عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Aug-2020

تأملات في ديوان «يمام القلب» لموسى الكسواني

 

أحمد الكواملة
الدستور- مقدمة مشتعلة، وكأن أول القول ثورة، يقول الصديق الشاعر موسى الكسواني في تقدمة مجموعته (يمام القلب): (أقدم هذه المجموعة المتواضعة نداءات أخالها خارجة من بين شفتين غاضبتين، لعمي المناضل رجا إسماعيل الكسواني، الذي اغتالت كلماته المعتقلات).. وكأنه يقول... إذا لم تصل كلماتك يا رجا... فهذه كلماتي الغاضبة تعبر عنك. وعن كل الذين تحدت عيونهم المخارز، عل القادم يحمل خيرا، وبهجة..
 
و من عنوان المجموعة (يمام القلب) يشي شاعرنا برهافة أنيقة، وهو يثبت في الاسم (يمام) وليس حمام مثلا... وكلاهما رمز سلام. ورقة. وحنين، غير أن لليمام تأثير خاص، لما لليمام من رشاقة وجمال ورفض للاستئناس، فهو بري الطبع... وهو حين يلحق بيمام كلمة (القلب) في عنوان مجموعته، وكأنه يشير إلى سمات من يحب، فهو بري عصي على الاستئناس، غير انه يسكن قلبه العشق الشقي...الذي يماثله في رفض القوالب الجاهزة.
 
و لا غرابة أن تأتي القصيدة الأولى في مجموعته بعنوان (ومضات من شرفة الانتفاضة) حيث صدرت مجموعته عام 1990 م، أي أن قصائده خرجت من رحم الانتفاضة المباركة الأولى وهي في ذروتها.
 
صورة مؤثرة جميلة يبوح بها المقطع الأول من قصيدته الأولى، في مقاربة معبرة، بين اليد المكسورة التي تحمل الحجر، وهراوة الجندي الصهيوني المدجج المرتعب:
 
حجر ويد مكسورة
 
وهراوة جندي مذعور...
 
وبلقطات كاشفة ينقلنا الشاعر موسى الكسواني في المقطع أو العبارة التالية، حيث يترك لنا أن نتخيل كيف لزجاجة عطر عروس ليلة دخلتها، تتحول في يد، الطفل الثائر... الزوج العاشق لها وللوطن، كيف تحولت إلى زجاجة ميلتوف، (زجاجة عطر حقيقي) تضوع بلغة متفجرة، وتقدم الروح مَهرا للأرض، المعشوق الأكبر، تقدم نهرا من الدماء الهادرة التي تغرق فيها كل أحاديث الزيف والانكسار..
 
وزجاجة عطر
 
لعروس ليلة دخلتها
 
تصبح لغة
 
خبزا
 
مهرا للأرض. وأغنية
 
تصبح قنبلة للصد
 
وسنبلة للمد
 
...
 
انهار دماء هادرة
 
يغرق في لجتها
 
كل الزيف وكل العث
 
...
 
وندى الشهداء المسجيين
 
يعطر خاتمة الليل
 
...
 
ثمة وجه فرح قادم
 
نفس الصبح
 
هديل جريح....
 
////////////////// الصبر النبيل...
 
بتصوير مؤثر رائق، يرسم الصديق الشاعر (موسى الكسواني) حال المشرد المنفي اللاجئ، الذي تصفعه أبواب الأشقاء قبل الأعداء، وهو لا يتوقف عن حلم أن يحرث أرضه، يتمترس خلف الرفض، لكل ما يزين الركوع والخنوع، من قصيدة (صابر في المنفى):
 
يبحث عن عمل حينا
 
ويغذ السير للقمة عيش
 
يستجدي أبوابا مغلقة
 
تفتح كي تصفع وجهه
 
يحمل كل اللاءات بجعبته
 
يحلم أن يصبح ثورا
 
يحرث أرضه
 
...
 
يحلم بالطيران
 
...
 
يتناثر مثل غيوم الصيف
 
لكن أبدا لم يركع...
 
