عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Mar-2023

استخدام اللغة الصحيحة: استمرار “الإبادة الجماعية التدريجية” للفلسطينيين‏

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

إيلان بابيه‏* – (ذا بالستاين كرونيكل) 16/3/2023
الكشف بالغ الوضوح عن سياسات الإبادة الجماعية الإسرائيلية في الضفة الغربية، وليس فقط في قطاع غزة، وليس فقط في الآونة الأخيرة، ولكن منذ العام 1948 -استنادًا أيضًا إلى الأدلة التي قدمها كبار الجنرالات الإسرائيليين أنفسهم -قد يسمح لنا أخيرًا بجعل القانون الدولي وثيق الصلة بفلسطين. على مدى سنوات كثيرة، خذلت المؤسسات الرئيسية والمحاكم الكبرى الفلسطينيين، ووفرت لإسرائيل الحصانة، ويرجع ذلك أساسًا إلى ادعاء إسرائيل بأن لديها نظامًا قضائيًا مستقلاً وقويًا.
* * *
‏أكتب هذا المقال في 10 آذار (مارس) 2023. وفي مثل هذا التاريخ قبل خمسة وسبعين عامًا، نشرت القيادة العسكرية للقيادة الصهيونية في ذلك الحين “الخطة دالت”، أو “الخطة د”، التي، من بين مبادئ توجيهية أخرى، أصدرت تعليمات للقوات الصهيونية التي كانت في طريقها لاحتلال مئات القرى الفلسطينية والعديد من البلدات والأحياء في فلسطين التاريخية، بتنفيذ ما يلي:‏
‏”تدمير القرى (إشعال النار فيها، وتفجيرها، وزرع الألغام في الأنقاض)، وخاصة تلك المراكز السكانية التي تصعب السيطرة عليها بشكل مستمر”.‏
‏”تنفيذ عمليات البحث والسيطرة وفق الإرشادات الآتية: تطويق القرية وإجراء تفتيش داخلها. وفي حالة وجود مقاومة، يجب تدمير القوة المسلحة ويجب طرد السكان إلى خارج حدود الدولة”.‏
وأعطيت مبادئ توجيهية مماثلة للتعامل مع المناطق الحضرية. وكانت هذه نسخة أكثر ليونة من الأوامر الحقيقية التي أعطيت للوحدات على الأرض. وفيما يلي مثال على أمر أُرسل إلى وحدة أوكلت إليها مهمة احتلال ثلاث قرى كبيرة في الجليل الغربي كجزء من أوامر “الخطة د”:‏
‏”مهمتنا هي الهجوم لغرض الاحتلال… لقتل الرجال، وتدمير وإشعال النار في الكابري، وأم الفرج والنهر”.‏
‏وهكذا، لا يوجد شيء جديد عندما يدعو بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي، إلى محو بلدة حوارة. وقد اعتذر سموتريتش لأن مثل هذه التعليقات كان من المفترض أن تقال باللغة العبرية فقط، لكنه نسي أن هذا هو العام 2023، وأن كلماته ترجمت على الفور إلى اللغة الإنجليزية. وقد اعتذر سموتريتش لأن تصريحاته تُرجمت، وليس لأنه قالها.‏
فهم الباحثون الفلسطينيون في وقت مبكر جدًا أن الخطاب الصهيوني الذي يُنتج للاستهلاك المحلي يختلف كثيرًا عن الطريقة التي يُعرَض بها في الخارج. وقد استطاعوا أن يعثروا، هنا وهناك، على تعبيرات مماثلة، بل أسوأ، على طول مسار تاريخي يمتد من “الخطة د” إلى عمليات القتل اليومية الحالية للفلسطينيين، وهدم منازلهم وحرق محلاتهم وأعمالهم.‏
