عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Apr-2020

“كورونا”.. هل يجمع هموم ومخاوف الأزواج ويقرب المسافات بينهم؟

 

منى أبو حمور
 
عمان- الغد-  لم تكن أزمة “كورونا” ثقيلة الظل على العلاقات الزوجية كافة، فعلى خلاف ما تم تداوله عن ارتفاع نسبة العنف الأسري والمشاكل الزوجية، هناك العديد من الأزواج ازدادت علاقتهم صلابة، وأصبحت أكثر تماسكا وقربا من السابق.
تمكنت جائحة “كورونا” من إنعاش الروابط الزوجية والعلاقات الأسرية بعد أسابيع عدة من الحظر الذي فرضته الحكومة كإجراء احترازي لمواجهة مخاطر انتشار فيروس كورونا المستجد، معيدة الألق من جديد لعلاقات زوجية كان يغلفها روتين الحياة المليء بالهموم والمشاغل والركض وراء لقمة العيش.
“رغم مرارة ما نمر به، والخوف من تبعات أزمة كورونا، وإلى أين ستمضي بنا، إلا أننا أصبحنا أكثر قربا من بعضنا بعضا، وتفهما لظروفنا”، بهذه الكلمات وصفت الأربعينية علياء الفترة التي أمضت بها الحظر برفقة زوجها وأولادها.
وتقول لـ”الغد”: “في السابق كنت أمضي وقتي بين الواجبات المنزلية ومتطلبات الأولاد، ويعود زوجي متأخرا من العمل متعبا، لا يفضل النقاش أو الحديث بأي أمر”، مبينة أنها في الآونة الأخيرة شعرت بأن هذه الحياة رتيبة ومملة، والبيت بالنسبة لزوجها فندق لا أكثر.
بيد أن الحجر المنزلي الذي فرض من تلقاء نفسه على زوجها البقاء في البيت وقضاء معظم وقته مع أفراد عائلته، كان له دور في تغيير العلاقة التي عصف بها انشغاله الدائم بالعمل، وقلقه على تأمين متطلبات البيت، وفق قولها.
أما أحمد عبدالرحيم، فيرى أن “كورونا” أتاح الفرصة أمامه لتجديد علاقته بزوجته التي ملأها الفتور، فأصبح لديه الكثير من الوقت لاحتساء قهوته الصباحية برفقتها من جديد، ويتبادلان أطراف الحديث بكل عفوية ومن دون تكلف.
هموم ومخاوف مشتركة أعادت ترتيب الكثير من العلاقات الزوجية التي شابها البرود، فأصبح بقاء كل منه الزوجين إلى جانب الآخر في محنته أسمى ما يفكر به الزوجان، وهو ما حدث مع الثلاثينية روان التي غادرت بيت زوجها قبل إعلان الحكومة عن بدء حظر شامل، بسبب خلاف عائلي بينهما، وقررت جراءه عدم العودة لزوجها، وطلب الطلاق.
لكنها تراجعت عن قرارها بعد إعلان حظر التجول، خصوصا أنها أدركت أن عمل زوجها سيتعطل بشكل كلي، وعليه سيمر بأزمة اقتصادية غير مسبوقة، كما شعرت بأن الخوف سيتملك أطفالها الصغار، وهو أمر لا تقوى على احتماله وهي بعيدة عنهم. تقول “لم يأخذ التفكير مني وقتا طويلا، فعندما علمت بقرار الحظر سارعت لبيتي وزوجي وأطفالي”.
وتضيف “في البداية كنت أفكر أن أبقى إلى جانبه فترة الحظر فقط وبعدها سأطلب الطلاق، إلا أننا في هذه الفترة كان لدينا وقت طويل لنتحاور ونتجادل ونضع النقاط على الحروف، ونعيد مسار علاقتنا الزوجية إلى نصابها”، مكتشفة أن المشكلة من الأساس أنه لا أحد بهما يستمع للآخر، والمشكلة الحقيقية هي غياب الحوار بينهما.
وبدوره، يشير الخبير الأسري مفيد سرحان إلى أن الحياة بطبيعتها متقلبة فيها الغنى والفقر، والصحة والمرض، والرخاء والشدة، والعاقل من يهيئ نفسه للتعامل مع كل الظروف، وكلما استطاع الإنسان أن يحسن إدارته لنفسه وأسرته في الظروف المختلفة، وأن يحسن التعامل مع المتغيرات، وأن يستثمر أفضل ما فيها، يكون إنسانا ناجحا وأكثر فعالية، وسينعكس ذلك إيجابيا على نفسه وأسرته ومجتمعه.
وفي الظروف الاستثنائية كالتي نعيشها واجتماع الأسرة معا لأسابيع متتالية عدة، بحسب سرحان، وجدت كثير من الأسر في ذلك فرصة للمراجعة والتقييم، وهي أمور لم تنتبه إليها في الظروف العادية بسبب الانشغال بالعمل، أو تقديم العلاقات الاجتماعية مع الآخرين على العلاقات الأسرية من دون موازنة، من حيث الوقت الذي يقضيه الزوجان معا، ونسبة الإنفاق على الأسرة مقارنة مع الإنفاق على الآخرين؛ حيث سيطرت المجاملات والتقليد الأعمى والنفاق الاجتماعي، مما أدى إلى إهمال كثير من الأزواج لبعضهم بعضا ولأبنائهم.
