يديعوت أحرنوت
في منتصف شباط من هذه السنة نشرت منظمة الصحة العالمية رسالة توجيه لمنع الكورونا. وجاء في توجيهاتها صراحة ان لا حاجة لوضع الكمامة الا في حالات المرض المؤكد، وبالطبع في المستشفيات، العيادات، المختبرات وما شابه.
في 19 اذار نشرت منظمة الصحة العالمية توصية اخرى، وان كانت شطبت منها المعارضة الجارفة لوضع الكمامات، ولكن لم يشطب منها استبعاد نجاعتها. “الكمامة على الوجه يمكن أن تشكل وسيلة منع اخرى للوباء”، كتب في التوصية، “شريطة الا تأتي على حساب وسائل اخرى… ولكنها ليست مطلوبة لاناس ليسوا مرضى ولا توجد أدلة على نجاعتها في حمايتكم”.
هذا التلعثم لم يؤثر على تعليمات سلطات الصحة في العالم، بما فيها في البلاد، لوضع الكمامات في كل مكان عام. وشرح للمشككين بأن هذه “تعليمات جديدة من منظمة الصحة العالمية”. غير أن المنظمة لم تغير موقفها حقا، ولم تنشر اي تعليمات جديدة حتى الآن. والانعطافة في تعليمات سلطات الصحة الوطنية – وفي البلاد – تعود الى مقالات بحثية جديدة لباحثين في الاوبئة وتفيد بأن الكمامة تقلص بقدر ما وتيرة انتشار المرض.
تكشف قصة الكمامات الضعف الحرج لمنظمة الصحة العالمية، في ساعة اختبارها الكبرى. وقد فشلت فيه. فشلت قبل ذلك في نهجها المتسامح تجاه قصورات السلطات الصينية في منع فيروس الكورونا في المراحل الاولى، الاهم بالنسبة لها. فمنذ ايلول من العام الماضي نشرت ورقة عمل اولى لاطباء – باحثين صينيين عن مزايا الفيروس والمخاطر التي فيه. وبدلا من ان يحفز هذا على الفور أسرة الاطباء – العلماء في العالم تجاهلت المنظمة التحذير تماما.
ان اخفاء الوباء وحجومه من جانب السلطات في الصين لم يقلق كبار مسؤولي المنظمة. وفود من منظمة الصحة العالمية زارت الصين وامتدحت هناك – بل ومجدت تماما – الرد السريع والناجع للحكومة. وحتى منتصف اذار اجمالا رفضت المنظمة تسمية ضربة الكورونا “بالوباء العالمي”، بدعوى أن لا مبرر لتشويش الحركة الجوية الدولية والحياة اليومية. تسيب.
نموذج تايوان لو كانت منظمة الصحة العالمية درسته وأوصت به، لكان بوسعه أن يخفف دراماتيكيا سواء من انتشار الوباء أم من المعاناة الاقتصادية – الاجتماعية التي يسببها. ولكن في المنظمة ببساطة تجاهلوه وتجاهلوا نجاحه. وأين توجد توقعات أخيرة ونتائج جارية لبحوث ونماذج جديدة عن الاوبئة؟ في منشورات لمعاهد بحوث وطنية ومنصات على الانترنت لتبادل المعلومات والبحوث تديرها الجامعات، كليات الطب، المستشفيات، السلطات لمعالجة الاوبئة وأسر تحرير مجلات مهنية. هناك التفاعل، الحداثة، الافكار. وليس في منظمة الصحة العالمية، التي تكتفي في اقصى الاحوال بتقرير سلبي ومتأخر. مشهد بحيرة زرقاء وهدوء ينعكس من نوافذ مبانيها في مجال جميل ومغلق على تلال مدينة جنيف في سويسرا.
لا يوجد هنا نقد لموظفي المنظمة، المتفانين في عملهم ليل نهار. المشكلة ليست لديهم – المشكلة هي في تسييس قيادة المنظمة، والتي يروي عنها في احاديث مغلقة من مكث في مبانيها في فترات مختلفة ووظائف مختلفة. ان تسييس المنظمة يتسبب أيضا – كما يؤكد الناطقون بلسانها – باعتمادها الحصري على التقارير والتعريفات لكل سلطة صحية محلية في كل دولة، مهما كانت الفوارق بينها. هكذا تتراكم فجوات دولية هائلة في المعلومات المؤكدة عن حجوم المرض، عن معدلات الاصابة والوفيات، عن نجاعة العلاجات المختلفة، عن تكرار حالات المرض دون اعراض وغيرها.
كان يمكن لمنظمة الصحة العالمية أن تؤدي دورا قياديا في تجنيد الكفاح ضد الكورونا وادارته. وقد فشلت في هذا. وليس صدفة أن وقع قرابة مليون شخص في العالم على نداء لتنحية رؤسائها.