عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Oct-2019

زرعوا ألغام التفجير وغادروا - كمال زكارنة
 
الدستور- كما هي عادتها تبذر الادارة الامريكية الغام التفجير في مناطق عديدة من العالم ،وتنشيء حقول الانفاجارات والصراعات والصدامات الاهلية والبينية، ثم تغادر منسحبة بهدوء دون خسائر تذكر وتدع الاخرين يغرقون بالدماء ،وفي معظم الاحيان لا يوجد شيء يتقاتلون عليه ولا هدف وغالبا لا يعلمون لماذا يقتتلون ،وقد تخلق لهم اسبابا لتفجير الصراعات على قضايا عاشوها وتعايشوا معها قرونا من الزمن دون خلافات او اختلافات .
ما حدث في الشمال السوري والمبررات التي ساقها الرئيس الامريكي للانسحاب المفاجئ للقوات الامريكية من هناك ،يستحق وقفة تأمل ومراجعة سريعة ،فالكل يعلم ويدرك ان الولايات المتحدة الامريكية هي التي انشأت وأسست قوات سوريا الديمقراطية «الاكراد»  وقامت بتدريبها  وتسليحها وتوفير الحماية اللازمة لها ،ودفعت بها لمقاتلة تنظيمات اسلامية متشددة في مناطق الحدود السورية التركية ،ووفرت لها الدعم والاسناد الجوي واللوجستي ومكنتها من الانتصار على بعض تلك التنظيمات ،وفي ليلة ما فيها ضو قمر كما يقال ، انسحبت القوات الامريكية من المنطقة التي تسيطر عليها قوات «قسد» بالاتفاق مع الاتراك قائلة لهم «احموا حالكم «،وفي التبريرات التي ساقها ترامب عن اسباب هذا الانسحاب يقول ان الاكراد لم يحاربوا مع امريكا في الحرب العالمية الثانية ،انه تبرير مضحك ومثير في نفس الوقت ،مضحك لانه يربط الانسحاب بسبب عفى عليه الزمن وتبدلت فيه السياسات وتغيرت المواقف والخرائط والتحالفات وما الى ذلك ،ومثير لانه يعبر عن الثأر والروح الانتقامية التي يتحدث بها الرئيس الامريكي ،وفي ذلك اعتراف واضح بأن انشاء قوات «قسد» كان الهدف منه الانتقام الامريكي من الاكراد بأيد غير امريكية ،من خلال توريط الاكراد في حرب شاملة مع تركيا ،وتعريضهم لمخاطر حقيقية وخسائر غير متوقعة ،كما ان الخطة الامريكية من الانسحاب لها اهداف اخرى وهي خلط الاوراق من جديد في الاراضي السورية ،ومحاولة اشعال صدام عسكري بين النظام السوري وحلفائه من جهة ،وتركيا والفصائل المعارضة المؤيدة لها من جهة اخرى ،وتمزيق الفصائل المعارضة الى عدة محاور وتهيئة الظروف لبروز وانتاج فصائل جديدة وايقاظ اخرى كانت نائمة ،وبالتالي خلق حالة من الفوضى تعيد الامور الى مربع الصفر بعد الاتفاق السوري الداخلي على تشكيل لجنة مشتركة لوضع دستور سوري جديد متفق عليه .
هذا يعني ان واشنطن ليس لها حليف ،الا الوحيد الاوحد الكيان الصهيوني المحتل ،ورغم انها اعطت الموافقة لتركيا على اجتياح الشمال السوري ،الا انها قد تعاقب تركيا على ذلك وتعرّضها لعقوبات دولية سياسية واقتصادية فزعة للاكراد الذين تخلت عنهم ،فهي تلعب في جميع الاوراق وتنثرها في الاماكن والمواقع التي تخدم مصالحها ومصالح الكيان المحتل،ولا يعنيها اي شيء آخر،حيث المح ترامب بصريح العبرة الى نيته الانسحاب العسكري من الشرق الاوسط معترفا بالخطأ الواضح للوجود العسكري الامريكي في المنطقة ومبديا الندم على ذلك،انه تحول كبير في السياسة الامريكية الخارجية ،وتخلٍّ عن الدور الامريكي في مناطق عدة من العالم.
اوجدت الادارة الامريكية العديد من التنظيمات الارهابية ثم ابادتها ،بعد ان استخدمتها لاهداف خاصة بها ،تماما كمن يبني منشآت في ميادين التدريب العسكري ويدمرها بنفس الايدي التي بنتها.
المرحلة القادمة سوف تكشف الكثير من المفاجآت والمتغيرات في المنطقة والعالم ،بفضل الرؤى الامريكية المتقلبة تبعا للمصالح والاهداف الموضوعة.