عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Sep-2024

الولايات المتحدة والإطاحة بحسينة في بنغلاديش‏

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

إم. كيه. بهادراكومار* - (‏إنديان بانشلاين‏) 22/8/2024
أصبحت ‏الهند محاطة الآن من الغرب والشرق بنظامين غير صديقين يخضعان للنفوذ الأميركي.
 
 
لا بد أن يكون ال‏تقرير الحصري الذي نشرته صحيفة ‏"‏إيكونوميك تايمز"‏‏ في 11 آب (أغسطس)‏‏ وتضمن أول تصريحات للشيخة حسينة بعد الإطاحة بها من السلطة، قد جاء بمثابة صفعة على وجه الزعماء في الهند الذين يتحدثون ببلاغة عن التطورات في بلدها، بنغلاديش، باعتبارها لحظة ديمقراطية متميزة في السياسة الإقليمية.‏
‏قالت حسينة ‏للصحيفة:‏‏‏
‏"استقلت، حتى لا أضطر إلى رؤية موكب للجثث. لقد أرادوا الوصول إلى السلطة على جثث الطلاب، لكنني لم أسمح بحدوث ذلك، واستقلت من رئاسة الوزراء. كان بإمكاني البقاء في السلطة لو أنني كنت قبلت بالتنازل عن السيادة على جزيرة سانت مارتن وسمحت لأميركا بالسيطرة على خليج البنغال. أتوسل إلى شعب أرضي، أرجوكم لا تسمحوا بأن يتلاعب بكم المتطرفون".‏
‏ويشير تقرير الـ"إيكونوميك تايمز"، نقلاً عن مصادر من "رابطة عوامي"، إلى أن مرسال السوء في الثورة الملونة في بنغلاديش ليس سوى دونالد لو، مساعد وزير الخارجية الأميركية الحالي لشؤون جنوب ووسط آسيا، الذي كان قد زار دكا في أيار (مايو). ‏
هذا موثوق بما فيه الكفاية. وسوف يكشف فحص للخلفية الكامنة وراء سلسلة المناصب التي تقلدها لو عن القصة الحقيقية.
‏خدم هذا "الدبلوماسي" الصيني الأميركي كمسؤول سياسي في بيشاور (1992 إلى 1994)؛ ومساعداً خاصاً للسفير فرانك ويزنر (الذي تُعرف جيدًا صلات أفراد عائلته كعملاء للدولة العميقة) في دلهي (1996-1997)؛ وبعد ذلك، نائب رئيس البعثة الدبلوماسية في دلهي من 1997-2000 (حيث شملت حقيبته كشمير والعلاقات الهندية الباكستانية)، وارثًا الوظيفة، بشكل غريب بما فيه الكفاية، من روبن رافيل الذي ما تزال سمعته كبعبع للهند ماثلة في الذاكرة الحية -محلل وكالة المخابرات المركزية، والناشط في جماعات الضغط، و"الخبير" في الشؤون الباكستانية.
في الحقيقة، زار لو بنغلاديش في منتصف أيار (مايو) والتقى بكبار المسؤولين الحكوميين وقادة المجتمع المدني. وبعد وقت قصير من زيارته، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على قائد جيش بنغلاديش آنذاك، الجنرال عزيز أحمد، بسبب ما وصفته واشنطن بأنه تورطه في "فساد كبير". و‏‏بعد زيارته لدكا، ‏‏قال‏‏ لو لـ"صوت أميركا" بوضوح: ‏‏"تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في بنغلاديش يظل يشكل أولوية بالنسبة لنا. سوف نواصل دعم العمل الهام للمجتمع المدني والصحفيين والدعوة إلى تعزيز العمليات والمؤسسات الديمقراطية في بنغلاديش، كما نفعل في البلدان في جميع أنحاء العالم ...‏".
‏"لقد كنا (الولايات المتحدة) صريحين في إدانتنا للعنف الذي شاب الدورة الانتخابية (في كانون الثاني (يناير)) وحثثنا حكومة بنغلاديش على التحقيق بمصداقية في حوادث العنف ومحاسبة الجناة. سنواصل الانخراط في هذه القضايا...".‏
