«فلان» طلب .. و»فلان» أعطى* رنا حداد
الدستور -
لا تذم ولا تشكر.. قبل السنة و 6 أشهر
إذًا، لا ذمّ ولا مدح قبل أن تمضي سنة ونصف السنة على الزواج. هذه ليست مجرد عبارة فلكلورية، تقال للتندر أو للتقليل من شأن فرحة العروسين، بل هي حكمة عميقة تختصر تجربة الناس مع الحياة، مع الحياة الزوجية تحديدًا.
فمن يتأمل الواقع اليوم يدرك أن ما كان يُعتبر «تفاصيل صغيرة» أصبح سببًا رئيسيًا في ارتفاع معدلات الطلاق، حتى في أشهر الزواج الأولى.
قصص الانفصال لم تعد مرتبطة بخلافات عميقة أو ظروف استثنائية، بل باتت تنفجر لأسباب تافهة: اختلاف على ترتيب البيت، سوء تفاهم حول مصروف، او «مشوار وطلعة»، أو غياب كلمة تقدير طيبة في لحظات تعب وعطاء.
مشكلات لا ينفع معها أن نتساءل: مين طلب العروس؟ ومين أعطى؟ ولوين وصلت «فاردة» سيارات الجاهة؟ ولا أين أقيم حفل الزفاف، وكم نجمة وكم «صيوان» ؟ لا أحد يسأل حينها عن ثمن الورد والفستان والمكياج، واسم مصصف الشعر!
كل هذه الأسئلة التي صارت مفتاح الأحاديث ومنشورات مواقع التواصل، بل أصبحت تتصدر عناوين المواقع الاخبارية «حجمها حسب حجم اللي طلب وحجم اللي اعطى»، يوم الجاهة» تختفي تمامًا أمام أول خلاف يومي بين العرسان.
والمفارقة المؤلمة أن كل الذين ملأوا البيت يوم «الجاهة»، وعلّقوا الزينة، وتباهوا بأن «فلان طلب» و»فلان أعطى»، لا وجود لهم عند أول تصدّع.» لا حسّ ولا نس»، في الانفصال العاطفي الذي يسبق الطلاق، ولا في الانفصال الفعلي الذي يليه. يختفي المشهد الاحتفالي كما يختفي ضوء الألعاب النارية بعد دقائق، ويبقى الزوجان وحدهما في مواجهة الأسئلة الكبرى: كيف نعيش؟ كيف نكمل؟ وهل نملك ما يكفي من حب واحترام وصبر لنستمر؟.
المشكلة أننا ما زلنا نستثمر في القشرة ونترك اللب. ننفق آلاف الدنانير على ليلة واحدة، بينما ننسى أن الزواج حياة كاملة تحتاج إلى أساس متين. والجوهر هنا ليس سرًا، بل معادلة بسيطة يمكن تلخيصها في مثلث الزواج الناجح: بيت يلمّ الشمل، مهما كان صغيرًا أو متواضعًا، لكنه يرمز إلى الأمان والاستقرار. طمأنينة تنبع من الاحترام والدعم، لا من المظاهر الفارغة. حب صادق وصبر متبادل يداوي الخلافات الصغيرة قبل أن تكبر.
إن غاب أحد أضلاع هذا المثلث، سقط البناء مهما بلغت قوة مظهره الخارجي. وإن اجتمع البيت والطمأنينة والحب، لم تعد تفاصيل الكوشة والورود والكاميرات أكثر من لقطات جميلة تزين الذاكرة، لكنها ليست شرطًا لبقاء العلاقة ونجاحها وقفزها عن حاجز « السنة و 6 أشهر».
اليوم، ونحن نرى حالات الطلاق تتزايد على مواضيع أبسط من أن تُذكر، ربما علينا أن نعيد النظر في أولوياتنا. فالأعراس ليست سباقًا في تكريم أصحاب العطوفة والمعالي، والتزيّن ولا بطولة في الاستعراض، بل بداية لرحلة طويلة تحتاج إلى عقل راجح وقلب ناضج.
والبركة لا تأتي من بريق الذهب ولا من ثمن الفستان، بل من النية الصافية والنية الصادقة لبناء بيت يظل قائمًا في وجه تقلبات عواصف تتهدد مؤسسة سامية ..هي الزواج.