“الإسلام الأخضر”.. أمل إندونيسيا لمواجهة تغير المناخ
الغد-إينو هينز – (دويتشه فيله) 18/6/2022
تتصاعد الدعوات في إندونيسيا لزيادة الوعي بمدى حماية الدين للبيئة وسط تحديات كبيرة جراء تفاقم تغير المناخ. ويقول خبراء إن الإسلام البيئي الأخضر قد يدعم جهود حماية المناخ.
* * *
الإسلام البيئي
بعد نشر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تقريرها الخطير، احتدم النقاش في إندونيسيا حول مكافحة تداعيات ظاهرة المناخ، وأصبحت الدولة الآسيوية في قلب النقاش العالمي حول تغير المناخ. ونظرا لأن إندونيسيا تعد أكبر مصدر للفحم وأكبر منتج ومصدر لزيت النخيل في العالم، فإنها تؤثر بشكل كبير على أزمة المناخ العالمية.
ولكن، على الرغم من ذلك، فإن إندونيسيا تصبح أكثر عرضة بشكل متزايد لظواهر الطقس المتطرفة. ففي العام 2019، أدى الجفاف الشديد إلى انتشار حرائق الغابات في البلاد، فيما شهدت البلاد في العام 2020 فيضانات عارمة جراء هطول الأمطار التي لم يُشهد مثلها لعقود.
وتواجه إندونيسيا، بتعدادها السكاني الكبير الذي يتجاوز 270 مليون نسمة، تحديات اجتماعية وبيئية هائلة، فيما يرى بعض الخبراء أن الدين الإسلامي يقدم بصيصًا من الأمل، بالنظر إلى أن إندونيسيا هي أكبر بلد مسلم من حيث تعداد السكان، حيث تتزايد الدعوات فيها إلى زيادة الوعي الديني للحفاظ على البيئة، أو ما يُعرف بـ”الإسلام البيئي” أو “الإسلام الأخضر”.
في مقابلة مع “دويتشه فيله”، قال فخر الدين مانغونغايا، رئيس مركز الدراسات الإسلامية في الجامعة الوطنية في جاكرتا، إنه مما لا شك فيه أن “الوعي البيئي الإسلامي الجديد سوف يعزز من قوة الحركات البيئية في إندونيسيا”.
ويبلغ تعداد المسلمين في إندونيسيا قرابة 87 بالمائة، ما يعني أن الإسلام قد يوفر طريقًا أو حلًا لمعضلة قضية المناخ، وفقًا لما أشار إليه عالم الأنثروبولوجيا الإندونيسي ابن فكري. وفي مقابلة مع “دويتشه فيله”، قال ابن فكري إن تعاليم الإسلام “تدعو إلى حماية البيئة والطبيعة، ولذلك يعد استخدام الطاقة النظيفة إلهامًا أخلاقيًا ومعنويًا بالنسبة للمسلمين”.
ويشارك ابن فكري مع الباحث فريك كولومبين من الجامعة الحرة في أمستردام في إعداد بحث عن قضية “الإسلام الأخضر” في إندونيسيا، وهو مصطلح يعني التفاعل بين البشر والبيئة استنادا إلى التعاليم الإسلامية.
وقد لاقى هذا المفهوم اهتمامًا كبيرًا من السياسيين، وعلى رأسهم رئيس إندونيسيا جوكو ويدودو، الذي دعا كبار رجال الدين الإسلامي إلى المساعدة على وصول البلاد إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول العام 2060.
وفي هذا الإطار، وقعت وزارة البيئة والغابات العام الماضي، 2021، اتفاقية شراكة مع “جمعية نهضة العلماء” التي تعد أكبر منظمة إسلامية في إندونيسيا، من أجل تحسين إدارة قضايا البيئة والغابات المستدامة.
