عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Feb-2023

هل يمكن حقاً التنبؤ بالزلازل؟

 الشرق-محمد منصور

في الثالث من فبراير الجاري توقع باحث هولندي يُدعى فرانك هوجربيتس أن زلزالاً قوته 7.5 درجات سيضرب تركيا، وتحققت تنبؤاته بعد ثلاثة أيام فقط، إذ ضرب تركيا وسوريا زلزال مدمر بقوة 7.8 درجات وأودى بحياة نحو 4 آلاف و365 في كلا البلدين.
 
كتب هوجربيتس، وهو باحث في معهد لهندسة النظام الشمسي يراقب الأجرام السماوية للتنبؤ بالنشاط الزلزالي، عشرات التغريدات السابقة التي تتنبأ بحدوث الزلازل في مناطق معينة، إلا أن معظم تلك التنبؤات فشلت، إذ لم تحدث الزلازل التي تنبأ بها على الإطلاق. 
 
فهل يمكن استخدام منهج هوجربيتس للتنبؤ بحدوث زلزال هنا أو هناك؟
 
 
الجاذبية والقوى التكتونية
يفترض هوجربيتس وآخرون أن مواقع كواكب النظام الشمسي يمكن أن تسبب الزلازل، إذ يقولون إن جاذبية كواكب المجموعة الشمسية قد تغيّر من سرعة دوران الأرض، ما يؤدي إلى اختلال في سرعة الصفائح المكوّنة لقشرتها الخارجية، وذلك يتسبب في حدوث زلازل مدمرة. وهو افتراض ترفضه معظم الدراسات العلمية.
 
إن جاذبية الشمس والكواكب أضعف بكثير إذا ما قورنت بالقوى التكتونية للأرض التي يعرف العلماء أنها المسؤولة عن حدوث الزلازل والبراكين أيضاً.
 
ويقول علماء الجيولوجيا إن القشرة الخارجية للأرض تتكون من ألواح صخرية متحركة تسمى الصفائح، ويمكن أن تتحرك هذه الصفائح فوق الطبقة الداخلية الصخرية الأكثر مرونة تحتها، والتي تسمى عباءة الأرض، وتقع فوق المادة المنصهرة من نواة الأرض. 
 
يعتقد أن هناك 9 صفائح رئيسية، وتوجد على طول حدود هذه الصفائح العديد من خطوط الصدع، وتحدث معظم زلازل الكوكب بالقرب من تلك الصدوع، وفي بعض الأحيان تصطدم هذه الصفائح التكتونية بعضها ببعض أثناء الانزلاق على المادة المنصهرة. 
 
وحين يحدث ذلك الانزلاق تتعطل الحواف الخشنة لهذه الصفائح، بينما تستمر بقية الصفيحة في التحرك لتخزن الطاقة على طول حدود الصفيحة في هذه العملية. 
 
وبمجرد أن يتحرك الجزء الداخلي من الصفيحة بدرجة كافية لإجبار الحواف على التغلب على الاحتكاك الذي يربطها بعضها ببعض حتى تصبح غير عالقة، فإن هذه الطاقة المخزنة تظهر في شكل تموجات عبر سطح الأرض الصخري.
 
تهز هذه الموجات الأرض وهي تتحرك، ما يؤدي إلى وقوع الزلزال. وهذه هي النظرية التي يتفق معظم العلماء حولها بشأن طريقة تكوّن الزلازل.
 
 
القمر والمد والجزر
لكن بعض الأبحاث المنشورة في عام 2016 ربطت تواتر الزلازل الكبيرة في شيلي وولاية كاليفورنيا الأميركية واليابان بالقمر.
 
وقالت تلك الأبحاث - القائمة على الملاحظة وليس السببية - أن الزلازل التي تزيد قوتها عن 5 درجات من المرجح أن تحدث خلال القمر الجديد أو البدر عندما تصطف الشمس والقمر والأرض. 
 
ومن هنا، ظهرت النظرية المعروفة باسم "المحاذاة". وحسب تلك النظرية، يتسبب وضع القمر في حدوث المد والجزر على سطح البحر، وتغيّر توزيع كتلة الماء في المحيطات. 
 
وتقول هذه النظرية إن الكتلة المتغيرة يمكن أن تضع ضغطاً إضافياً على أنظمة الصدوع الموجودة على طول حواف القارات.
 
وبمجرد عودة المياه إلى أماكنها، يتم إطلاق الطاقة المخزنة في صورة ضغط مثل الزنبرك، ما يتسبب في حدوث زلزال.
 
لكن هذه النظرية لم تستطع - على عكس نظرية الصفائح الموثوقة - توضيح العلاقة السببية بين القمر والزلازل، ولم تستطع أيضاً تفسير الزلازل التي تحدث في أوقات يكون القمر فيها محاقاً أو هلالاً. 
 
وإذ ما اتفقنا مع علماء الجيولوجيا في نظريتهم بشأن علاقة حركة الصفائح التكتونية بالزلازل، فسيكون من الصعب للغاية التنبؤ بحدوث الزلازل.
 
