عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Dec-2023

الأدب الذي لا يؤّرخ لإنسانيتنا وكفاحنا هو حطام ولا يمكن أن يُكتب له الخلود

 الدستور-نضال برقان

تذهب الأديبة الأردنيّة أ. د. سناء الشّعلان إلى أن «الأدب الذي لا يؤّرخ لإنسانيتنا ووجودنا وصراعنا وكفاحنا هو حطام ترفيه بغيظ، لا يمكن أن يُكتب له الخلود...». وتؤكد أن «الملاحم الإبداعيّة التي حفظها السّجل الإنسانيّ عبر العصور كانتْ تجارب الإنسان والجماعة ونضالهم لأجل الأرض والحقّ والحريّة والشّرف والإباء».
الشّعلان نفسها أستاذة الأدب الحديث ونقده في الجامعة الأردنيّة، والرّئيس الفخري لمنظّمة السّلام والصّداقة الدّوليّة، منظّمة السّلام والصّداقة الدّوليّة، الدّنمارك والسّويد، والحاصلة على جائزة فلسطين العالميّة للآداب للعام 2022 عن مجموعتها القصصيّة (تقاسيم الفلسطينيّ)، ومؤلّفة (حدث ذات جدار) والكثير من الأعمال الإبداعيّة والنّقديّة عن القضيّة الفلسطينيّة.
في الحوار الآتي نضيء على جوانب من تجربة الأديبة الشعلان من أدب المقاومة، ومفهومها لهذا الأدب...
 
 يعيدني الرّاهن العربيّ إلى طبيعة العلاقة بين المثقّف والحدث الرّاهن والمعيش، ترى لماذا لا نسمع صوتاً (قويّاً) للمثقّف العربيّ في اللّحظات الحرجة والمفصليّة من تاريخ الأمّة، مثل: اللّحظة الرّاهنة التي نعيش الآن؟
- الموقف ليس جديداً أو غريباً لا على المشهد العربيّ ولا على الإنسانيّ؛ فمراجعة صغيرة وسريعة للتّاريخ البعيد والحديث والمعاصر تكشف لك مقدار صمت أهل العلم والثّقافة والرّيادة والدّين والمال في مواجهة الأعداء والمحتلّين، بل الكثير منهم زاد العار عارين، وكان في صفّ العدوّ، ووقف إلى صفّه، ودعمه، وتبرّع له، وصفّق له، وأفتى له، وأقلّ الخائنين الخانعين كان صامتاً، يلوذ إلى جحره، ولا نسمع له صوتاً، في حين خلى الميدان لأبي حميدان كما يُقال في الأمثال الشّعبيّة؛ فما فيه إلّا ظلم المحتلّ المعتدي، وحجل الخونة الرّاقصين أمام أسيادهم المحتلّين وصولات الأسود المجاهدين والمناضلين في كلّ مكان وزمان الذين شبّوا على الطّوق منذ كانوا رُضّعاً، وثاروا لأنفسهم وأوطانهم ودينهم وربّهم.
لو حاولنا أن نحصي الآن الأصوات المثّقفة والعالمة وذات الاعتباريّة الدّينيّة والأكاديميّة والإبداعيّة والمثّقفة والأدبيّة والشّعبيّة في الصّف العربيّ من البحر إلى البحر لهالنا مقدار الصّمت العربيّ، وهو أمر غير غريب بين طوابير من الصّمت الذي توزّع تحت خيانة مع السّبق والإصرار، أو صمت جبريّ تحت نير أنظمة متصهينة تفتك بكلّ مَنْ يقول كلمة حقّ، وتلقي بالعلماء والأحرار طعاماً للتّعذيب والقتل والنّسيان في غياهب السّجون، وبين متوجّسين رعاديد يخشون أن ينطقوا بكلمة حقّ قبل أن تُحسم المعركة، ويحدّد المنتصر والخاسر فيها، فضلاً عن المتكسّبين والذّليلين الذين يتلقّطون لقمهم الدّسمة من موائد أسيادهم من المتصهينين العرب والأجانب، فضلاً عن العملاء بشكل مباشر أو غير مباشر. وسائل الإعلام العربيّة والمناسبات والاحتفالات والمؤتمرات واللقاءات تعجّ دائماً بالأفواه المتشدّقة في كلّ مناسبة مّمن صدّعونا برؤية سحنهم الكابية وسماع كلامهم المجتر، لكن فجأة نرى أصواتهم تبخّرتْ إلّا القلّة من الأصوات الشّريفة، في حين اختفى جميعهم من السّاحة خلا مَنْ يملكون الوافر من الوقاحة الخسيسة ليخرجوا علينا بملابس الفرح، ويتحدّثّوا في توافه الأمور، ويتجاهلون عن سبق إصرار وترصّد المجازر المتوحشّة التي يقوم بها العدوّ الصّهيونيّ في حقّ أهل غزّة العُزّل، ويتغنّون بالعدوّ الصهيونيّ، ويحاولون أن يهربوا إلى خارج التّاريخ الذي يسجّله الآن مجاهدو غزّة بكلّ بطولة وإصرار وصمود عزّ نظيره في تاريخ البشريّة قاطبة.
أين هي الأصوات العربيّة المثقّفة المكلّلة بالعار التي تصمت الآن، ولا تجأر بكلّ ما فيها دعماً لنضال غزّة وصمودها، ولا تتوشّح فخراً بجهاد حماس ومَنْ والاها؟
 
