الراي - لأن هذه المنطقة تمر بمرحلة من أخطر المراحل، منذ عشرينات القرن الماضي وحتى الآن، فإنه علينا في هذا البلد، المملكة الأردنية الهاشمية، الذي غدت النيران تحاصره من كل جانب أن تكون لنا وقفة جدية عند هذا المنعطف الخطير حيث داء التشظي بات يهدد عدداً من دولنا العربية القريبة والبعيدة وهذه الخرائط أمام عيوننا وعلينا أن ندقق جيداً بكل هذا الذي يجري وأن نأخذ العبرة منه ونضع بلدنا في حدقات العيون.
لا أوضاع سوريا، التي هي الأقرب إلينا جغرافياً وديموغرافياً، مريحة وبالطبع ولا أوضاع بلاد الرافدين التي هي عمقنا الاستراتيجي في اتجاه الشرق ولا أوضاع لبنان ولا أوضاع اليمن ولا الوضع الفلسطيني ولا أوضاع ليبيا والسودان وهذا بالإضافة إلى الأزمات الطاحنة في بعض الدول العربية الأخرى وحيث أنه غدت هناك مخاوف جدية من أن تصبح هناك خرائط أخرى غير خرائط سايكس – بيكو وما بعد الحرب الكونية الأولى.
لقد واجه الأردن على مدى القرن الماضي تحديات كثيرة كانت خطيرة بالفعل لكنه بقي بحكم تلاحم أبنائه وتماسك جبهته الداخلية ينتصر على كل تلك التحديات وأخطرها تحدي إطاحة النظام الملكي الهاشمي في العراق عام 1958 الذي كان هو ونحن قد شكلنا وحدة كان بالإمكان أن تكون رافعة عربية حقيقية ومثلاً يحتذى في الوطن العربي بأسره.
في ذلك الحين، ورغم أن الوضع العربي لم يكن مريحاً، استطاع الأردن أن يصمد وأن يتجاوز تلك المرحلة الخطيرة بتماسك شعبه وتماسك مكوناته الاجتماعية وأيضاً قبل هذا كله بالأفق التسامحي الواعي الذي كانت تعاملت به قيادته الرشيدة فعلاً مع أخطر الأمور حتى بما في ذلك ظاهرة الانقلابات العسكرية.
الآن عندنا أوضاع غير مريحة على الإطلاق وحقيقة أن هذه مسألة طبيعية طالما أننا مثلنا مثل غيرنا نخضع لتأثيرات هذه المنطقة الملتهبة لكن وحتى لا نتفاجأ بما هو أخطر، لا سمح االله، فإنه علينا أن نتسلح بالتسامح وأيضاً بالحزم فهيبة الدولة يجب أن تكون أولوياتنا الرئيسية ويجب أن يكون كلُّ مواطن «خفير» فهذا البلد للجميع وعلى الشعب الأردني أن يضعه في حدقات عيونه وألاّ يسمح لأي كان أن يتطاول عليه وعلى هيبته التي هي هيبة الأردنيين كلهم.
ثم ويجب أن يكون معروفاً أن كرامة المواطن الأردني يجب أن تكون محفوظة وفي كل الحالات وهكذا وفي الوقت ذاته فإنه على كل أردني أن يدرك وأن يتصرف على هذا الأساس أن هيبة الدولة يجب عدم المساس بها لأنها تشكل هيبة الأردنيين وأن أي تعدِّ على هيبة الدولة الأردنية هو تعدّ على هيبة الأردنيين وأنه علينا وفي الحالات كلها أن نضع في اعتبارنا أنه علينا حتى نتجاوز هذه المرحلة الخطيرة ألاّ نسمح بأي تطاول على أجهزتنا الأمنية وأن تدرك هذه الأجهزة أنها في خدمة الشعب الأردني كله وأن كرامة هذا الشعب هي كرامة هذا الوطن الذي مكانته في سويداء القلوب وفي حدقات العيون.