عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Oct-2019

صحافيون ونشطاء مغاربة ينددون بالأحكام الصادرة في قضية الصحافية هاجر الريسوني

 

سعيد المرابط
 
الرباط –« القدس العربي»: لا تزال مستمرةً تداعيات قضية هاجر الريسوني، 28 سنة، التي قُبض عليه في الـ31 من أغسطس/ آب، في الشارع العام بعد مغادرتها عيادة طبيب للنساء في الرباط، وأُدينت بعد شهر من ذلك بارتكاب جريمتين منصوص عليهما في قانون العقوبات المغربي.
وأسفرت محاكمة الصحافية ومن معها، عن موجة من السخط بالمغرب، سواء في أوساط الجمعيات النسائية أو في المجتمع المدني، التي جعلت النقاش حول الحريات الفردية وإصلاح قانون العقوبات في المغرب يطفو إلى السطح.
وأمام قبة البرلمان المغربي، احتشد المئات من الناشطين الحقوقيين والصحافيين، الأربعاء، في وقفة احتجاجية للتنديد بالأحكام التي صدرت عن محكمة الرباط في القضية، معتبرين أن الصحافية المغربية هاجر الريسوني وخطيبها رفعت أمين، الناشط الحقوقي والأستاذ السوداني، ومن معهما، يقبعان في السجن «بسبب حبهما»، بعدما قُبض عليهما، وحُكم عليهم يوم الإثنين الماضي بالسجن لمدة عام بتهمة «علاقات خارج إطار الزواج» وممارسة «الإجهاض غير القانوني».
 
«أبي بريء»
 
الوقفة التي رفعت هتافاتها شعارات من قبيل «إدانة جماعية.. لقضاء التعليمات» و»يكفي من التعليمات.. نريد حريات»، حضرها إلى جانب عائلة الصحافية الريسوني، وزملائها وأصدقاء رفعت الأمين وحساسيات حقوقية ومدنية، عائلة وزملاء الطبيب. ولـAالقدس العربي»، قال يونس بلقزيز، أحد أبناء الطبيب المحكوم عليه، إنهم لم «يكونوا ينتظرون هذا الحكم الذي كان «قاسياً جداً عليهم وعلى أبيهم الذي لم يرتكب أي جرم… كنّا ننتظر البراءة لا غير»، مضيفاً أن الدفاع «أظهر في مرافعاته أنه لا إثبات على التهم». غلبت الدموع على يونس، فاتجهنا إلى شقيقه محمد بلقزيز الذي قال «القدس العربي»، في تصريح مقتضب: «هذا الحكم ظلم، وننتظر من الاستئناف البراءة، ليعود أبي إلى مكانه الطبيعي إلى بيته سريعاً».
وتقول الناشطة سارة سوجار لـ»القدس العربي»: «نقف اليوم للتنديد بالأحكام الظالمة في حق الصحافية هاجر الريسوني ومن معها، وهي أحكام فتحت مجموعة من التساؤلات الموجهة للسلطة السياسية في المغرب وللقوانين الرجعية التي ما زالت تجرم العلاقات الرضائية في المغرب، والوقف الرضائي للحمل».
وتأسفت سوجار، المدافعة عن حقوق الإنسان والحريات، على ما تعاني منه «نساء مغرب الـ2019، الذي يصادق على مجموعة من المواثيق الدولية، ورفع التحفظ على مجموعة من التحفظات».
وهيكانت من بين شباب «حركة 20 فبراير»، الذين تمخض عن «ربيعهم المغربي» دستور المملكة الحالي، والذي يصطلح عليه بـ»دستور 2011»، ترى المفارقة بين هذا الدستور و»متابعة الحريات الفردية»، متسالةً عن وجهة المغرب القادمة في طريق «الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، والحريات الجماعية كالحق في التظاهر والتجمهر».
وإلى «أين نحن ذاهبون؟!» تقول سوجار، ونحن نرى كتلة من الحقوق «تهضم من طرف السلطة السياسية»، في ظل إحساسٍ بأن «القوانين التمييزية التي تكرس؛ التخلف سكين في يد القضاء والسلطة تذبح به الحريات في المغرب».
الصحافي المغربي سابقاً، الذي يشغل حالياً منصب مدير التواصل في «هيومن رايتس ووتش»، أحمد رضى بنشمسي، كان هو الآخر حاضراً في الوقفة الاحتجاجية التي أدانت الحكم على الصحافية المغربية هاجر الريسوني، والحقوقي السوداني رفعت الأمين، ومن معهما.
وعبر لـ«القدس العربي»، بصفته الشخصية كمدافع عن حقوق الإنسان، أنه «من الأساس ما كان لهذه المتابعة والمحاكمة أن تحدث، المبنية على انتهاك حقوق الإنسان أساساً وأصلاً، قبل الخوض في من هي هاجر ومن هو خطيبها.. ولأنه لا دخل للدولة أصلاً في حميميات الناس»، مضيفاً أنه «إذا كانت الدولة تعلل ذلك بخصوصياتها، فإن ذلك يعني أنها لا تعترف بحقوق الإنسان كافة، فحقوق الإنسان لا تتجزأ».
وقال الوكيل العام، (المدعي العام)، سابقًا، إن محاكمة هاجر «لا علاقة لها بمهنتها كصحافية، لكنها مرتبطة بالحقائق التي يعتبرها القانون الجنائي جرائم»، وفقاً للفصول «444 و450 و454 و490 و129 من القانون الجنائي المغربي».
 