ويشير سرحان إلى أنه في ظل هذه الظروف شعر الكثير من الأزواج أنهم اكتشفوا بعضهم بعضا من جديد، وكأنهم كانوا غرباء، وهم يعيشون تحت سقف واحد، فهم الآن أكثر قربا ليس جسديا فقط، بل بالمشاعر والأحاسيس والهموم. العلاقات أكثر حميمية، وأكثر قوة.
ويضيف “الجلوس في المنزل أتاح للزوجين والأسرة عموما مساحة أكبر للحوار بعد أن كان مفقودا أو ضعيفا، رغم أنه ضرورة إنسانية داخل الأسرة”. وينوه سرحان إلى أن الجميع أدرك أهمية الأسرة وأنها الحضن الدافئ والملاذ الآمن الذي لا بديل عنه، هذه الحقيقة التي غابت عن بعض الأزواج سابقا، جاءت هذه الأزمة لتصوب الاتجاه وتذكر بالحقائق التي غابت عن الأذهان والعقول.
إلى ذلك، أدرك الأزواج أنهم قادرون على العيش معا بود ومحبة، وتحقيق المودة والسكينة والطمأنينة والرحمة، وأن الواجب والمسؤولية يتطلبان التسامي عن أي خلافات، لأن الأولوية هي للتكاتف والتعاون وتحقيق المصالح المشتركة.
ويضيف سرحان “أدرك الأزواج أن أي خلافات مهما بلغت لا تستحق أن تكون سببا لهدم الأسرة، وأن مصلحة الأبناء ومستقبلهم يستحقان التنازل من كليهما، كما أن الصبر أصبح قيمة يتحلى بها الجميع، وهي لا تعد تنازلا بل فيها المصلحة والإيجابية والمرونة أخلاق ينقلها الآباء الى الأبناء”.
ويشدد سرحان على ضرورة الالتفات إلى القيمة الكبيرة في هذه المحنة التي جعلت الجميع يدرك أن الحياة لا تخلو من المشكلات، وأن الإنسان بوعيه وحكمته وحرصه قادر على أن يتعامل معها، وأن يحولها إلى فرصة ومنحة، وتجديد للحياة الزوجية، فالإنسان تزيده الشدائد قوة وخبرة.
وفي المضمار النفسي، يجد أخصائي علم النفس الدكتور يوسف مسلم، أنه لا مشكلة إن حصلت مشكلة، ولا اختلاف إن حصل خلاف، المشكلة والخلاف الحقيقيان أن لا يكون لدى الأزواج أدوات حقيقية لمناقشة الخلاف أو المشكلة بين الأسرة، وانعدام الطريقة أو الأسلوب للوصول إلى نوع من الاتفاقات فيما بينهم.
ويشير مسلم إلى أن أحد الأزواج إن كان “عصبيا بطبيعته”، فإنه بدأ يطور أدوات التفاهم، فأصبح مضطرا للحوار، لأن جميع أفراد العائلة الواحدة موجودون، كما أن الوضع الراهن لا يسمح للمد والجزر في النقاش، أو فرض كل منهما سيطرته على الآخر، وبالتالي فتح بابا مهما في العلاقة الزوجية.
ويضيف “الآن أصبح أفراد الأسرة يبحثون عن وسائل وأنشطة تجمعهم مع بعضهم بعضا”، فقد باتت مخاوف الأزواج واحدة، وهمهم واحد، فلم يعد الزوج يخجل من أن يناقش زوجته أو يعبر لها عن مخاوفه، وكذلك الزوجة، الأمر الذي يخلق نوعا من الكيمياء والتماسك فيما بينهما.
لأزمة “كورونا”، وفق مسلم، العديد من الإيجابيات، أهمها بقاء رب الأسرة في البيت مع زوجته والأولاد، ودخلت في مرحلة التكيف مع مرور أسابيع عدة مع بعضهم بعضا، فأصبحوا أمام أمر واقع، وزادت مظاهر التماسك الأسري، فالزوج أكثر دراية بمهام زوجته ومسؤولياتها اليومية، ومقدار الجهد الذي تبذله مع أولادها وبيتها وعملها إن كانت امرأة عاملة أيضا، لاسيما أن هناك العديد من الزوجات العاملات ما يزلن يعملن عن بعد في ظل جائحة “كورونا”.
ويضيف “كذلك أصبحت الزوجة تشعر باهتمام ومتابعة زوجها، وتركيز الزوج أصبح للبيت والأولاد، فينتبه لتفاصيل تخص زوجته من جديد، واحتياجاتها ليس المادية رغم أهميتها، ولكن المعنوية أيضا، فعاد الطرفان لنمط مختلف عن الحياة قبل الأزمة، بتوفير الاحتياجات العاطفية، ما يساعدهما على التماسك، فهمهما ومخاوفهما واحدة، وهو ما يسمى بعلم النفس الاجتماعي بـ”التماسك””.
ويأسف مسلم على أحكام بعض الأخصائيين السريعة على زيادة العنف الأسري نتيجة ورود بعض حالات العنف التي هي بالأساس موجودة من قبل في تلك الأسر، فهذا يتطلب عمل دراسات ودلائل للمجتمع قبل أن نطلق أحكاما بأن هناك زيادة بنسبة العنف الأسري في ظل أزمة كورونا.
ودعم مسلم وجهة نظره من خلال دراسة استقصائية قامت بها مبادرة “كلمة” التي أظهرت من خلال الاستبيانات وعمل استقصاء سلوكي للناس خلال أزمة كورونا استهدفت 1400 أردني، فإجاباتهم دلت على ارتفاع نسبة المشاكل الزوجية، وكانت نسبة الارتفاع 18 %، وهذا لا يعني أن هؤلاء جدد، ولكن زادت في تلك الأسر التي تعاني أصلا من خلافات عائلية بنسبة 18 % فقط، وهذا “الطبيعي” بوجود الاحتكاكات والمناوشات.