عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Jun-2025

مادلين وكاليفورنيا: حرّيّة بنكهة الغاز!*كامل النصيرات

 الدستور

تخَيَّل معي المشهد: يخت «مادلين» الصغير، لابس بدلة «الليبرالية المدرَّعة»، يشقّ مَيّ البحر الأبيض وهو محمَّل بعُلب أدوية وضمير ثقيل، بينما في الجهة التانية من الكوكب بتغلي شوارع «كاليفورنيا» وبتوزّع قنابل الغاز المسيل للدموع كأنها عروض «بلاك فرايدي». القصة تبدأ لما قرر اليخت الشجاع يواجه حصار غزة ويعطي درس مجاني في «دبلوماسية الـSelfie»: صورة للناشطين على سطح المركب مع شعار «هذا اليخت يزن أقل من ضمير العالم»، ولحظة الإنزال الكوماندوزي صارت هاشتاغ عالمي.
 
بعد نص ساعة أكشن بنكهة صقلية–عسقلان، وصل خبر الإنزال لوسائل الإعلام الأميركية، بس ما لحقنا نتنفس حتى مولِعة المظاهرات في قلب لوس أنجلِس. الشرطة اتحفّت المتظاهرين بوصفة «الحرية المعلَّبة»: بتعطيك حق تصرخ، بس بترش عليك فلفل حار كمّلها! الشباب بالميدان ردّوا بـ«ICE pa’ fuera!» وصاروا يتصوروا وسط الغاز ويعدّوا المتابعين على تيك توك، كأنهم بيلعبوا فلتر «أسود وأبيض مع دموع خفيفة».
 
المفارقة إن السلطة على الجهتين رافعة نفس الشعار السرّي: «لا تُحرجونا على الهواء». فاليخت اللي معه 12 ناشط يتعاملوا معه كأنه غواصة نووية، والمظاهرة اللي فيها ألفين طالب لجوء يصنفوها «تمرّد حضري». تِسأل حالك: ليش كل هالعصبية؟ الجواب بسيط يا صاحبي؛ لأن «اقتصاد الغاز المسيل المُعاد تدويره» أوفر بكثير من إنك تحلّ أصل المشكلة، سواء نقص وقود بمستشفى في غزة أو نقص عدالة بالشوارع المُضاءة بالنِيّون.
 
وبين هاتين القصتين، بترتسم لوحة ساخرة لزمن «الإيكو-حصار»: تبني جدارًا فاصلًا، وتزرع فوقه حديقة ذكية تلتقط صور «سيلفي مستدامة» مع العصافير.
 
اللعبة واضحة: إذا رفعت لافتة بوجه السلطة، بتجاوبك بالهراوة أو بالمجسّم البحري المعقّم بالكحول. وإذا مدّيت إيدك بالمساعدة، بيفرغوا الجمارك على ضميرك قبل ما يفرغوا شاحنة الدواء. المهم الصورة، واللايكات، وعدّاد الـ«ترِند»؛ أمّا المضمون فخليه «يذوب مع الزمن» زي شعار شركة تلج بالسبعينات.
 
إحنا نضحك؟ طبعًا نضحك! الضحك آخر ميناء ما عليه تعرفة جمركية ولا بتمسحه دورية الهجرة، وآخر سلاح ما بتصادره البوارج. لما بتصير السخرية خُبز الفقير و»سمك» الناشط، بصفّي ضحكنا هو اليخت الوحيد اللي مستحيل يغرق، والهتاف هو الشارع الوحيد اللي ممنوع ينسدّ.
 
فاركَب معنا هالضحكة العائمة، وخلي مَوج الكلام يشيل همّك. وإذا سألك أحد: «ليش ساخرين؟» قل له ببساطة: لأن الشياطين تكره الصوت العالي.