عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Sep-2025

قصة بيان قطر*سائد كراجة

 الغد

عندما قصفت إسرائيل الدوحة، توقَّع الشارع العربي أن تلتئم القمم العربية فورًا. كما توقّع أن تُسْرِع الأنظمة في ردٍّ يردع إسرائيل، خاصةً أن الجميع صرَّح بأنها تجاوزت كل الخطوط الحمراء. جاء ذلك في لحظة أعلن فيها نتنياهو أنه بصدد إعادة رسم ملامح الشرق الأوسط والخليج.
 
 
حدث جلل كهذا كان يستدعي ردًّا عاجلًا وقرارًا استثنائيًا يُعيد للأمة العربية هيبتها. لكن ما تلا ذلك لم يكن سوى أسبوع من الانتظار، أعقبه بيان متصاعد في لغته، بلا آليات تنفيذية ولا التزامات واضحة؛ وكأنه مشهد من فيلم القمم العربية الطويل.
هذه الظاهرة قديمة؛ فمنذ قمة الخرطوم عام 1967 يتكرر المشهد: أصوات مرتفعة وقرارات عاجزة. تبقى الدعوات إلى مراجعة العلاقات أو محاسبة إسرائيل حبرًا على ورق، محكومة بالتحالفات الدولية والقيود البنيوية.
جذور هذه القيود أعمق من اللحظة الراهنة؛ فبعد الحربين العالميتين أُعيد تشكيل المنطقة على يد القوى الكبرى. ثم جاءت مؤسسات التمويل الدولية، كالبنك الدولي وصندوق النقد، لتُقنّن التبعية اقتصاديًا. وبعد النفط أصبحت بعض الدول العربية تحت الاحتلال بفعل المساعدات العسكرية والاقتصادية، وأخرى تحت الاحتلال بفعل الحماية العسكرية. من هنا تولدت أنظمة باستقلال منقوص.
استقبلت إسرائيل بيان الدوحة بما يستحق من التجاهل، إذ تدرك من خبرتها الطويلة أن هذه البيانات لن تُترجم إلى أفعال. وواصل نتنياهو تحديه قائلًا إن بلاده ستلاحق خصومها أينما كانوا، واثقًا كل الثقة من أن واشنطن ستوفّر له الغطاء المعتاد.
المشكلة لا تكمن فقط في العجز عن الردع، بل في أن الأنظمة العربية فقدت قدرتها حتى على المناورة. فمثلا، اختارت معظم دول أفريقيا طريقًا آخر بالتعامل مع قوى الهيمنة، يتمثل في رفع كلفة تبعيتها لأمريكا أو لأوروبا، بحيث تفرض ثمنًا اقتصاديًا وسياسيًا أعلى مما يُعرض عليها. فلماذا لا يحاول العرب، على الأقل، رفع كلفة هذه التبعية ووضع خطوط حمراء واضحة، أولها ألّا تتوسع إسرائيل على حساب هذه الأنظمة؟ فألا يتوافق مثل هذا الطلب مع المدرسة الواقعية في السياسة العربية التي انجرت وراء وهم السلام؟!
ولكن بعيدا عن مدرسة الواقعية السياسة وعلى نحو استراتيجي، فإن المنطقة تحتاج إلى مشروع عربي مستقل تتبناه الدول العربية. بحيث تسعى كل دولة لتحقيق استقلالها الاقتصادي والسياسي وأن تحدث ثورة في التعليم والمشاركة في الحكم على أسس من المواطنة وسيادة القانون، ثم تتكامل هذه الجهود في إطار جماعي تقوده الدول المركزية العربية لفتح مسارات استقلال تدريجي، بتوسيع التحالفات خارج الدائرة التقليدية، والتوجه شرقًا نحو آسيا، خصوصًا الصين، باعتبارها شريكًا اقتصاديًا واستراتيجيًا يتيح بدائل حقيقية. عندها فقط تتحول بيانات القمم من شعارات عامة إلى أفعال تُرسم بها ملامح الاستقلال العربي.