عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Jan-2021

قيمة الدين هنا..*حسين الرواشدة

 الدستور

في الدين، ثمة قاعدة عامة للشراكة الإنسانية التي تنفي الفردانية والأنانية، وتدعو إلى التعددية والتضامن والتكافل والإيثار بين بني البشر، فامتحان الدين - اي دين - ليس فيما يتضمنه من تعاليم وأحكام وإرشادات فقط وإنما فيما (يرسخه) داخل الإنسان من قيم فاضلة، تتحرك على الأرض لتصلح النفوس وتعين الآخرين، وتترقى بكل من على الأرض إلى ذروة الكمال الإنساني، حيث لا كراهية ولا خوف ولا حاجة او عوز او عبودية.
 
بمقدار ما تهتم بأمور الناس فأنت منهم، وبمقدار ما تفهم الإسلام وتدرك مقاصده وطبيعته تجد نفسك ملتحماً مع قضايا الإنسان (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم)، (أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين)، فإلى هذه الدرجة يمكن ان يكون الإنسان مكذباً بالدين، او جاهلا فيه، والى هذه الدرجة يمكن ان (ينتفي) حضوره في دائرة (الملة) الواسعة: الإسلامية والإنسانية، والسبب عدم تبني قضايا من حوله او الاهتمام بها، او التعامل معها بمنطق (الإهمال).
 
الإيمان الفردي - او الصلاح - لا يكفي ما لم يقترن بإيمان الجماعة وإصلاحها، وفي إشارات القرآن الكريم الى (الإيمان والعمل الصالح) ما يؤكد ان الشعور او الإحساس حتى لو وصل الى درجة اليقين لا يتم قبوله الا اذا اقترن بالعمل الصالح، فالعمل هو الذي يمحص المؤمن الحقيقي من المغشوش، والإنسان الفاعل من الإنسان الذي يشكل عبئاً على هذا الوجود.
 
اذن، مقياس التدين الصحيح هو حسن المعاملة، فبمقدار ما يعبر سلوكك وذوقك عن الإسلام وقيمه وأخلاقياته بمقدار ما تكون قريبا من الله، ومطيعا لتعاليمه، وفاهما لطبيعة الدور والوظيفة التي خلقت من اجلها، وهي بالتعبير القرآني العبادة بمعناها الشامل الذي يخرج من النص الى الحياة.. ومن عمارة الدنيا الى عمارة الآخرة، ومن الصلاح الى الإصلاح.
 
خطاب «الخلاص الفردي» ايضا يتعارض مع ما اتفق عليه فقهاؤنا من ضرورة إنزال الخطاب في محله، بمعنى ان أحوال الأمة ومشكلاتها تحدد الخطاب المطلوب توجيهه للناس، فالسلام له خطابه والحرب لها خطابها، وحين تضعف المجتمعات تحتاج الى خطاب يحثها على النهوض، وحين تنتشر غوائل التمزق والخوف وأزمات الغلاء والضيق يفترض في الخطاب ان يكون متوجها نحو تخليص «الجماعة» كلها من مشاكلها.
 
ما أكثر الهموم التي يعاني منها إنسان اليوم، وما اشد حاجته الى من يتوجه اليه بالتعاون والمساعدة، وتلك كانت مهمة الأنبياء الذين أرسلوا الى الناس ليجيبوا عن تساؤلاتهم، ويعتنوا بأموالهم، ويلتحموا مع همومهم، ويردوا عنهم الحيرة والخوف والقلق والاحباط.. وتلك ايضا مهمة العلماء ورثة الأنبياء، ومهمة الإنسان المؤمن الذي لا يطيب له خاطر أو عيش إلا اذا اطمأن بان غيره ينعم به ويسعد فيه.
 
الاهتمام بأمر الناس من اجل (التقوى) لا من اجل الاستخدام او التوظيف، ومن أبواب الشفاعة الحسنة والمشروعية لا الشفاعة السيئة (الواسطة والمحسوبية)، وعلى طريق عمارة الأرض بالصلاح والخير، هو (الفريضة) الغائبة التي نحتاج اليوم الى احيائها كقيمة دينية وانسانية فهل من يؤذن بالناس من اجل ذلك؟.