عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Dec-2025

هل من سبيل لنزع سلاح حزب الله؟

  الغد

مايكل يونغ* - (مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط) 25/11/2025
 
يؤيد عدد متزايد من المسيحيين تطبيق فكرة الفدرالية في لبنان، وإذا ما تحققت، فإنهم قد يصبحون أكثر مرونة لتطبيق اتفاق الطائف. لكن فهمهم للفدرالية تقريبي في أغلب الأحيان. عند الحديث عن الفدرالية، يبدو أن الكثير منهم يفكرون فعليًا في إحداث قطيعة مع الغالبية المسلمة في لبنان، وخاصة الطائفة الشيعية.
 
 
ثمة معادلة جديدة تشق طريقها رويدًا رويدًا، ولكن بثبات، في المشهد السياسي اللبناني. وهي معادلة لم تكن غير متوقعة وليست بالضرورة سيئة، ولكنها في سياق النظام السياسي اللبناني المتصلب دائمًا وأبدًا قد تفضي إلى مرحلة جديدة بالكامل من العقد الطائفي المضطرب في البلاد.
والمعادلة هي: في ظل تعثر جهود الدولة الرامية إلى نزع سلاح حزب الله، ولا سيما أن نزعه بالقوة ليس مطروحًا كخيار، ويجب ألا يكون مطروحًا، سوف يبرز نهج ثان يتمثل في تقديم تنازلات سياسية للطائفة الشيعية مقابل تسليم السلاح. ويفترض ألا يكون سلوك هذا المسار مثيرًا للقلق، إذ لطالما كان دمج حزب الله وبيئته في النظام الدستوري اللبناني موضع ترحيب من خصوم الحزب.
لكن مصطلح "تنازلات سياسية" قد يكون غير دقيق. لا بد من تقديم هذه التنازلات ضمن إطار اتفاق الطائف للعام 1989، الذي دعا مسؤولو الحزب، وكذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى تطبيقه تطبيقًا كاملًا. وليس هذا بالمطلب غير المعقول، فهو يعني، من جملة أمور أخرى، إلغاء الطائفية السياسية، وإنهاء المحاصصة الطائفية في مجلس النواب ومؤسسات الدولة. لكن الافتراض المبني على سوء الظن هو أن حزب الله أيد الفكرة لاعتقاده بأن تطبيقها سيلقى معارضة المسيحيين في لبنان، الذين سيكونون أكبر الخاسرين منها، ما سيجعل إحراز أي تقدم في نزع سلاح الحزب أمرًا مستبعدًا. ولكن هل هذا صحيح بالضرورة؟
يظهر أن عددًا متزايدًا من المسيحيين يؤيد فكرة الفدرالية في لبنان، وإذا ما تحققت، فإنهم قد يصبحون أكثر مرونة لتطبيق اتفاق الطائف. لكن فهمهم للفدرالية تقريبي في أغلب الأحيان. عند الحديث عن الفدرالية، يبدو أن الكثير منهم يفكرون فعليًا في إحداث قطيعة مع الغالبية المسلمة في لبنان، ولا سيما الطائفة الشيعية وحزب الله، إذ يعتبرون أن منظورهما لا يمكن أن يتوافق مع ما يفضله المسيحيون للبلاد. وحتى إذا ما افترضنا أن هذا التعميم له قيمة، فإن ما لا يقر به الكثير من أنصار الفدرالية هو أن هذا الترتيب لن يحل خلافات عدد كبير من المسيحيين مع مواطنيهم المسلمين على مدى العقود الأخيرة. ففي ظل نظام فدرالي، ستبقى صلاحيات الدولة الرئيسة في يد الحكومة المركزية، وعلى رأسها الشؤون الخارجية، والدفاع، والتجارة الخارجية، وهي المسائل نفسها التي ينقسم حولها اللبنانيون أكثر ما يكون.
مع ذلك، ما يزال المسيحيون ينظرون إلى الفدرالية على أنها طوق نجاة. وفي حين أن اتفاق الطائف لا يأتي على ذكر الفدرالية، فإنه يتيح مدخلًا قد يكون قريبًا منها، حيث كان أحد التنازلات التي قدمت للمسيحيين في الطائف إدخال اللامركزية الإدارية. ولما كان قد طُلب منهم التخلي عن صلاحيات الرئاسة المهمة، فقد مُنحوا في مقابل ذلك هامشًا أكبر لتولي شؤونهم الإدارية. لكن هذا التنازل اعتراه عيب كبير، وهو أن اللامركزية الإدارية من دون لامركزية مالية لا معنى لها. فإذا احتفظت الحكومة المركزية في نهاية المطاف بالسيطرة المالية على جميع الأنشطة الوطنية، تصبح الاستقلالية الإدارية مجرد وهم. وبالتالي، لا شيء اليوم سوى اللامركزيتين الإدارية والمالية اللتين يكون من شأنهما أن تقنعا المسيحيين بقبول التطبيق الكامل لاتفاق الطائف.
ولهذا السبب، إن لم يكن البلد على وشك تنفيذ صفقة كبرى بشأن سلاح حزب الله، فإنه قد يكون على مشارف رسم الملامح الممكنة لهذه الصفقة. وثمة بعض الأمور التي يجب الانتباه إليها في ضوء هذه المقايضة المحتملة. فما هي هذه الأمور؟