‏جلب وليد الخالدي إلى القارئ الإنجليزي مضمون “الخطة داليت”، ولفت إدوارد سعيد انتباهنا، في كتابه الأساسي “قضية فلسطين”، إلى مقابلة نشرت في العام 1978 في صحيفة إسرائيلية محلية، مع مردخاي غور، رئيس الأركان الإسرائيلي في ذلك الحين. وقد أجريت المقابلة في أعقاب الغزو الإسرائيلي الأول وغير الملحوظ إلى حد كبير للبنان في ذلك العام. وقال قائد الجيش الإسرائيلي في تلك المقابلة:‏
“أنا لست (واحدًا) من هؤلاء الأشخاص الذين لديهم ذاكرة انتقائية. هل تعتقد أنني أتظاهر بعدم معرفة ما فعلناه كل هذه السنوات؟ ما الذي فعلناه بالمناطق على طول قناة السويس؟ مليون ونصف المليون لاجئ!… لقد قصفنا الإسماعيلية، والسويس، وبورسعيد وبورفؤاد”.‏
‏وأنا متأكد من أن قلة قليلة من قرائنا يعرفون أن إسرائيل تسببت في محنة مليون ونصف المليون لاجئ مصري في أعقاب حرب حزيران (يونيو).‏
‏وبعد ذلك، سئل غور عما إذا كان يميز بين السكان العسكريين والمدنيين:‏
‏”من فضلك كن جادًا. ألم تعلم أن وادي الأردن بأكمله قد أُفرغ من سكانه نتيجة حرب الاستنزاف (مع الأردن)؟‏
‏وتابع الصحفي بسؤال: “إذن تزعم أنه يجب معاقبة السكان؟‏”.
‏”بالطبع. ولم يكن لدي أي شك في ذلك… لقد مر الآن 30 عامًا منذ وقت استقلالنا ونحن نقاتل ضد السكان المدنيين (العرب) الذين يقطنون القرى والبلدات…”.‏
‏كان ذلك في العام 1978، وكما نعلم، ما تزال هذه السياسة مستمرة حتى اليوم، مع معالم بارزة مروعة على الطريق، تشمل مجازر صبرا وشاتيلا وكفرقانا في لبنان، وجنين، وقطاع غزة. ومع ذلك، حتى عندما نظرتُ إلى تلك الفظائع، كما فعل آخرون أيضًا، فقد عرَّفناها، بشيء من العدالة، كعمليات تطهير عرقي؛ أو كما وصفها إدوارد سعيد، مشروع لمراكمة (الأرض والسلطة) وتهجير (الناس، وهويتهم، وتاريخهم).‏
‏وقد ترددت في استخدام مصطلح “الإبادة الجماعية” في كل هذه الفصول المظلمة. واستخدمته مرة واحدة، فقط عندما كنتُ أصف السياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة منذ العام 2006، قمت بتأطيرها على أنها إبادة جماعية تدريجية. وربما تبرر موجات القتل الأخيرة الجارية منذ بداية هذا العام، والاستفادة من لحظة تذكارية أخرى أيضًا، توسيع نطاق المصطلح ليشمل ما هو أبعد من الهجمات الإسرائيلية الفظيعة والحصار الذي تفرضه على قطاع غزة.‏
الوصل بين نقاط القتل بين فترة بضعة أشهر عندما يتم إطلاق النار على عدد قليل من الناس “فقط” يوميًا من جهة، والمذابح التي تمتد على مدى أكثر من 70 عامًا من جهة أخرى، هو شيء لا يتم قبوله بسهولة كدليل على سياسات الإبادة الجماعية.‏
ومع ذلك، فإن هذا التاريخ هو أصل الإبادة الجماعية وفقًا للمادة 2 من “اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”، والتي تنص على أن الأفعال الآتية، المدرجة أدناه، تعد إبادة جماعية إذا ارتكبت “بقصد تدمير، كليًا أو جزئيًا، مجموعة قومية، أو إثنية، أو عرقية أو دينية”:
1. قتل أعضاء المجموعة؛‏
