جرائم قتل النساء..️ والهيدونية الذكورية*د. عاطف القاسم شواشرة
الراي
لا يمضي وقت طويل على مجتمعنا الأردني ومحيطنا العربي حتى تفجعنا الأخبار بجريمة قتل امرأة يندى لها الجبين، فتمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام بشتى أنواعه بالمشاعر المحبطة والثائرة أحيانا وببعض التفسيرات المبررة أحياناً أخرى فيخرج علينا خلق كثير من الناس ليقدموا لنا تبريراتهم الواهنة للقتلة وتفسيراتهم الثقافية التي لا تخلو من التحيزات الجندرية في مجتمع يغرق بالذكورية، والحقيقة إن هذا السلوك الانساني المنحدر لا يمكن تفسيره من منظور وحيد سواء أكان هذا المنظور دينياً أو اجتماعياً أو نفسياً، فهو مركب كلي يقف?خلفه جملة من العوامل المتفاعلة التي تجتمع معا لتمنح الدافعية والحافز والآلية للتنفيذ، فعندما يجتمع ضعف البناء القيمي الأخلاقي والوازع الديني للإنسان مع الظروف الاجتماعية المحبطة وتلك التي تعزز الذاتوية وانكار الآخر وفي ظل وجود اضطرابات نفسية تحتوي على الكثير من الضلالات والتشوهات المعرفية نتوقع ان يحدث مثل هذا السلوك دون تردد.
وبالنظر إلى جريمة فتاة جامعة المنصورة في مصر وفتاة جامعة التطبيقية في الأردن فإنني أعتقد أن دوافع القتلة لا تخرج عن منظومة الاستحواذ الذكوري التي ترى في الفتيات والنساء ملكية خاصة يسهل التلاعب بهن أو قتلهن بدم بارد أو تشويه سمعتهن متى أرادوا في ظل تساهل مجتمعي...!! وحتى لا نذهب بعيداً فإن السيناريوهات المجتمعية تدور دائماً في فلك الثقافة الذكورية والشرف وتستبعد احتمالات الغدر والاعتداء والشيطنة والطمع وكل الدوافع الهيدونية الوسيلية من طرف المعتدي، وهي تقوم على فكرة الاستحواذ على الآخر «الأنثى» وتشييء جسدها و?فسها وروحها أيضا وغلبة دافع الملكية الخاصة على العلاقة وخاصة في ظل تربية قائمة على تضخيم الأنا الذكورية وفرض السلطوية في جميع العلاقات الجندرية.
أما من حيث سيكولوجية هذا السلوك فلكل حالة دوافعها النفسية الخاصة بها، إلا أنه بشكل عام قد تكون ناتجة عن حالة من الهوس العاطفي المرتبط بنوع من الكيمياء العصبية التي تنتج عن الحب، وقد جرى تعريفها بأنها مواد كيميائية شبيهة بالأفيون، ويُفرَز هذا المزيج عندما يقع الناس في الحب. وترتبط حالات الحب الشديد بإفراز هرمونات نواقل عصبية قوية تسبب الشعور بالتعلُّق. وهذا ربما يقود إلى هوس شديد نحو الشخص المعشوق. وعندما يمر شخص بتجربة الحب الذي يصل إلى حد الهوس من طرف واحد، فمن الوارد أيضًا حدوث توظيف لبعض الآليات التي تد?ل العاشق بحالة من الاحباط وفقدان معنى الحياة في حال رفض الاخر الاستجابة لهذه المشاعر، وعندها قد يصب الشخص العاشق عدوانه على نفسه بالانتحار أو الاقدام على قتل محبوبته كنوع من الانتقام والثأر للذات، كما تسيطر على بعض الذكور حالة من الوهم تمنحهم شعورا أنهم يمتلكون الحق بفعل كل شيء وبالطريقة التي يرونها للحصول على المتعة الصافية (والتي لا تعني سوى التسلية والمتعة بعيدا عن الآلام). فمتعة الافراد ينبغي ان تتخطى وعلى نحوٍ بعيد مقدار الآلام التي يتعرضون لها.
لا يفوتني في هذا المقال الموجز أن أوجه رسالة خاصة إلى الإعلاميين الأردنيين مفادها انه في حالات الأزمات وعند الصدمات النفسية يجب تقديم الدعم النفسي والاسعافات النفسية الأولية بشكل فوري قبل اقتناص لحظات الألم وتعبيرات الذهول من ذوي الضحايا لتحقيق سبق صحفي، فالانسان في حالة الضعف والصدمة لا تكون قراراته صائبة بالضرورة كما أن هول المفاجأة يفقده التوازن المعرفي، إن ما رأيناه من بعض الإعلاميين يعتبر سقطة مهنية مخجلة، ولذا أقترح على مسؤولي المؤسسات الإعلامية في الأردن عقد دورات تدريبية متخصصة في إعلام الأزمات: «ا?تأثيرات والصدمات النفسية للأزمات والمهارات الصحفية المرتبطة بها"....
وأخيراً فإنه لكي لا يغلبنا الاعتياد على المصائب والتطبع على قبول الجرائم في مجتمعنا.. ولتبقى نفوسنا حرة ترفض المساس بكرامة الإنسان وحياته التي منحه الله إياها يجب علينا جميعاً استنكار ما حدث والمطالبة بتطبيق أقصى عقوبة يسمح بها القانون على هؤلاء المجرمين دون أدنى شفقة أو رحمة.