عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Aug-2025

إيران النووية*محمد صابرين

 الدستور

يعاني العالم من مخاوف تتعلق بخطوة إيران القادمة، وهل تمتلك السلاح النووي، وتعلن ذلك أم تختار الغموض الاستراتيجي. وتترك طهران الجميع في حالة ارتباك، وتطلب ضمانات وشروط قبل توضيح «ما الذي سيحدث في مفاوضات الملف النووي؟».
 
وفي الوقت الحالي تحبس المنطقة أنفاسها خاصة في ظل تهديد إسرائيل بجولة جديدة من الحرب ضد طهران، وتحول لهجة ترامب من الرهان فقط على الحلول التفاوضية، وعودته للتلويح بقصف إيران ثانية ما لم تتجاوب مع شروط واشنطن، وتصاعد التوترات بين إيران والدول الأوروبية، وعدم توصلهما لتفاهمات، وهو ما قد يُنذر بإمكانية تفعيل «آلية الزناد» في حال لم يتم التوصل لاتفاق بين إيران وأميركا.
 
وفي المقابل تتمسك طهران بحقها في تخصيب اليورانيوم، وإدانة الاعتداءات الإسرائيلية والأمريكية ضدها، والحصول على ضمانات بعدم تكرار هذه الاعتداءات ثانية. ووسط هذا كله تبحث إيران غير الرسمية بصوت مسموع خيارات طهران المتنوعة من الضغط غير المباشر على مصالح الغرب، وحلفائه عبر قطاعات الطاقة والشحن، وربما عبر حلفائها الإقليميين، لإرسال رسائل استراتيجية، وصولا الى خيار امتلاك السلاح النووي. ولقد شهدنا مؤخرا عودة نشطة لإيران في لبنان والعراق، وتوقيع اتفاقية أمنية مع بغداد.
 
وتتحرك إيران الرسمية على عدة مسارات، أهمها التنسيق مع حلفائها في روسيا والصين والعراق ولبنان،وذلك بزيارات علي لاريجاني رئيس مجلس الأمن القومي الجديد ومستشار المرشد الأعلى موسكو وبغداد وبيروت،وزيارة وزير الدفاع الايراني لموسكو، والاجتماع مع الرئيس الروسي بوتين.
 
 وفي الوقت نفسه لاتغلق طهران باب المفاوضات مع أوروبا. بل تفتح ايران في لحظة التصعيد بابا مواربا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لسماحها باللقاء مع نائب مدير عام الوكالة، وعدم السماح بزيارة مفتشي الوكالة للمنشآت النووية التي قصفت.
 
ومن ناحية أخرى تخوض طهران معركة اعلامية قوية، ويحرص الرئيس بزشكيان على التأكيد أن بلاده مستعدة لأي تحرك عسكري إسرائيلي، وأن ادعاء القضاء على برنامج طهران النووي مجرد وهم. ويهدد بزشكيان بأن القوات الإيرانية جاهزة لضرب عمق إسرائيل من جديد، ورغم إن إسرائيل وجّهت لبلاده ضربات قوية، ولكن إيران ضربت عمقها بقوة، مؤكدا أن تل أبيب تتكتم على خسائرها.
 
 وفي الوقت نفسه يعود ليؤكد أن بلاده لا تريد الحرب، ولا تعتقد أن وقف إطلاق النار نهائي، وأكد أن إيران لم ولن تستسلم، موضحا أنها تؤمن بالدبلوماسية والحوار.
 
وفي المقابل تجري إيران غير الرسمية حوارات حول خيارات طهران لمواجهة أخطر أزمة تواجه البلاد. وفي مقال له في صحيفة «اسكناس» الاقتصادية، اعتبر الخبير في الشؤون الدولية محمد بيات، أن «آلية الزناد» تهدف إلى إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن الدولي على إيران، ورأى بيات أن هذه التطورات تُجبر إيران على التفكير في «لعبة عالية المخاطر» في «المنطقة الرمادية»، تشمل الضغط غير المباشر على مصالح الغرب وحلفائه عبر قطاعات الطاقة والشحن، وربما عبر حلفائها الإقليميين، لإرسال رسائل استراتيجية.
 
