الغد
يتساءل متابعو كرة القدم منذ سنوات عن سر الدلال الزائد الذي يحيط ببعض النجوم، حتى يبدو المدرب أو المدير عاجزا عن توجيه لوم رقيق لهم، فضلًا عن اتخاذ قرار فني كالإراحة أو الاستبدال. فقد طفا على السّطح خلال الأيام الماضية اسم اللاعب الدولي المصري محمد صلاح في سياق شد وجذب مع مدرب وإدارة نادي لفربول الانجليزي، فما الذي حمل هذا الشاب الريفي الخجول الذي انتقل من قرية صغيرة في أقاصي مصر على تحدي أحد أكبر الأندية الرياضية في العالم ومواجهة الماكنة الإعلامية البريطانية التي عادة ما تتحامل على الأجانب وتتحيز للأندية؟ وأي تغيير حصل في شخصية صلاح دفعه إلى هذه المواجهة؟
النجم في كرة القدم الحديثة ليس مجرد لاعب فحسب، بل هو مشروع اقتصادي، وعنوان تسويقي، فدور صلاح وغيره من النجوم الكبار لا يقتصر على أدائهم في الملعب؛ بل تتم ترجمته إلى أرقام مبيعات ترفد خزائن الأندية بالمليارات وهذا ما تعيه الإدارات جيدا؛ لذلك تجدها تدفع ثمنا مضاعفا لاستقطاب النجوم والحفاظ عليهم، أحدهما مادي من خلال العقود الفلكية والمكافآت المجزية، وآخر معنوي في مساحة الاستثناءات التي تتسلل مع الوقت، حتى تتحول إلى قواعد غير مكتوبة.
وهؤلاء النجوم بدورهم، ومن منطلق وعيهم التام بمركزيتهم في الفريق، تراهم يغالون في المطالبة بمعاملة تفضيلية، والتغاضي عن زلاتهم، واعتبار الأنظمة عائقًا بيروقراطيًّا يحد من توهجهم. ويكبر لديهم الإحساس بأن إنجاز الفريقِ هو نتاج شرعي لموهبتهم، مما يرتب لهم حقا حصربًا في القرار والتأثير، وعند هذه النقطة يصبح كل نقد لهم استهدافًا، وكل استبدال إهانة، وكل اختلاف معركة على المكانة.
ومن هنا تبدأ المهمة الأصعب للقائد الذي يُسير الفريق؛ حيث يجد نفسه يسير على حبل مشدود، فإن هو بالغ في الضغط على النجم، دفعه إلى الإحباط أو التمرد، وربما خسر غرفة الملابس ومعها الجمهور والنتيجة، وإن هو بالغ في التساهل مع النجم وأسلم له القياد، فتح الباب على مصراعيه لفوضى صامتة، فما الذي يقنع أعضاء الفريق بالالتزام بما لا يلتزم به صاحب الامتياز؟ وكيفَ تبنى ثقافة الفريق إذا كانت هناك منطقة محرمة لا يطالها النقد؟
في قضية صلاح وأخواتها غالبًا ما نخطئ حين ننساق لإغراء البحث عن مذنب واحد نحمله المسؤولية، فالجميع هنا ملوم، بدء من المؤسسة التي تسمح بتضخم الاستثناءات ثم تتفاجأ بسطوة النجم على الفريق، والنجم الذي يتعامل مع أي ضابط مؤسسي بوصفه انتقاصًا من نجوميته، ويخلط بين المكانة والسلطة ملوم، أما المدرب “القائد”، فإن لم يبرهن للجميع على قيمته المضافة كصاحِب رؤية يضبط الإيقاع ويحسن إِدارة الموارِد البشرية لا الفنية فقط، فسيتحول تدريجيا إلى “ناطور” في حضرة كاريزما النجوم.
الدرس الأهم الذي نتعلمه من هذه القصة المتكررة أن إدارة النجوم ليست مجاملة ولا خصومة، بل هي هندسة للتوازن، ووضوح قواعد الانضباط، وعدالة تطبيقها، والقدرة على الحوارِ دون التنازل عن الهيبة، وتجنب الرهان على حصان واحد مهما بلغت قوته، وإعداد البديل الجاهزِ حتى لا يصبح الكيان رهينة اسم واحد، وهذه جميعها ليست تفاصيل إدارية هامشية بل شروط بقاء.
بقدر ما تمنحنا مجاورة النجوم بريقا ومتعة، فإنها قد تحرق أصحاب القرار إذا افتقدوا إلى أدوات التعامل معها، وبقدرِ ما تمنح النجومية صاحبها حقًّا في التقدير، فإن ذلك لا يمنحه الحق في أن يكون مؤسسةً داخل المؤسسة.