عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Jun-2024

حكم الساحة يطلق صافرة النهاية| عيسى الشعيبي

العربي الجديد

عيسى الشعيبي

بعد تسويف دام نحو أربعة شهور، تم خلالها تمديد وقت المباراة مرات كثيرة، وجرى في غضونها مغادرة المتفرجين مقاعدهم على المدرجات، وخفّت تدريجياً حرارة الهتافات على جانبي الاستاد، أطلق حكم الساحة، اخيراً، صافرة النهاية، معلناً اختتام المباراة الساخنة، التي امتدت زمناً أطول من كل المباريات السابقة على مدار 76 سنةً، تخللت بعضها منافسات قصيرة، احياناً من شوط واحد، سجل فيها الفريق المُدرّب جيداً والمجهّز بأفضل المعدات، اغلب الأهداف الحاذقة دون رد، وفاز في معظمها وجمع كل النقاط المُؤهِلة للاحتفاظ بالكأس.
 
كان حكم الساحة، الحاضر دون دعوة في سائر المباريات الدولية، رغم ان "الفيفا" لم تنتدبه اصلاً، نظراً لما درج عليه من سلوكيات فاضحة، وتجاوزات بالجملة، قد كلّف نفسه بنفسه عناء قيادة اللقاء المديد في الملعب الغزيّ الصغير، لغاية مبيته في نفس الصهيوني الكبير، وبالفعل فقد صدقت التوقعات المسبقة عن الحكم العجوز، فبدا على الشريط الاخضر المستطيل طرفاً أكثر من كونه حكماً، يصرف النظر عن مخالفات فريقه المفضل، ويكثر من ايقاع الجزاءات على المنتخب الذي كان قد فاز في الجولة قبل ان تبدأ، وحسم النتيجة في ست ساعات فقط من صباح يوم 7اكتوبر المجيد.
 
أكثر من ذلك كله، فقد كان حكم الساحة المنحاز بطبعه، يخرق قواعد اللعبة كما يشاء، يُطيل من تلقاء ذاته امد المباراة، ويمنح فريقه الاثير شوطاً اضافياً بعد شوط، ويُؤجل اختتام اللقاء حسب ما يشتهي الفريق العاجز عن تحقيق ولو هدف واحد يتيم، يغطي به عورة الفشل الأكبر في غلاف غزة قبل نحو ثمانية اشهر طافحات بالإخفاقات، وهذا ما كان قد دوّنه ، الكاتب الشهير المعارض للاحتلال وللحرب الاجرامية على غزة، في صحيفة هآرتس، بعد أسابيع قليلة من بدء الاجتياح، حيث قال جدعون ليفي ان الحرب قد انتهت في واقع الامر، لكن الفريق الخاسر يرفض مغادرة الملعب، ويطلب المزيد من الوقت.
 
على أي حال، ها هو الحكم ذاته، سيد البيت الأبيض بشحمه ولحمه، حامي حمى الدولة العبرية بالباع والذراع، يُطلق بعد لأي شديد صافرة النهاية، ويعلن بملء فمه وعظمة لسانه، ان اللعبة قد انتهت، وان الوقت قد حان لاختتام المقابلة الوحشية، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حطام الدولة المعزولة المنهكة، وذلك بعد ان رأى جو بايدن بأم عينه ان الفريق الذي منحه الدعم والعتاد والوقت اللازم، لهز الشبكة، وعوّل عليه كثيراً لإعادة ترميم الصورة المكسورة، واستعادة هيبة الردع، قد فوّت الفرصة، وراح يراوح في مكان، وغاص في رمال غزة.
 
بكلم آخر، فقد استنفذت الحرب على غزة اغراضها، وفقدت زخمها، حتى وان راوغ المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية وكابر لبعض الوقت، وتفلّت من نتيجتها المكتوبة بالخط الأحمر على الحائط الممتد من اصبع الجليل الى رفح، وهي ان غزة الباسلة، وصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته الأسطورية، قد ربحوا الحرب، ابى من ابى، وانهم صنعوا بلحمهم الحي، بتضحياتهم الهائلة، بعذاباتهم الشديدة، ملحمة العصر بكل جدارة، حققوا المعجزة شبه المستحيلة، غيّروا وجه الشرق الأوسط، فرضوا انفسهم كحقيقة نهائية، وجعلوا من الكوفية والعلم الفلسطيني معاً ايقونة لدى الرأي العام الغربي والحركة الطلابية العالمية.
 
من غير حماسة زائدة، او انجراف وراء الأفكار الرغائبية، احسب ان هذا المكسب بوقف الحرب المجنونة، المتحقق بثمن باهظ جداً، سيما وان المقاومة لا تزال واقفة على رجليها، يُعدّ في حد ذاته هزيمة للاحتلال، وان هذا الإنجاز ، الذي يشارف ضفاف نصر تاريخي مستحق، لن يتوقف عند حدود وقف الحرب الاجرامية، لما تنطوي عليه هذه المعطيات من مغزى، وما تطلقه من ديناميات جديدة، مرتقبة على المدى المنظور، واهمها تحرير مئات القادة وآلاف الكوادر من الحركة الاسيرة، ناهيك عن تسريع مفاعيل هذه المتغيرات على الواقع المأزوم في الجانب الآخر، بما في ذلك مركّبات الوعي والرواية والمفاهيم والسردية، وكل ما استقر في تلك العقلية المسكونة بالعجرفة والأفكار الفاشية.
 
قد نرى عما قريب العجب الجاب في المجتمع المصاب، منذ طوفان الأقصى بالهستيريا، وقد نستمتع في الوقت ذاته بمشاهدة حفلة مشادات وتمزقات وتلاوم وردود أفعال ماجنة، يشارك فيها كل أولئك المجانين الذين استولوا على المصحة العقلية قبل نحو عام وأكثر، حيث رفعوا قطعان الجنائيين المطلوبين للقضاء، اللصوص وزعران التلال والاوباش والكاهانيين، الى سدة الحكم، من أمثال بن غفير وسموترتش، والنواب الذين قدم احدهم طلباً الى الشرطة لاعتقال جو بايدن حال وصوله مطار اللد، كونه اذاع مشروع وقف اطلاق النار قبل ان تجيز نشره الرقابة العسكرية