كما لعب لو دوراً نشطاً مماثلاً خلال مهمته السابقة في قيرغيزستان (2003-2006)، والذي أسفر عن ثورة ملونة. وتخصص لو في تدبير وتأجيج الثورات الملونة التي أدت إلى تغيير الأنظمة في كل من ألبانيا، وجورجيا، وأذربيجان، وقيرغيزستان، وباكستان (بالإطاحة بعمران خان).
‏لم يكن الكشف الذي أعلنته الشيخة حسينة مفاجئًا للمخابرات الهندية. في الفترة التي سبقت الانتخابات في بنغلاديش في كانون الثاني (يناير)، زعمت وزارة الخارجية الروسية علنًا أن الدبلوماسية الأميركية كانت تغير مسارها وتخطط لسلسلة من الأحداث بهدف زعزعة استقرار الوضع في بنغلاديش في سيناريو ما بعد الانتخابات. ‏
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية في ‏‏بيان في موسكو‏‏: ‏
‏"في 12-13 كانون الأول (ديسمبر)، في عدد من مناطق بنغلاديش، قام معارضو الحكومة الحالية بإغلاق حركة المرور على الطرق، وأحرقوا الحافلات، واشتبكوا مع الشرطة. إننا نرى صلة مباشرة بين هذه الأحداث والنشاط التحريضي للبعثات الدبلوماسية الغربية في دكا؛ وعلى وجه الخصوص، السفير الأميركي بي هاس، وهو ما ناقشناه بالفعل في إحاطة 22 تشرين الثاني (نوفمبر)".‏
‏"هناك أسباب جدية للخشية من أنه قد يتم في الأسابيع المقبلة استخدام ترسانة أوسع من أدوات الضغط، بما في ذلك العقوبات، ضد حكومة بنغلاديش، التي هي غير مرغوب فيها بالنسبة للغرب. قد تتعرض الصناعات الرئيسية للهجوم، وكذلك عدد من المسؤولين الذين سيتم اتهامهم من دون دليل بعرقلة الإرادة الديمقراطية للمواطنين في الانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة في 7 كانون الثاني (يناير) 2024".‏
‏"لسوء الحظ، هناك فرصة ضئيلة لأن تعود واشنطن إلى رشدها وتمتنع عن الانخراط في تدخل صارخ آخر في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة. ومع ذلك، نحن واثقون من أنه على الرغم من كل مكائد القوى الخارجية، فإن مسألة السلطة في بنغلاديش سيقررها في نهاية المطاف شعب هذا البلد الصديق، وليس أي أحد آخر". ‏
مع ذلك، اتخذت موسكو وبكين موقفاً صحيحاً تماماً بعدم التدخل. وفي التزام بالبراغماتية الروسية، أشار سفير موسكو لدى بنغلاديش، ألكسندر مانتيتسكي، إلى أن بلاده "ستتعاون مع أي زعيم وحكومة ينتخبها شعب بنغلاديش تكون مستعدة لحوار متساو ومحترم بشكل متبادل مع روسيا".‏
‏وهكذا، يجب أن تكون روسيا والصين قلقتين بشأن نوايا الولايات المتحدة. كما لا يمكن سوى أن تكونا متشككتين إزاء شكل الأشياء القادمة، بالنظر إلى السجل السيئ للأنظمة العميلة للولايات المتحدة التي قفزت إلى السلطة من خلال الثورات الملونة. ‏
‏على النقيض من روسيا التي لديها مصالح اقتصادية في بنغلاديش والتي هي صاحبة مصلحة في نشوء نظام عالمي متعدد الأقطاب، سوف تتأثر المصالح الأمنية للصين والهند بشكل مباشر إذا فشل النظام الجديد في دكا في تحقيق أهدافه وانزلقت البلاد إلى أزمة اقتصادية وانعدام للقانون لتصبح دولة فاشلة.