 ترى هل تناول المثقّفين للأحداث الكبرى واللّحظات المصيريّة في تاريخ الأمّة من شأنه أن ينعكس بشكل إيجابيّ أم سلبيّ على المنتج الإبداعيّ، ولماذا؟
- الأدب الذي لا يؤّرخ لإنسانيتنا ووجودنا وصراعنا وكفاحنا هو حطام ترفيه بغيظ، لا يمكن أن يُكتب له الخلود، وسرعان ما يموت دون بواكٍ له، أمّا الإبداع الذي يسجّل الصّراع الإنسانيّ لأجل الأوطان والمبادئ والأرض ونصرة الإنسان والحقّ والفضيلة فهو السّفر الأعظم للإبداع؛ فالملاحم الإبداعيّة التي حفظها السّجل الإنسانيّ عبر العصور كانتْ تجارب الإنسان والجماعة ونضالهم لأجل الأرض والحقّ والحريّة والشّرف والإباء، وهي حوامل الجمال والمثاليّة وسّر البقاء.
إنّ استعراض عيون الأدب الموروث والحديث والمعاصر، وتمحيص ملاحم البشريّة ومنجزاتها الإبداعيّة في شتّى الفنون تبرز لنا جماليّة خالدة مهمّة، وهي جماليّة النّضال والحريّة والبقاء، حتى أنّنا نحمل صور وكلمات ومواقف أبطال هذه الأعمال، ونتغنّى بها، كما نتأسّى بأبطال الحرّية في كلّ صقع من أصقاع الوجود، والآن الجهاد الفلسطينيّ في غزّة يسّطر لنا لحظة تلو لحظة أعظم صور النّضال والبطولة والجهاد، ليس فقط الثّائر المجاهد الحمساويّ هو مَنْ يسطّر سطور هذه الملحمة، بل الطّفل والمرأة والعجوز والأرض والشّجر والتراب والمطر في غزّة جميعها تصرخ معاً دون توّقف: الله أكبر، النّصر قادم.
 
 هل عندكِ نصيحة توجهينها في هذا الحدث الجلل للأمّة إلى مبدعيها وكتّابها ومثقّفيها؟
- لا أحب النّصائح كثيراً؛ «لأنّ المراجل لا تحتاج تذكيراً» كما يقول المثل العربيّ الشّهير، لكنّني أحبّ أن ألفتَ نظر أشراف الأمّة القلّة القليلة القابضة على جمر الكلمة إلى أنّ الجهاد متاح أمامهم حتى إنْ حرموا من الوصول إلى أرض المعركة، كما أنّ أقلامهم سيوف جوارح سوف يسألون عنها من العلي القدير في يوم الحساب؛ لذلك أتمنّى عليهم جميعاً أن يشرعوا في كتابة أعمالهم الإبداعيّة على شتّى الأشكال الأدبيّة والإعلاميّة والتأريخيّة والتّسجيليّة والإعلاميّة من رواية ومسرح وقصّة قصيرة وسيرة ويوميّات وأدب أطفال ومقالات وخواطر ولوحات وفيديو وأفلام كرتون وأغانٍ وأفلام وبرامج الكترونيّة، وكلّ ما هو متاح لتأريخ هذه البطولة العظيمة في غزّة، وتوثيقها كي لا تضيع بالتّقادم، أو تزوّرها آلة الإعلام الصّهيونيّة أو المتصهينة، في سبيل تسجيل هذا الإرث النّضاليّ المشرّف، وحفظه لنقله إلى الأجيال المقبلة ليكون تاجاً على الرؤّوس المشرئّبة نحو الفخار والعلياء والنّصر، آن للأجيال الحاضرة والمقبلة من الأحرار في كلّ مكان أن يحفظوا ترنيمة الأرض الفلسطينيّة، وهي تعلو بأنشودة النّصر المقدّسة.
 