«اختطاف.. ولن نتنازل»
 
سليمان الريسوني، عم الصحافية هاجر، ورئيس تحرير يومية «أخبار اليوم»، التي حكمت عليها المحكمة الابتدائية في مدينة الرباط يوم الإثنين الماضي بسنة سجناً نافذاً بتهمة «الجنس خارج إطار الزواج» و»الإجهاض غير القانوني».. يرى أن «قرار المحكمة يسيء إلى سمعة المغرب أكثر من هاجر».
وشدد في تصريحه لـ»القدس العربي» على أن هاجر «كانت تعرف قدرها منذ لحظة اعتقالها الأولى»، وقالت ذلك منذ اليوم الأول «منذ بداية اعتقالها التعسفي، ومنذ إلباسها تهم خيالية فندها محاموها بالقانون».
الريسوني يؤكد أن هاجر عرفت قدرها منذ البداية، وذلك ما ترجمه قولها للجميع، «أمشي بقلب مفجوع ورأسٍ مرفوع»، مضيفاً أنها مطية نظامٍ هدفه «وضع حدٍ لعائلة تزعج السلطات بمختلف مشاربها»، مشبهاً هاجر بـ»المتواجدة بين يدي خصم يطالب عائلتها بفدية.. والفدية هي التنازل عن المواقف، وذلك ما لن نتنازل عليه، لأن هاجر ببساطة لن نرضاه لنا»، مشيراً إلى أن «هذا الأمر تبين عندما بدأت تشهر بعائلتها قبل أن تشهر بها». رئيس تحرير صحيفة «أخبار اليوم»، قال لـ«القدس العربي» إن ما جرى كان «متوقعاً»، وإن «حكم الإدانة جاهز، والقاضي مجرد مكلف بالنطق به»، وتلك كانت مؤشرات «منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه صحافة النذالة والخسة والتشهير الموالية للنظام، بشكل لا أخلاقي، متناسية أنها زميلتهم وأنها امرأة عزلاء». ويشار إلى أنه قبل انطلاق الوقفة أمام البرلمان بساعات معدودة، أدانت «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان» الأحكام الصادرة ضد هاجر الريسوني ومن معها، معتبرة في بلاغها الصادر الأربعاء، أن «المحاكمة لم تتوفر على شروط وضمانات المحاكمة العادلة وأولها قرينة البراءة».
وأوضحت الجمعية أن الأحكام الصادرة في حق هاجر وخطيبها والطبيب ومساعديه، «مجانبة للصواب قانونياً وواقعياً ومناقضة تماماً، لما قدمه الدفاع خلال المحاكمة من دفوع وحجج وبراهين تفند كل ادعاءات النيابة العامة وتبرئ جميع المتابعين».
 