‏وبذلك، فإن تقدير ما إذا كان تغيير النظام في دكا الذي دبرته واشنطن "يتمحور حول الهند" أم لا يظل نقطة خلافية. ويكمن جوهر المسألة في أن الهند اليوم أصبحت محاطة من الغرب والشرق بنظامين غير صديقين يخضعان لنفوذ الولايات المتحدة. ‏
يحدث هذا في منعطف تكثر فيه الدلائل على أن السياسات الخارجية المستقلة للحكومة والالتزام العنيد بالاستقلال الاستراتيجي قد أزعج استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.‏
‏المفارقة في كل هذا هي أن الثورة الملونة في بنغلاديش بدأت في غضون أسبوع من اجتماع اللجنة الرباعية على المستوى الوزاري في طوكيو، والذي كان، بالمناسبة، مبادرة أميركية تم ترتيبها على عجل أيضًا. ربما كانت المؤسسة الهندية قد خُدعت إلى شعور بالاطمئنان والرضا عن الذات؟
‏في 8 آب (أغسطس)، تواصل وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، مع وزير الشؤون الخارجية الهندي، س. جايشانكار، بمكالمة هاتفية بالتزامن مع تعيين الحكومة المؤقتة في دكا التي رحبت بها المملكة المتحدة، ‏‏بينما حثت أيضًا‏‏ على "اتخاذ طريق سلمي إلى مستقبل ‏‏ديمقراطي شامل‏‏" لبنغلاديش -بقدر ما يستحق شعب ذلك البلد حق "المساءلة".‏
ما تزال الهند تلتزم الصمت. والطريقة الوحيدة التي يمكن لبنغلاديش من خلالها إيجاد مخرج من الحفرة التي وقعت فيها هي من خلال عملية ديمقراطية شاملة للمضي قدمًا. ‏
‏لكن تعيين محام تلقى تعليمه في الولايات المتحدة رئيسًا جديدًا للمحكمة العليا في دكا، في ما يبدو ظاهرياً أنه جاء بناء على توصية الطلاب، هو علامة أخرى مشؤومة على تشديد واشنطن قبضتها على البلد. ‏
‏على هذه الخلفية الجيوسياسية، يوفر تقرير صدر مؤخرًا في صحيفة ‏‏"غلوبال‏‏ تايمز" الصينية ‏‏اليومية بعنوان "‏‏العلاقات الصينية الهندية تهدأ، وتستكشف حقائق جديدة‏‏"‏‏، بعض الحوافز للتفكير. ‏
تحدث التعليق عن ضرورة أن تقوم الهند والصين "بإنشاء نوع جديد من العلاقات يعكس وضعهما كقوى كبرى... يجب على كلا البلدين الترحيب بوجود بعضهما بعضا في المناطق المجاورة لهما ودعمه". ‏
‏وإلا، كما أكد التعليق، "سيكون من الصعب تحسين البيئة الدبلوماسية المحيطة لكلا البلدين".
‏ويشهد تغيير النظام في بنغلاديش على هذا الواقع الجديد.
خلاصة القول هي أنه بينما اقتنع الهنود، من ناحية، بالرواية الأميركية عن كونهم "ثقلاً موازنًا للصين"، بدأت الولايات المتحدة، في الواقع، في استغلال التوترات بين الهند والصين لإبقائهما منفصلتين بهدف تعزيز أجندتها الجيوسياسية الخاصة للهيمنة الإقليمية.
‏يجب على دلهي أن تلقي نظرة وتجري مراجعة عامة استراتيجية لتقرير أين تكمن مصالحها في هذا التحول في النموذج، حيث يتم استبدال الطريقة المعتادة للتفكير أو فعل شيء ما في جوارنا بتجربة جديدة ومختلفة فرضتها واشنطن من جانب واحد. ‏
ربما يكون ما فشلنا في فهمه هو أن بذور النموذج الجديد كانت موجودة بالفعل داخل النموذج القائم.
 
‏*م. ك. بهادراكومار M. K. Bhadrakumar: دبلوماسي سابق. كان سفيرا للهند في أوزبكستان وتركيا. 
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The US & Hasina’s Ouster in Bangladesh