 إيقاعات في مزمور واحد
 
لفت انتباهي، وأنا انعم النظر في قصيدة (احتراق) للشاعر موسى الكسواني، ذلك التنقل بين إيقاعات متمايزة عبر تناغم موسيقي داخلي وخارجي ، دون أن يفقد وحدة تأثير المزمور (القصيدة) صوتيا، وإيقاعيا، وهو لا يلزم نفسه بروي متكرر، ولكن يترك للنص واشتعاله الداخلي أن يقود تراتبية الكلام والإيقاع، وهو حين يغادر سطوة الروي، يدخل نصه في كثير من المواضع في تقنية (التدوير) التي لا تستدعي بالضرورة روي مكرر، هو يراوح بين إيقاعات خارجية تجذب الآذن، وايفا عات داخلية تشد القلب، عبر تقنيات صياغية عالية نقدرها للشاعر خصوصا وأن مجموعته هذه هي الأولى في تجربته الشعرية.
 
/////////////// صورة المرأة المعشوقة... صورة الوطن
 
عبر تناغم جميل مؤلم، يرسم الشاعر موسى الكسواني صورة الحبيبة، كأنها الوطن. ويرسم الوطن كأنه الحبيبة، في إسقاط مؤثر مسكون بوجع الاغتراب. وجراح المنافي، حين يقول من قصيدته (يا لعاري):
 
حلوتي
 
ليلية العينين وسنى
 
...
 
حلوتي
 
ينبوع وجد. وافتنان
 
من شعاع المجد تحيا
 
من ايادي الغاضبين الرافضين
 
...
 
أنت ما زلت الطريق
 
يا لذيذا كالرحيق
 
تسخر الأشياء مني
 
يكتب الخوف الجواب
 
يا لعاري
 
ها أنا دفن اغتراب...
 
 الزرقاء... عمان...
 
و عبر تداعيات ملحمية يبوح الشاعر موسى الكسواني في قصيدة (ربة عمون) بأوجاع روحه، كأنه يقول... أنا المطعون من فجر التاريخ إلى اليوم، لكني لن يتطامن قلبي لقيود الأمس. واليوم... لن ينسى وجه الأرض مآذن بيت المقدس، ستكون لنا الأرض، نبني فيها الود، حيث الدفء، وحيث الحب يدثرنا، وحيث الله يمجدنا....
 
قصيدة (ربة عمون) تمور بالإحالات، والإسقاطات، والتناصات المتنوعة في مرجعياتها، زاخرة بأسماء مواضع، وشخوص دالة، تحمل إرثا تاريخيا لا ينسى...
 
ربة عمون، جناعة، حي النزهة، شجر العليق، سيل الزرقاء، شبيب وقصره الكنعاني، عمان، القدس، الأحواز، إنطاكيا، الجولان، بيسان، يهوذا، لاوّيون، حطين، ضرار، السخنة، هيفاء، نهر العروب، الحارث، الأنباط، الناصر داود، بيت المقدس، الرملة، الجرمق، جرزيم، ذيبان، أرامي، ميشع، القصعة.. إلخ.
 
قصيدة مثقلة بالأسماء. والإحالات. والدلالات. وتناصات ذات مرجعيات منوعة بين دينية. وتراثية. وتاريخية ،. وكأنه يريد أن يقول :. وإن كنت مشغولا بالهم الأكبر فلسطين فاني عربي قومي أحس أوجاع العروبة في كل مكان بل عبر ما مضى. وما سيأتي، اعتز بتراثي العظيم. وأتطلع لنهضة تعيد ما فقدنا من الق...
 
يحسب للشاعر (موسى الكسواني) قدرته العالية على خلق حالة من التناغم. والاندغام. والتأثير في وحدة رهيفة تقف خلفها شاعرية ثرة...
 
مجموعة (يمام القلب) رغم أنها المجموعة الأولى للشاعر موسى الكسواني غير أنها أعلنت، وتعلن عن مولد شاعر يعد بالكثير، وقد أكدت ذلك مجموعاته التالية التي تشير إلى تجربة جديرة بالمقاربة والدرس.