 هل تؤمنين بجدوى أدب المقاومة؟ وهل الكتابة الآن لصالح النّضال الفلسطينيّ في غزّة هي أدب مقاومة؟
- لو لم يكن أدب المقاومة أدباً مجدياً يضطلع بدور عظيم ما كنّا منذ طفولتنا نتغنّى بقصيدة «هو بالباب واقفُ والرًّدى منه خائفُ»، وما رفعنا عقائرنا بـأغنية «زهرة المدائن»، وما حفظنا أسماء شهداء فلسطين، وما زيّنا جدران بيوتنا وقلوبنا بلوحات عبد الرّحمن المزّين» لنساء فلسطين ورجالها المناضلين، وما وضعنا الكوفيات الفلسطينيّة على أكتافنا، وما زرعنا الزّيتون في أراضينا، وما رقصنا الدّبكة في ساحات الوغى، وما زغردت الأمّهات لأبنائهنّ الشّهداء، وما رسمنا اسم فلسطين على الجدران.
الأدب رسالة الإنسان إلى الإنسان، كما هي الكتب السّماويّة رسالة الله عزّ وجلّ إلى الإنسان، كذلك فالأدب هو سِفْر من أسفار الخلود التي يسجّل فيها الإنسان عمله للأجيال القادمة، كما هو عمل للمبدع المخلص لقضيّته ودينه وإنسانيّته يقدّمه بيديه إلى خالقه العظيم في يوم الحساب الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون.
الإبداع المقاوم مهمّ، وهو فخر لكلّ الأمم التي تفخر بنضالها وبمناضليها الذين ناضلوا بالسّلاح والكلمة والبناء والصّمود، كما هو تأريخ للملاحم المقدّسة التي خاضها الإنسان في سبيل وجوده وحفاظه على حقّه ونسله وشرفه وأرضه وكرامته وحياته.
الحقيقة أنّ الأدب المقاوم في هذه اللّحظات المصيريّة من لحظات الأمّة الفاصلة هو جهاد بالكلمة بكلّ ما في ذلك من معنى، وهو منزلة ثانية في الجهاد بعد الجهاد الأعظم، وهو جهاد السّلاح وبذل الرّوح الذي يقوم به المجاهدون الأبرار في غزّة وفلسطين ومَنْ دعمهم ووالاهم.
 
 هل يجب أن يكون هناك نصيب للطّفل العربيّ من هذا الأدب المقاوم؟
- بكلّ تأكيد، بل يجب أن يكون هو الهدف الأوّل بعد هدفي الحرب الإعلاميّة للتّأثير على الرّأي العامّ، وتوثيق هذه الملحمة التّاريخيّة النّضاليّة المشّرفة كما حدثتْ في الواقع دون أن تتلاعب بها أيدي التّحريف والتّدليس من الأعداء الصّهاينة والمتعاونين معهم، ثم يأتي مباشرة هدف تربية الجيل الجديد من النّاشئة العربيّة والمسلمة في شتّى أصقاع الدّنيا على معاني التّضحية والجهاد والإباء والعزّة والبطولة والقّوة والرّدع المسلّح، بعد أن يشبّعوا بقيم أبطال الجهاد في غزّة من مجاهدين وشعب صامد ابتداءً من الفدائيّ الشّجاع مروراً بالعجائز والأطفال والنّساء والرّجال والمستضعفين وكلّ فئة من فئات الشّعب الصّامد في غزة وفلسطين، ليحلّ هذا النّموذج المشرّف في وجدان أبنائنا والجيل المقبل، فيتشبّعوا به، ويطرحوا عنهم النّماذج السّاقطة التي تحاول الكثير من الجهات تسميمهم بها كي تفشل مشروع تربيتهم، وتحيّدهم عن القدوات العليا في الجهاد والبناء والخير من أبناء جلدتهم؛ فيخيب الرّجاء منهم، ويضّلوا الخطوات في درب الحياة والآخرة.
يجب أن يصبح المجاهدون في غزّة وفلسطين هم أبطال أطفالنا وناشئتنا، وعليهم أن يتعلّموا منهم، وأن يصبح القرآن معلّمهم الأكبر، وأن تمتلئ أرواحهم بكلام الله عزّ وجلّ، وأن يؤمنوا بحقّهم في الحريّة والكرامة على أرض وطنهم، وأن لا ينساقوا خلف مَنْ يضّللهم، وأن يهتفوا جميعاً: بالحريّة لكلّ شبر من فلسطين وكلّ أرض عربيّة أو إسلاميّة محتلّة، وأن يصرخوا بالموت للعدوّ الصّهيونيّ ومن والاهم من الخونة والدّاعمين والمتآمرين والصّهاينة، كما يعلم الصّهاينة أولادهم كلّ معاني الكره والحقد للفلسطينيين الأحرار والعرب والمسلمين في فلسطين وخارجها.
يجب أن يصدح أبناؤنا جميعاً بما يصدح به أبو عبيدة عندما يقول: «هو جهاد؛ إمّا نصر وإمّا شهادة»، في إزاء ما يصدح به أطفال الصّهاينة الذي خرجوا يغنّون على الملأ وعبر قنوات التّلفزة الصّهيونيّة بكلّ وقحة مهدّدين بإبادة غزّة عن بكرة أبيها: «سنبيدهم جميعاً في غزّة ونعوج آمنين، طائراتنا تمزّق أشلاء وإرباً وجيشنا يعبر الحدود، لن نبقي شيئاً، خلال عام سنبيدهم جميعاً، ونعود بعدها لحراثة وزراعة حقولنا».
 