وأضاف الكاتب أنه على الرغم من أن العقوبات الأميركية، والهجمات الإسرائيلية قلّلت من جدوى «آلية الزناد»، إلا أن التهديد بإعادة فرض عقوبات أممية لا يزال يُمثّل مصدر قلق لطهران، خاصة مع احتمالية خلق إجماع دولي ضدها، وإدراج تلك المقررات مجددًا تحت الفصل السابع..
 
ومن ناحية أخرى أشار المحلل السياسي حسن بهشتي بور إلى الجدل حول امتلاك إيران للأسلحة النووية، حيث رأى بعض المؤيدين أن ذلك قد يعزز أمنها القومي، ويقلل من احتمالية تعرضها لهجوم عسكري، مستشهدين بتجارب مثل كوريا الشمالية والهند وباكستان، التي استخدمت الردع النووي لتعزيز وضعها الاستراتيجي.
 
وفي افتتاحية صحيفة «آرمان امروز» الإصلاحية، أشار الكاتب إلى أن البعض يرى أن امتلاك السلاح النووي قد يقوّي موقف إيران التفاوضي ويفرض نوعًا من «السلام المسلح» في المنطقة، عبر خلق توازن ردع مع إسرائيل.
 
 لكنه أشار أيضًا إلى موقف معارضي الخطوة، الذين يرون أن هذه الخطوة قد تستفز الولايات المتحدة وإسرائيل ودولًا أوروبية، ما قد يؤدي إلى عمل عسكري ضد إيران، إضافة لاحتمالية تشديد العقوبات الاقتصادية على طهران، مع عزلة دبلوماسية أعمق.
 
 كما حذر الكاتب من احتمال أن يؤدي امتلاك إيران لسلاح نووي إلى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، مع سعي دول مثل تركيا والسعودية ومصر إلى امتلاك أسلحة مماثلة، ما قد يُهدد الاستقرار الإقليمي.
 
 ويأتي ذلك في ظل تأكيد ثيودور بوستول، الخبير في الأسلحة النووية وأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا،. أنّ إيران أصبحت بحكم الواقع دولة نووية غير معلنة، قادرة على إنتاج ما يصل إلى عشر قنابل من مخزونها البالغ 400 كغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%. ويشرح بأسلوب تقني مبسّط أنّ الخطوات النهائية للتخصيب نحو المستوى العسكري أسهل بكثير، ولا تتطلب تجارب نووية لاختبار فعالية السلاح. وينتقد بوستول بشدة القيادة السياسية والعسكرية الأمريكية، بما في ذلك أعضاء في الكونغرس ورئيس هيئة الأركان، بسبب تجاهل التحذيرات الاستخباراتية وتكرار أخطاء التدخل في الشرق الأوسط، من سوريا إلى إيران.
 
ويقول العالم الأمريكي لو كنت مستشارا للإيرانيين لقلت لهم «احصلوا على السلاح النووي ولا تعلنوا عنه. كونوا مستعدين دائمًا، فخصومكم سيهاجمونكم عاجلًا أو آجلًا، ولن يتوقفوا حتى تصبح إيران مثل ليبيا أو سوريا أو العراق.» وهذا ليس لأني أرغب برؤيتهم نوويين، بل لأنه المنطق السياسي الواقعي.
 
ويبقى أن المزاج العام في المنطقة وبين أطراف الصراع،بل ولدي الأطراف المتوسطة في الأزمة، ليست في عجلة من أمرها للذهاب للحرب مرة أخرى. والأرجح أننا سوف نشهد «حروب ظل ضروسا»، وحركات مكثفة في المناطق الرمادية، وسوف تترك الأطراف أشياء للحفاظ أو الحصول على أشياء أخرى. وأهم ما يريده الجميع فرصة لالتقاط الأنفاس، وترميم ما تهدم، وسد الثغرات. وأغلب الظن أن ثمة رهان على المفاوضات للوصول لحل. وهذا هو الرهان حاليا رغم تعالي لغة التهديد، والتهديد المضاد، ولعبة عض الأصابع بين أطراف الأزمة، التي نشهدها الآن.