الغد
الفيضانات، التي اجتاحت العديد من شوارعنا مؤخرًا، تُعتبر مرآة لغياب إدارة حقيقية للهطولات المطرية، في بلد يقف على حافة العطش، بينما قدمت فيديوهات الشوارع "الغارقة" درسًا قاسيًا في المفارقة: نغرق في الشوارع ونعطش في البيوت.
تلك "الفيضانات" -إذا ما جاز لنا التعبير أن نُسميها كذلك- ليست مجرد حادثة مناخية، كما يحلو للبعض أن يسميها، خصوصًا من "المنظرين" والمستفيدين من مصطلحات و"ظواهر" ابتدعوها يغتنمون من ورائها.
أقول: هي ليست مجرد حادثة مناخية فقط، كما وصفها أولئك "المستفيدون" للهرب من المسؤولية، بل نتيجة مباشرة لـ"غياب" البنية التحتية، التي تحول المطر من نعمة إلى نقمة، وبدلًا من أن تكون الأمطار فرصة لتعزيز مخزون المياه في بلد فقير مائيًا، أصبحت مادة للسخرية، خاصة مع هرولة عديد المسؤولين لنفي فكرة "الغرق" كليًا، بينما كانت مشاهد الشوارع والأنفاق تتدفق سريعًا على مواقع التواصل الاجتماعي.
بلد يؤكد مسؤولوها ليلًا نهارًا بأنه من أفقر ثلاث دول في العالم مائيًا، ولا يحركُون ساكنًا من أجل التغلب على هذه المشكلة أو "الادعاء".. كما أنهم يعلمون بأن حصة الفرد أقل بكثير من خط الفقر المائي العالمي، والذي يبلغ 500 متر مكعب سنويًا، على الرغم من كل ذلك، لم نسمع أو نر أو نقرأ بأن هناك خطة أو خارطة طريق من أجل التغلب على هذه "الأزمة"، علمًا بأن سكان المملكة في ازدياد مستمر.
إن أولئك "المُنظِّرين"، أو أصحاب الأجندات التي يعتاشون عليها، مُتيقنون بأن كميات كبيرة من مياه الأمطار تُهدر سنويًا في التصريف بدل تخزينها، وتراهم فقط يتفنون بإلقاء الخطب وحضور المؤتمرات التي باتت لا تُسمن ولا تُغني من جوع، على الرغم من أن الحصاد المائي يمكن أن يغطي ما بين 30 بالمائة و40 بالمائة من احتياجات المنازل إذا ما طُبِّق بشكل صحيح وسليم وعلمي.
وعلى الرغم من أن مشاريع تحلية المياه مهمة وضرورية، خصوصًا في ظل الأوضاع المناخية الجديدة كما يدعون، إلا أن تكلفة بناء خزان لتجميع مياه الأمطار أقل بكثير من تكلفة مشاريع "التحلية" الضخمة، وذلك في الوقت الذي يعتمد الأردن فيه بنسبة كبيرة على المياه الجوفية التي تعاني من الاستنزاف أيضًا، كما يؤكد المسؤولون.
هناك حلول بسيطة لا أحد يعطيها أي اهتمام، أو كأنهم ينظرون إليها بازدراء؛ فمثلًا، هل يوجد ما يمنع من أن تشترط أنظمة البناء على كل شخص يريد بناء منزل مستقل أو عمارة، أكانت سكنية أم تجارية، وجود بئر حصاد؟
بمعنى ثانٍ، ضرورة وجود بئر حصاد مائي مع كل ترخيص لبناء، أيًا كان نوعه.. فمن خلال ذلك أستطيع القول بأن جزءًا كبيرًا من الماء المهدور أو المستنزف قد حُوِّل إلى مخزون إستراتيجي بدلًا من أن يصبح نقمة ومن ثم مادة للسخرية.
الحل بسيط، من خلال اشتراط وجود بئر مع كل ترخيص بناء جديد، يتبعه إعفاءات للبيوت القائمة، من أجل تشجيع أصحابها، في ظل الظروف المعيشية البائسة.. هذه الفكرة قابلة للتطبيق على الأفراد والقطاع الخاص، وفي الوقت نفسه كفيلة بتحويل كل مبنى إلى وحدة تخزين، ومن ثم تخفيف لـ"الفيضانات" في ذات الوقت.
والسؤال اليوم، كي تغرق الطرقات، بينما نعطش في البيوت؟.. هذا التناقض يكشف فجوة عميقة في إدارة الموارد، ويُبرز الحاجة لحلول سهلة ويسيرة مثل الحصاد المائي.