عمل ملموس
ويرى ابن فكري أن هذا الأمر لا يكفي، إذ لم تصل التوعية بقضايا البيئة في البلاد بعد إلى غالبية سكان الريف ورجال الدين، فيما كشف استطلاع للرأي أجراه مركز “كاتاداتا إنسايت” في العام 2020 عن أن سكان إندونيسيا لديهم ثقة كبيرة بشأن الحصول على المعلومات من رجال الدين.
وعلى وقع ذلك، يوجه “مركز الدراسات الإسلامية” الذي يشرف عليه فخر الدين في جاكرتا، اهتماما خاصا بقضية بناء الجسور بين القادة في المجتمع الإسلامي وعلماء البيئة.
وحول ذلك، قال: “من المهم ألا يقتصر فهم رجل الدين على التعاليم الإسلامية فحسب، إذ يتعين أن يشمل ذلك فهم القضايا المتعلقة بحماية المناخ حتى يتمكنوا من ترجمة الوعي المناخي إلى عمل ملموس”.
وفي هذا الإطار، يقول فخر الدين إنه يدرب قرابة ألف رجل دين وداعية بشأن ممارسات حماية البيئة لزيادة الوعي بشأن المناخ في جميع أنحاء البلاد، مضيفا أن العدد يتزايد بمرور الوقت.
ماذا عن المدارس؟
يدخل في إطار تعزيز التوعية بشأن البيئة ضرورة التواصل مع الشباب وصغار السن لزيادة الوعي لديهم بشأن قضايا حماية البيئة.
وفي مقابلة مع “دويتشه فيله”، قال خطيبول أمام، وهو مدير مدرسة داخلية إسلامية في جزيرة مادورا، إننا في حاجة إلى التفكير بشكل أكبر في “مستقبلنا حتى نجيب عن أسئلة الطلاب بشأن القضايا البيئية الملحة في وقت مبكر، بحيث يشاركون بعد ذلك مع مجتمعاتهم” في حماية البيئة.
وشدد أمام على أهمية دور المدارس الداخلية الإسلامية في هذا الشأن، لكونها جزءا مهما من نظام التعليم في إندونيسيا، مضيفا أن المدرسة الداخلية التي يديرها يدرس بها 11 ألف طالب.
وقال إن مدرسته استطاعت إيجاد رابط بين الإسلام وحماية البيئة، وهو الأمر الذي أولته المدرسة اهتماما كبيرا من خلال دعم مشاريع إعادة التشجير والزراعة المستدامة وإعادة التدوير.
الطريق ما يزال طويلا
على الرغم من ذلك، يقر أمام بأن قضية زيادة التوعية الدينية بشأن البيئة في إندونيسيا ما تزال تخطو خطواتها الأولى، مضيفا أن “التحدي الأكبر أمامنا يتمثل في محاولة تبسيط أهمية هذه المشاريع للناس. وهذا تحد لا نواجهه في مدارسنا فقط، ولكن في المجتمع الأوسع بشكل عام”.
ولا تتوقف مساعي زيادة التوعية بشأن المناخ في إندونيسيا على مفهوم “الإسلام الأخضر”، بل يشمل ذلك فئات أخرى تشكل المجتمع الإندونيسي، خاصة مع تأكيد العديد من الخبراء الحاجة إلى تبني نهج شامل يشمل المجتمع بأسره.
وفي هذا الإطار، يؤكد فخر الدين أهمية التعددية في إندونيسيا، مضيفا: “إننا نتعلم الكثير من تقاليد ما قبل الإسلام. وبسبب النظام الديمقراطي في إندونيسيا، فإننا لا نحترم الطبيعة والبيئة فحسب، بل نحترم أطياف المجتمع كافة وأفكارها جميعاً”.
ويتفق فخر الدين في هذا الرأي مع ابن فكري الذي دعا إلى الجمع بين الدين والتقاليد والممارسات المحلية التي تشجع المجتمعات على حماية البيئة في إطار ما يطلق عليه “الوعي البيئي الثقافي”، قائلا: “الطريق ما يزال أمامنا طويلا، لكن ما يزال بإمكان الإسلام أن يلهم الكثيرين”.