عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-May-2019

لا تنظروا إلی صیام أحد ولا إلی صلاته - د. محمد المجالي
الغد- ھو باطن الإنسان وحسن أخلاقھ وطیب معشره، ولیس ظاھر ما یعملھ من أعمال، فقد قال الله
 تعالى: ”لیس البر أن تولوا وجوھكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن با والیوم الآخر والملائكة والكتاب والنبیین، وآتى المال على حبھ ذوي القربى والیتامى والمساكین وابن السبیل
والسائلین وفي الرقاب، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، والموفون بعھدھم إذا عاھدوا، والصابرین في
البأساء والضراء وحین البأس، أولئك الذین صدقوا وأولئك ھم المتقون“.
والصیام من أبعد العبادات عن الریاء، ولذلك قال الله تعالى في الحدیث القدسي: ”كل عمل ابن آدم
لھ إلا الصیام فإنھ لي، وأنا أجزي بھ“، ومع ذلك، یقول عمر بن الخطاب رضي الله عنھ: ”لا ّ تنظروا إلى صیام أحد ولا إلى صلاتھ، ولكن انظروا إلى من إذا حدث صدق، وإذا اؤتمن أدى، وإذا أشفى -أي ھم بالمعصیة- ورع“، وھي الحقیقة ذاتھا، في أھمیة باطن الإنسان وانعكاس إیمانھ وعباداتھ على سلوكھ، فلا فائدة في عبادة لا تقود صاحبھا إلى طیب الأخلاق وحسن المعشر.
وھذه الخصال التي ذكرھا سیدنا عمر رضي الله عنھ تكاد تكون من أھم ما نفتقده في قطاع عریض
حتى بین الملتزمین دینیا، فضلا عن غیرھم من المنتسبین مجرد انتساب لھذا الدین، وقد ذكر رضي
الله عنھ الصدق والأمانة والورع.
أما الصدق فھو في القول والیقین والإیمان والنیة والولاء والالتزام العام بھذا الدین، وعكسھ الكذب
ّ والخداع والنفاق والتلون حسب المواقف والمصالح، وھكذا. والأمانة كذلك تشكل مع الصدق آكد
صفات المرسلین، فالدین أمانة، والمسؤولیة أمانة، والحقوق بأنواعھا أمانة، والواجبات أمانة، وما
یستأمنھ أحدنا عند الآخر أمانة، مادیا كان أو معنویا، كالأسرار وشؤون الناس الخاصة. أما الورعّ فھو نتیجة طبیعیة لكل عبادات الإنسان، أن تبني فیھ المخافة  تعالى، وتذكر الوقوف بین یدیھ، والحساب على كل صغیرة وكبیرة، فیقوده ھذا الورع إلى الابتعاد عن كل ما یغضب وجھ الله ّ تعالى، فإن ھم بمعصیة تذكر الله الذي یراه ویسمعھ ویعلم خائنة الأعین وما تخفي الصدور.
كلنا بشر، نخطئ ونصیب، وینتابنا شعور الإیمان وشيء من الضعف والمیل نحو المعصیة، ولكن
لا بد في لحظة ما من استشعار معیة الله ومراقبتھ سبحانھ، فلم یخبرنا سبحانھ عن صفاتھ نافلة من
ّ القول، بل لنتعبده تعالى بھا في شؤون حیاتنا كلھا، وحین نتذكر أنھ سبحانھ ھو السمیع البصیر،
وھو العلیم الخبیر، فقد شملت ھذه الصفات كل ما یحیط بالإنسان، إن قال فقد سمعھ ربھ، وإن عمل
فقد أبصره ربھ، وإن أخفى شیئا في نفسھ، فھو العلیم الخبیر سبحانھ، لا یخفى علیھ شيء في
الأرض ولا في السماء.
ٌ ھذا رمضان یظلنا برحماتھ ونفحاتھ، ولا بد من المراجعة والتقویم الحقیقي للنفس، ولا یتكبرن أحد،
كائنا من یكون، على حقیقة ذاتھ وقیمتھ عند الله، فلا أحد أعلم بالإنسان من نفسھ، ولا یعلم أكثر منھ عن نفسھ إلا خالقھ سبحانھ، فكل منا یدرك في أعماق نفسھ قیمتھ عند الله، فلا یكابر أو یبالغ أو
ِّ یخفي أو یسوف توبتھ، وربما تكون الطامة الكبرى أن یكون من أھل الانحراف، ومع ذلك یظن
ّ نفسھ أنھ مستقیم ملتزم، وذلك حسب فھمھ الخاص لھذا الدین، وما یتفوه بھ بعض الذین شوھوا الدین بأفھامھم المنقوصة، وشبھاتھم الكثیرة التي یثیرونھا على المواقع الإعلامیة، مما أسھم كثیرا في زعزعة مكانة الدین وسمو مبادئھ عند قطاع عریض من المسلمین.
ّ لا بد من توبة حقیقیة وتوجھ حقیقي إلى الله تعالى، لنؤكد على حقھ سبحانھ علینا، نعبده وحده
سبحانھ، ونسمو بھذه العبادة بأخلاقنا وشعورنا الإیماني، لیكون أحدنا كأنھ ملاك یمشي على
الأرض، حین یحقق المعاني الحقیقیة للعبادات، من صیام وصلاة، واستشعار لمعیتھ، وھذه التضحیة بالمال لیكون في أیدي مستحقیھ، ویرفع معاناة الناس ویدخل السرور علیھم، فكلنا مبتلى، سواء كان في سراء أو ضراء: ”فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربھ فأكرمھ ونعمھ فیقول ربي أكرمن، وأما إذا ما ابتلاه فقد َر علیھ رزقھ فیقول ربي أھانن“، ”ونبلوكم بالشر والخیر فتنة“، قد یستشعر الذي أصابتھ ضراء بأنھ مبتلى، ولكن القلیل من المیسورین من یستشعر أنھ مبتلى، وربما ابتلاؤ أشد؛ إذ ھو ابتلاء خفي، ولذا اختلف السلف من ھو أفضل: غني شاكر أم فقیر صابر؟ وربما مالوا إلى أن الغني الشاكر أفضل عند الله من الفقیر الصابر.
لیصمم كل منا على التخلص ولو من خصلة سیئة، وعلى جلب ولو خصلة حسنة، یتدرج في التخلیة
والتحلیة، فبعض المسلمین المقبلین على الله تعالى یلزم نفسھ مرة واحدة بأن یكون في القمة، وما إن یبدأ حتى یتراخى ویتكاسل، وربما ینتكس ویرجع كما كان أو أسوأ، فالمطلوب ھو الشعور الإیماني
العام، وتأكید مخافة الله تعالى في نفسھ، ویبدأ مشواره مع الله، خطوة خطوة، یترك سیئة ویجلب
حسنة، ولو في الأسبوع أو الشھر مرة ومرة، وھكذا، فالمھم أن یستمر في السیر إلى الله تعالى، قد
یقف، ولكن لا یرجع، بل ھو مستمر في إقبالھ على الله، والأفضل منھ من یسارع ویسابق، ویفر إلى
حیث رحمتھ تعالى والأُنس بھ.
لحظات الصفاء ضروریة للعبد كي یحاسب نفسھ ویقومھا، فقد تتاح لنا الآن فرصة، ولا تتاح -لأي سبب- فیما بعد، والعاقل من استدرك نفسھ قبل فوات الأوان.