شروط التنبؤ
تقول هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إنها لا تتنبأ، ولا أي من العلماء الآخرين، بحدوث زلزال كبير. كما تؤكد أنها "لا تعرف ولا تتوقع أن تعرف في المستقبل المنظور" أي طريقة للتنبؤ بالزلازل.
 
ولكنها تقول إن علماء هيئة المسح الجيولوجي الأميركية يمكنهم حساب احتمال وقوع زلزال كبير - كما هو موضح في خريطة المخاطر - في منطقة معيّنة خلال عدد معين من السنوات.
 
لماذا يصعب التنبؤ؟
بحسب عالم الأرض في جامعة جنوب كاليفورنيا سيلفان باربوت، فإن دراسة الأنظمة الديناميكية التي تحدث على بعد أميال تحت الأرض أمر صعب للغاية، وبالتالي فإن التنبؤ بموعد حدوث زلزال نتيجة أي خطأ في تلك الأنظمة "غير ممكن وسيستغرق وقتاً طويلاً قبل أن نتمكن من القيام به". 
 
وأشار باربوت في حوار منشور على موقع الجامعة إلى أن أفضل ما وصل إليه العلماء حتى الآن هو تحديد المناطق التي يتوقع حدوث الزلازل فيها في أي وقت، مستقبلاً. وبالطبع لا يُعد ذلك تنبؤاً  فعالاً.
 
ويحتاج التنبؤ الفعال بالزلازل إلى 4 شروط هي تاريخ وقوع الزلزال ووقته وموقعه وحجمه المتوقع. 
 
ولتحديد علامات إنذار مبكر محتملة لهذه العوامل الأربعة، يجب على العلماء إما البحث عن أنماط الزلازل التي حدثت بالفعل، وإما إنشاء نماذج رياضية معقدة لحركة الصفائح التكتونية المعروفة.
 
 
أنماط غير مؤكدة
حاول العلماء ربط العديد من العوامل الطبيعية التي سبقت الزلازل في الماضي بالزلزال نفسه، بما في ذلك زيادة كميات الرادون (غاز خامل عديم الرائحة واللون يتشكل عن طريق التحلل الإشعاعي لعناصر في بعض المعادن) في مصادر المياه، وارتفاع مستويات المياه الجوفية، والتغيرات في النشاط الكهرومغناطيسي وحتى السلوك الغريب للحيوانات. 
 
على سبيل المثال، وفق ما تقول عالمة الفيزياء سابرينا ستيروالت، فقبل التمزق الرئيسي الذي يتسبب في النهاية في حدوث زلزال، تتشكل في الصخور تحت السطحية شقوق أصغر تسمى الشقوق الدقيقة، وتعمل هذه الشقوق الأصغر على تغيير نفاذية الصخور، أو بعبارة أخرى، تسمح للماء بالمرور بسهولة أكبر عبر الصخر.
 
وقد تؤدي الصخور الأكثر نفاذية بعد ذلك إلى تغيرات في مستويات المياه الجوفية، ويمكن أن يؤدي هذا التغيير نفسه في النفاذية أيضاً إلى هروب الرادون.
 
ومع ذلك، حتى لو استطاع العلماء رسم روابط جيولوجية بين هذه التغيرات في الطبيعة والزلازل، فهناك القليل جداً من الأدلة على أن أحدهما يجب أن يحدث مع الآخر.
 
وفي بعض الأحيان تقع هذه الأحداث دون وقوع زلزال، وفي أحيان أخرى تحدث الزلازل دون أي من هذه الأحداث الأولية. 
 
وتقول ستيروالت إن الزلازل تنشأ على بعد عدة أميال تحت سطح الأرض، لذلك من الممكن أن توجد مؤشرات مبكرة أخرى، لكن "لا يمكننا اكتشافها بسهولة هنا على السطح خاصة عندما لا نكون متأكدين مما نبحث عنه".
 
ورأت ستيروالت، في مقال كتبته قبل عامين أنه "من دون دليل تجريبي يربط بعض علامات التحذير المحتملة بالزلازل، فإن بناء النماذج التنبؤية يمثل تحدياً كبيراً نظراً لصعوبة دراسة كيفية تصرف الصخور والمعادن في درجات الحرارة والضغوط المتزايدة تجاه نواة الأرض. كما أنه من الصعب إعادة إنشاء مثل هذه الظروف في المختبر.
 
ويقول الموقع الرسمي لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية إن التنبؤات عادة ما تبدأ بواسطة غير العلماء، في الدوران حول وسائل التواصل الاجتماعي عندما يحدث شيء يُعتقد أنه نذير لزلزال في المستقبل القريب. 
 
وعندما تحدث سلسلة من الزلازل الصغيرة أو تتزايد كميات الرادون في المياه أو تتغير سلوكيات الحيواناتـ يعتبر البعض أن تلك الأمور "نذير لحدوث الزلازل".
 
لكن معظم هذه الأمور تحدث في كثير من الأحيان دون أن يتبعها زلزال، لذلك لا يمكن التنبؤ الحقيقي "فمعظم الزلازل ليس لها أحداث تمهيدية على الإطلاق".