عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Aug-2025

إسرائيل الكبرى بين مجال النفوذ والتوسع المباشر*هزاع البراري

 الراي 

يعود من جديد ما يسمى بمشروع إسرائيل الكبرى / من النيل إلى الفرات، وهذا المصطلح أو المشروع لم يغب منذ بواكير الصراع العربي الإسرائيلي، تعلو وتيرته فترة ويخبو فترة أخرى، وهو تلويح سياسي / اقتصادي أكثر منه تهديدا عسكريا احتلاليا مباشرا، حتى وإن حاولت إسرائيل اليوم ربطه بعمق روحي ديني وتاريخي، إلا أنها تفشل في إيجاد مسوغات شرعية وقانونية، بل أن اعتمادها على الأساطير التوراتية والخرافات التاريخية المطعون في صحتها بحكم التاريخ الحقيقي والآثاري العلمي، وتفشل أيضا حتى في إقناع اليهودي المتدين والعلماني بمنطقية وشرعية هذا المشروع الملوح به كلما منحت المنابر فرصة لقائد إسرائيلي مأزوم داخليا ومنبوذ دوليا كما هو نتنياهو.
 
أثبتت حرب إسرائيل على غزة وهي رقعة صغيرة محاصرة ومعزولة وشحيحة الموارد، عدم قدرة إسرائيل رغم طول أمد القتال الهمجي على إنهاء الحرب كما خططت لها من حيث سرعة الإنجاز وتحقيق كامل الأهداف، وقد شكلت هذه الحرب كُلفا باهظة على إسرائيل عسكريا واقتصاديا وبشريا وسمعة سيئة دوليا، هذا كله ناتج عن حرب غزة، وحتى المغامرة العسكرية التي قامت بها إسرائيل اتجاه إيران، وبالرغم من تحقيق نتائج لصالح إسرائيل / أمريكا، إلا أنها كشفت أيضا ضعف القبة الحديدة، وعدم قدرة إسرائيل على حماية نفسها من نواتج المواجهة العسكرية، كما توضح لها ولغيرها، أن التحرك البري لإسرائيل محدود وغير مؤثر بشكل حاسم مع تغير آليات الحرب الحديثة، ودخول المنطقة في حالة من عدم الاستقرار السياسي خاصة في سوريا ولبنان، مما يخلق تحديات أمنية وعسكرية لإسرائيل، وإذا أضفنا رغبة أمريكا بخفض حالة التوترات والمواجهات في العالم، فإن هذه كلها تضع إسرائيل في حسابات معقدة.
 
إذاً ما مصير مشروع إسرائيل الكبرى والحالة هذه، هل هو مجرد مشروع خيالي حالم لا أساس له في الواقع؟ لا بالتأكيد هو ليس كذلك، ولكنه أيضا لن يكون باحتلال عسكري لدول ومساحات شاسعة تضم شعوبا كبيرة العدد ومتعددة الطوائف والاثنيات، هذا ضرب من الخيال والجنون، ومع أنه من المستحيل السيطرة على هذه المساحات وهذه الشعوب من قبل إسرائيل التي تعجزها غزة، إلا أن هذه الدول هي دول راسخة وعميقة الجذور رغم مشاكل بعضها، وقادرة على الدفاع عن نفسها وحماية أرضها، بغض النطر عن ما يحدث في بعض مناطق الجنوب السوري مؤقتا فهو ليس مقياسا يقاس به.
 
من خلال مراقبة تصرفات إسرائيل اليوم، نجد أنها تحاول بناء علاقات على الأرض مع بعض المكونات هنا وهناك، وإيجاد أذرع تأتمر بأمرها في محاولة لاستنساخ نموذج المحور الإيراني، وتحييد الحكومة الجديدة في سوريا من خلال معاهدة عدم اعتداء على الأقل، وإخراج حزب الله من المعادلة العسكرية والسياسية، وفرض واقع اقتصادي يجعل من إسرائيل شريكا في مشاريع اقتصادية كبرى، وبوابة للشرق على البحر الأبيض المتوسط، وبناء تحالفات عسكرية / أمنية تكون إسرائيل فيها شريكا أساسيا، وهذا كله بعد تهيئة المنطقة لحالة عامة من التطبيع السياسي والاقتصادي والعسكري لا يستثني تركيا بطبيعة الحال.
 
إذاً الرؤية الحديثة لإسرائيل الكبرى تتكئ على النفوذ السياسي والاقتصادي والتحالف الأمني العسكري، وهي بذلك تسعى إلى تمكين وجودها في الشرق الأوسط، وشرعنة هذا الوجود، على أن بؤرة هذا التوجه الإسرائيلي تتمركز أيضا على إنهاء ما يسمى بحل الدولتين، واحتواء غزة وإعادة تأهيل وضعها القانوني والإداري، بما يحقق لها ما تروج له وهو " أمن إسرائيل" وهذا يؤكد أنه كما أن وجه الشرق الأوسط يتغير فإن شكل وطبيعة كثير من المشاريع الكبرى والأحلام بعيدة المدى سيتغير حتما من حيث الشكل والطبيعة أيضا، ولكن هل سينجح كل هذا المخطط له مستقبلا؟، اعتقد أن تحولات المنقطة ومنعطفاتها الحادة وحدها من سيجيب.