه– هو استسهال الإبداع إنتاجا ونشرا. فأحد إشكالات الوعي الثقافي يكمن في عدم متابعة أو الاطلاع على منجزات الآخرين الذين قضوا أعمارهم في تطوير أفكارهم وصياغة رؤاهم الإبداعية. ولعل الفوتوغرافيا من أبرز المجالات التي أوقعها بعض مشتغليها في فخ الاستسهال؛ إذ تراجع مضمونها رغم ما يبدو عليها من إبهار شكلي وتقني.
وأوضح حمدوني أن كثيرا من المصورين العرب اعتادوا حمل الكاميرا والخروج في جولات تصوير ذات موضوعات مختلفة، وأن المحترفين منهم قد يستغلون التقنيات المتاحة لإضافة تأثيرات معينة على الصورة -عدا عن تأثيرات برامج التحرير- لكنهم في النهاية يتعاملون مع آلية واحدة: اضغط زر التصوير لتحصل على صورة، من دون وعي بمحتواها أو دلالاتها وتأويلاتها، ومن دون فهم لدور الصورة أو لأفكار المصور وكيف يمكن للمشهد أن يقود إلى التعبير عن مكنوناته.
وتحدث حمدوني عن موضوعات التصوير الفوتوغرافي، قائلا إنه كغيره من موضوعات الإبداع المطروحة على قارعة الطريق؛ لكن المسألة في كيفية تناولها وتحويلها إلى حامل لأفكار ومقولات صاحبها. ويعود الفقر في الوعي بالصورة وآلياتها ومضامينها، في أحد أسبابه، إلى القطع المعرفي القائم بين المبدع وتجارب الآخرين.
وأضاف حمدوني أن الفوتوغراف خاض صراعا مريرا حتى وصل إلينا بكل ما يحمله اليوم من تقنيات وأدوات وإضافات، وأن هذا التاريخ الطويل بكل تعقيداته يناقض تماما فكرة الاستسهال التي تورط فيها كثير من الفوتوغرافيين، ولا سيما في النماذج العربية منهم.
ورأى حمدوني أن الصورة الصحفية كانت طوال عقود ملتزمة أخلاقيا بجعل الواقع شفافا وواضحا ومفهوما، لا أن تثير الشك في قدرتها على قول الحقيقة. غير أن حقيقة الحدث ذاته باتت اليوم موضع تساؤل، مع هذا الضخ الهائل للصور وتتابع الأحداث وتكاثر التحليلات.
وخلص حمدوني إلى أن المفاهيم والأدوار في عالم التصوير الصحفي تغيرت؛ فبعد أن كان تصوير الحروب والأحداث مجالا حيويا للمصورين الصحفيين، أصبح الجنود أنفسهم اليوم يحملون الكاميرات، يسجلون حروبهم ولحظات متعتهم، ويعلقون على جمال أفعالهم أو وحشيتها، بل صاروا يتبادلون تلك الصور فيما بينهم بكل فخر، وتنتشر حول العالم في لحظات.