تهم غير واقعية
 
أحمد الهايج، الرئيس السابق لـ«الجمعية المغربية لحقوق الإنسان»، الذي كان ضمن المحتجين في الوقفة التي نظمت أمام البرلمان المغربي، وفي تصريحه لـ»القدس العربي»، يرى أن التهم الموجهة إلى المدانين رفقة هاجر ورفعت «غير واقعية، ولا تستند إلى أي دليل أو إثبات».
«حكم أكد التخوف، وأفشل أُمنية البراءة»، واعتبر أن «الحكم الصادر في حقهم؛ حكم ظالم وجائر، وينتهك حقوقهم في محاكمة عادلة، خصوصاً أن التهم غير مسنودة».
ما قاله الهايج حول التهم هو ما يؤكده عبد المولى الماروري، عضو هيئة دفاع الصحافية هاجر الريسوني، قائلاً: «المؤشرات كانت تقود نحو البراءة، الحجج كانت علمية وقانونية واجتهادات سبقية»، مضيفاً أن النيابة العامة «لم تتكلم، ولم تأت بما يؤكد التهم، بحيث كنا نقول لم يعد لديها ما تقوله أمام ما قدمناه من حجج، وأن ذلك مؤشر على براءة هاجر ورفعت ومن معهما… لنفاجأ بالحكم». ويؤكد محامي هاجر، الذي صدم في الحكم بعد مرافعات الدفاع، أنه كان «حكماً صادماً ومخالفاً للتوقعات، إضافة إلى أنه لا علاقة له بالقانون». الماروري قال لـ»القدس العربي» إنه كان مفعماً بـ«التمني»، قبل أن يتكسر تمنيه على صخرة الحكم، رغم أن «تخوفاً» كان يراوده هو «ما حصل وأفشل التمني»، مضيفاً: «هاجر الريسوني تقول إن ما يهمها هو أن براءتها موقعة بشهادة الرأي العام الوطني والدولي».
ومن مفارقات القانون الجنائي المغربي-حسب أحاديث المتظاهرين فيما بينهم- أنه يعود إلى الوقت الذي أصبح فيه المغرب مستقلاً عن فرنسا، منذ أزيد من نصف قرن، متأسفين على محافظة المملكة المغربية في عالم ما بعد الحداثة على عقوبة الإعدام، وتجريم العلاقات الرضائية ؟خارج إطار الزواج، والإجهاض والشذوذ الجنسي (المثلية)، بينما يتيح للمغتصب النجاة من العقوبة بعد زواجه من الضحية، ولا يعاقب على الاغتصاب في إطار الزواج.
ويعاقب القانون الجنائي المغربي بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات؛ للذين لديهم «علاقات جنسية مع أشخاص من الجنس نفسه»، (المثلية الجنسية)، كما يمكن أن تنتهي جريمة الزنا، الواردة في المادة 491، بالسجن لمدة عامين.
وبالتالي، ووفقاً لبيانات النيابة العامة، (المدعي العام)، فقد تمت مقاضاة ألفين و890 شخصاً بتهمة الزنا في المغرب في عام 2017، وحوكم ما يقرب من 200 شخص بسبب المثلية (الشذوذ الجنسي)، بموجب المادة 489، التي تتحدث عن «أفعال ضد الطبيعة مع أفراد من الجنس نفسه».
ويجرم القانون الجنائي المغربي العلاقات الجنسية بين شخصين بالغين، رضائياً وغير متزوجين، من شهر إلى سنة، وفقاً لما تقوله المادة 490، التي تم تطبيقها على الصحافية هاجر الريسوني.
وتحذر الجمعيات الحقوقية والنشطاء المدافعين عن الحريات من أنه بهذه الطريقة يقيد النظام المغربي حرية النساء اللائي يقعن ضحايا للاغتصاب، عند الإبلاغ أنهن قد «يتهمن بممارسة الجنس خارج إطار الزواج».
وقد جاءت الوقفة «من أجل إلغاء القوانين السابقة التي استخدمت ضد هاجر ومن معها، والتي تلغي الحق في الحريات الفردية التي يكفلها القانون الدولي وحقوق الإنسان».