 هل د. سناء الشّعلان في صدد مشروع إبداعيّ جديد يؤّرخ لهذه الملحمة التّاريخيّة التي تعيشها غزّة الآن؟
- بكلّ تأكيد، على الرّغم من المصاب الجلل في خضمّ هذه الحرب المتوحّشة التي تُشن من الكيان الصّهيونيّ المتعفّن ومن حلفائه على غزّة الأبيّة لإبادتها، إلّا أنّني مصمّمة على أنّ القلم المبدع العربيّ النّزيه عليه أن يقوم بدوره في التّدوين والكتابة وتأليب الرّأي العامّ ضدّ العدوّ الصّهيونيّ، وفضح تزويره وأكاذيبه، وإنصاف صورة شعبنا المناضل الذي يعيش ملحمة نضاليّة مستحيلة لا مثيل لها في تاريخ الإنسانيّة قاطبة في الصّمود والجهاد والصّبر على حرب إبادة متوحّشة بالأشكال والمفاهيم جميعها، وهذا أقلّ ما نقدّمه من دعم لأخوتنا المجاهدين الأبرار في غزّة من حماس وشعب وفصائل وأفراد مساندين لهم في غزّة وخارجها، على الرّغم من إيماني العميق بأنّ الوقت الآن هو وقت السّلاح لا الكلمات، لكن الكلمات أفضل من الصّمت؛ فأنا أؤمن بعمقٍ برائعةِ أبي تمّام التي مطلعها: «السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ/ في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ/ بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في/ مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ».
 
 برأيك، هل تعتقدين أنّ العدوان الغاشم الذي يقوم به الاحتلال الصّهيونيّ في غزة قد شكّل نقطة تحوّل في مشهديّة الثّقافة والإبداع العربيّ؟
- بكلّ تأكيد، بل غيّر وجه التّاريخ المعاصر كلّه، وقد يغيّر خرائطه للأبد؛ وأنا أصمّم على أستخدم صفة (الفاضحة) لهذه المشهديّة؛ إذ إنّ صمود غزّة وجهاد حماس قد فضح الوجوه والمواقف كلّها؛ فما عاد هناك أقنعة؛ فهي جميعاً قد سقطتْ، وما عاد هناك منطقة رماديّة أو محادية في المشهد؛ فالجميع قد تعرّوا، وما عاد هناك مواقف مخفيّة، كذلك ما عادتْ هناك أقلام محيّرة الاتّجاهات؛ فجميع الأقلام وُضعتْ تحت المجهر بشكل جبريّ، والمواقف جميعها أصبحتْ معلنة جبراً، وما عاد لأحد أن يتمترس خلف الصّمت أو الاختفاء، ومَنْ لم يكن له أيّ نصيب في الدّفاع عن إخواننا في غزّة والوقوف إلى جانبهم ولو بالكلمة، فهو قد رمى نفسه بعار الخيانة وذلّ الصّمت وعدم الرّفض؛ العالم الآن صّفان فقط لا ثالث لهما: مع غزّة والجهاد وحماس، أو مع الصّهيونيّة والتّوحّش والاحتلال والظّلم وإبادة الشّعب الفلسطينيّ عن بكرة أبيه، واحتلال أرضه على مرأى العالم وصمته.