أولًا، حتى لو بدت هذه الصفقة الكبرى جيدة نظريًا، فإن من المستبعد جدًا أن تنجح إذا كانت آلية تنفيذها تقوم على نزع سلاح حزب الله، بينما يجري التفاوض في الوقت نفسه على تغييرات دستورية تلبي أبعاد الطائف كلها. سيكون على حزب الله تسليم سلاحه أولًا، لأن أي خطوة نحو تحقيق الإصلاح الدستوري لا يمكن أن تتم إذا كان أحد الأحزاب وجماعته مسلحين، بينما تكون بقية الأطراف غير مسلحة. وبذلك، إذا تم التوصل إلى اتفاق واسع يقضي بجعل سلاح حزب الله جزءًا من حزمة إصلاحات دستورية أكثر شمولًا، فيجب أن يكون نزع السلاح المسبق شرطًا أساسيًا.
ثانيًا، أحد العوامل الأساسية في هذه الصفقة الكبرى سيكون موافقة إيران. ثمة من يعتقد أن الإيرانيين لن يتخلوا أبدًا عن سلاح حزب الله، وهو ما قد ينطبق على المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، الذي يحدد مسار السياسات الإيرانية في مثل هذه القضايا. ولكن هل هذا الموقف غير قابل للتغيير؟ لقد تعطل ما يسمى بمحور المقاومة إلى حد كبير، فقد أصبحت حركة "حماس" اليوم عاجزة عن استخدام غزة كمنصة لمهاجمة إسرائيل، وتم خسران سورية، وأصبح حزب الله معزولًا تمامًا في لبنان، وهو يواجه الآن قرارًا حاسمًا من الحكومة بنزع سلاحه. وسيكون من غير المنطقي إعادة إحياء استراتيجية فاشلة، مع كل ما يترتب عليها من تكاليف، وقد يبدأ الإيرانيون في نهاية المطاف بالتفكير في خطة بديلة. وهكذا، يبدو أن ترسيخ قوة الطائفة الشيعية في الأحكام الدستورية اللبنانية أكثر فائدة من ترسيخها في سلاح حزب الله، الذي لم يجلب سوى دمار إسرائيلي هائل، وولد نقمة لدى الكثير من اللبنانيين ضد الحزب.
ثالثًا، قد يكون إبرام صفقة كبرى موضع ترحيب، إلا أن الواقع هو أن النظام الطائفي الدستوري أصبح معطلًا إلى درجة لا تسمح بوجود ضمانات على أن ما سينبثق عن عملية إعادة ضبط سياسي سيُنتج وضعًا أفضل مما هو قائم اليوم، بل على العكس، سيكون ذلك على الأرجح ترقيعًا رديئًا يبقي علل النظام على حالها. من غير المعقول، على سبيل المثال، أن يؤدي ذلك إلى تقويض السلطة العليا لزعماء الطوائف. وهذا أحد الأسباب التي تجعل من الأفضل للكثير من المسيحيين أن يفكروا مليًا في الشكل الذي يريدونه للنظام اللامركزي. فقد فرض تعدد زعماء الطوائف في لبنان اليوم على كل منهم ضرورة تقديم تنازلات بشكل متكرر، وهو ما يمكن أن يفضي إلى نتائج أفضل. لكن وجود نظام لامركزي حيث سلطة زعماء الطوائف في المناطق التي يهيمنون عليها لا يوازنها منافسون لهم هو أمر قد لا يؤدي سوى إلى ترسيخ دكتاتوريات طائفية مصغرة.
أليس من الأكثر منطقية إذن إعادة صياغة اتفاق الطائف بأكمله، بعد 35 عامًا تكشفت خلالها كل عيوبه؟ وهذا لا يعني التخلي عن الطائف، بل استخدامه كأساس لنظام دستوري مجدد بعد تسليم حزب الله سلاحه. ولكن، مهما حدث، يبدو أن الصلة حتمية بين تخلي الحزب عن سلاحه، وإجراء نقاش أوسع حول إصلاح الدستور، إذ لن يتحقق أحدهما من دون الآخر.
 
*مايكل يونغ: مدير تحرير في "مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط" في بيروت، ومحرر مدونة "ديوان" في كارنيغي المعنية بشؤون الشرق الأوسط. كان سابقاً كاتباً ومحرر صفحة الرأي في صحيفة "ذا دايلي ستار" اللبنانية، وينشر مقالاً أسبوعياً في كل من صحيفة "ذا ناشونال" الإماراتية، وفي الموقع الإلكتروني "ناو ليبانون". مؤلف كتاب "أشباح ساحة الشهداء: رواية شاهد عيان عن نضال لبنان من أجل البقاء" The Ghosts of Martyrs Square: An Eyewitness Account of Lebanon’s Life Struggle، الذي أدرجته صحيفة وول ستريت جورنال ضمن قائمة الكتب العشرة الأبرز للعام 2010. حاز الجائزة الفضية في مسابقة "جائزة الكتاب للعام 2010" التي نظمها "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى". تخرج في الجامعة الأميركية في بيروت، وأكمل دراساته العليا في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكينز.