عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Jan-2020

عائلات تتبرع بالأجهزة الطبية الشخصية لمساعدة المرضى المحتاجين

 

منى أبو حمور
 
عمان-الغد-  بعد خسارتها ابنتها التي صارعت مرض السرطان ثلاث سنوات، وجدت الأربعينية أم ليلى فكرة التبرع بالأجهزة الطبية الشخصية بابنتها “مخرجا” لتخفيف آلام الآخرين، والمساهمة في علاج من لا يقوى على تكاليف العلاج، بعد أن خطف المرض ابتسامة فلذة كبدها.
تقول الأم “كنت بحاجة في اللحظات الصعبة التي عشتها بعد وفاة ابنتي إلى مزيد من الدعاء لها بالرحمة، فتبرعت بكل ما لدي من أجهزة طبية وأدوية فائضة، لعلها تخفف آلام الآخرين”، لافتة إلى وجود الكثير من المرضى غير القادرين على تكاليف العلاج أو حتى شراء أبسط الأدوية.
وتضيف “خلال مرافقتي لابنتي في مراحل تلقي العلاج، استعمت لمعاناة الكثير من العائلات، خصوصا في المحافظات البعيدة، الله يعين الناس مرض وقلة حيلة”، مضيفة “أول ما خطر ببالي بعد وفاة ابنتي، جمع المعدات الطبية المتوفرة والأدوية الصالحة للاستخدام، والتي لم يتم فتحها، ومن ثم نشر صور هذه المعدات عبر حسابي على “فيسبوك”، لتصل لمن هم بحاجة ماسة لها”.
وكذلك الحال مع الثلاثينية حليمة سعيد التي شاركت أصدقاءها عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” صورا عدة لأنواع مختلفة من علب الأدوية المزمنة “غير المستخدمة”، والتي أصبحت لا حاجة لها بعد وفاة والدها.
“أجره ولا هجره”، بهذه الكلمات عبرت حليمة عن رغبتها بالتبرع بأدوية والدها بعد وفاته، بحثا عن الأجر والثواب، خصوصا أن عبوات هذه الأدوية مرتفعة الثمن.
ولم يقتصر تبرع حليمة بالأدوية فحسب، وإنما أشارت إلى وجود مستلزمات طبية وصحية لكبار السن وكرسي متحرك وملابس، راغبة بالتبرع بمستلزمات والدها كافة، لعلها تبقى صدقة جارية بعد حياته.
ولا يقتصر التبرع بالأدوية والأجهزة الطبية على حالات الوفاة فحسب؛ حيث قام الثلاثيني حازم بالتبرع بجهاز “التبخيرة” بعد أن تماثلت طفلته الصغيرة للشفاء لأحد العمال الوافدين الذي يعمل في المحل المجاور، بعد علمه بحاجة طفله الصغير لهذا الجهاز.
ويقول حازم “في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الجميع لابد من التكاتف والتعاون، فالعلاج من الأولويات، وما أصعب شعور الأب بالعجز عن معالجة أطفاله”، مناشدا كل من يملك أي علبة دواء زائدة على حاجته أو إذا كان قادرا على شراء غيرها أن يقدمها لمن هم أكثر حاجة لها.
“جهاز خلع الولادة، أنابيب أكسجين، وأجهزة فحص ضغط وسكري”، وغيرها من الأجهزة التي نشرت من خلال حسابات متعددة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بنية التبرع بها لمن هم بحاجة لها، وغير قادرين على الشراء.
ومن جهة أخرى، وجدت مجموعات على “فيسبوك” متخصصة بمشاركة الأدوية والأجهزة الطبية ومستلزمات الإسعافات الأولية، لجمع الأدوية التي يتم التبرع بها، وتوصيلها إلى المحتاجين لها.
الصيدلانية هناء أكرم، بدورها، تقدم المشورة الدوائية فيما يتعلق بالأدوية التي يتم التبرع بها من حيث صلاحية العلاج، وطريقة استخدامه، والحاجة الدوائية وغيرها من الأمور التي تتعلق أيضا بالأجهزة الطبية.
وتشير الصيدلانية هناء إلى حرصها الدائم على التأكد من صلاحية الأدوية، والتي يتم مشاركتها على “الجروب”، والتأكد من السيرة المرضية للمريض المحتاج قبل إعطائه العلاج. وتقول “نحرص على الإعلان باستمرار عن إمكانية الحصول على صنف أو أكثر من الدواء لمن يحتاج، ويتم التواصل مع المريض عبر حسابه على الخاص، والتأكد من الوصفة العلاجية الخاصة به”.
وتضيف “إلى جانب ذلك تنشر صورة الأدوية لمن يعرف الدواء بشكله، وليس باسمه لمساعدته على تحديد ما يحتاج”.
وتصف ثقافة التبرع بالعلاج بالخطوة الإيجابية، خصوصا مع ارتفاع تكاليف العلاج على المرضى، خصوصا المزمنة التي تحتاج إلى مصاريف كثيرة مثل: أمراض المخ والأعصاب، مرضى الفشل الكلوي، مرضى العظام ومرضى الكبد والجهاز الهضمي، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة جدا يعاني منها المواطن الأردني.
كما وجدت مجموعات أخرى عبر “فيسبوك” لعرض الأدوية والأجهزة الطبية الفائضة على الحاجة، أو لم يعد المريض بحاجة لاستخدامها، وذلك بسبب الوفاة أو الشفاء.
وعن مظاهر التكافل الاجتماعي والشعور بحاجة بالآخرين، يشير التربوي الدكتور عايش النوايسة إلى أن التكافل الاجتماعي بشكله العام يعني الشعور والمشاركة من قبل أفراد المجتمع في المحافظة على المصالح العامة والخاصة ودفع المفاسد والأضرار المادية والمعنوية.
ويحفز التكافل الاجتماعي، بحسب النوايسة، شعور الفرد إلى جانب الحقوق التي له، بأن عليه واجبات تجاه الآخرين، وخاصة الذين ليس باستطاعتهم أن يحققوا حاجاتهم الخاصة، وذلك بإيصال المنافع إليهم ودفع الأضرار عنهم.
وتعكس كثير من الممارسات في المجتمع الأردني المعنى الحقيقي للتكافل، منها ثقافة التبرع، والتي تشير إلى ممارسات إيجابية من قبل الأفراد فيما بينهم، فنجد البعض في حالة موت قريب من الدرجة الأولى لها يتبرع مثلاً بالقرنيات، وهذا يدل على السمو في موضوع التكافل، وعلى النهج نفسه نجد البعض يتبرع بأجهزة طبية ومقاعد متحركة كانت تستخدم من قبل مريض، إما شفي أو انتقل إلى الرفيق الأعلى.
وتدل هذه التصرفات، وفق النوايسة، إلى أن المجتمع الأردني قريب من بعضه ومتكافل اجتماعياً، ويكفي أن نتابع إعلان التبرع للمريض بالدم، لتجد الاستجابة عالية وبعدد كبير يفوق العدد المطلوب، وهذا نابع من الشعور بالمسؤولية؛ إذ إن المجتمع بكل فئاته وتخصصاته المختلفة مسؤول عن تحقيق التكافل الاجتماعي، ونشر فكره وممارسته.