2. التسبب في ضرر جسدي أو عقلي خطير لأعضاء المجموعة؛‏
3. تعمد إخضاع المجموعة لظروف معيشية يقصد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا؛‏
4. فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل المجموعة؛‏
5. نقل أطفال المجموعة قسرًا إلى مجموعة أخرى.‏
‏أنا متأكد من أن عددًا غير قليل من قرائنا سيتفاعلون بقول إنهم يعرفون أن هذه إبادة جماعية. ولكن لا أحد منا ممن هم جزء من فريق مجلة “ذا بالستاين كرونيكل”، وبشكل عام جزء من حركة التضامن مع الفلسطينيين، موجود هنا لوعظ المتحولين. كنا كلنا جزءًا من الجهد، بقيادة “حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات” (BDS)، لإقناع المجتمع المدني الدولي بتأطير إسرائيل كدولة فصل عنصري. وهذا ليس مجرد إنجاز، على الرغم من أن معظم حكومات العالم ما تزال ترفض أن تفعل ذلك. إنه مشروع جدير بالاهتمام لأنه عندما ينجح، سيؤدي إلى فرض عقوبات ذات معنى على إسرائيل.‏
‏وبالمثل، فإن الكشف الواضح جدًا عن سياسات الإبادة الجماعية الإسرائيلية في الضفة الغربية، وليس فقط في قطاع غزة، وليس فقط في الآونة الأخيرة، ولكن منذ العام 1948 -استنادًا أيضًا إلى الأدلة التي قدمها كبار الجنرالات الإسرائيليين أنفسهم- قد يسمح لنا أخيرًا بجعل القانون الدولي وثيق الصلة بفلسطين. على مدى سنوات، خذلت المؤسسات الرئيسية والمحاكم الكبرى الفلسطينيين، ووفرت لإسرائيل الحصانة، ويرجع ذلك أساسًا إلى الادعاء بأن لديها نظامًا قضائيًا مستقلاً وقويًا. وهو ادعاء لا أساس له من الصحة في أحسن الأوقات، وادعاء أصبح سخيفًا تمامًا الآن، بالنظر إلى الجهود التشريعية الأخيرة في إسرائيل.‏
‏وحتى لو كانت مؤسسات القانون الدولي أكثر صدقًا ونزاهة في دعمها للفلسطينيين، فإنها كانت ستجد صعوبة في تقديم القادة أو الجنود الإسرائيليين للمحاكمة على أساس اتهامات بالتطهير العرقي للفلسطينيين. فـ”التطهير العرقي” ليس مصطلحًا قانونيًا، بمعنى أنه لا يمكن تقديم مرتكبيه إلى العدالة بناء على هذا الادعاء المحدد؛ ولا يعترف به القانون الدولي كجريمة. وهذا واقع غير عادل وقد يتغير، لكنه الواقع الذي نحتاج إلى أن نأخذه في الحسبان. في الواقع، يعترف القانون الدولي بجريمة الفصل العنصري كجريمة ضد الإنسانية، ويمكن تقديم مرتكبيها إلى العدالة.‏
‏ومن المهم أيضاً التفكير في استخدام المصطلح لسبب إضافي. إن وجهة النظر الصهيونية الليبرالية الشائعة هي أن ما حدث في فلسطين هو ظلم صغير تم ارتكابه من أجل تصحيح ظلم أكثر فظاعة. وقد اقترن هذا التبرير السخيف مؤخرًا بتعريفات جديدة لإنكار الهولوكوست، والتي اعتمدتها العديد من البلدان والجامعات التي لا تسمح بأي مقارنة بين الهولوكوست والنكبة. وهي معادلة سيتم تأطيرها على أنها معاداة للسامية.‏
‏هذان الافتراضان خاطئان في شيئين. أولاً، ما يزال هذا الظلم “الصغير” مستمرًا. وما نزال نجهل مدى فظاعته في نهاية المطاف، ولكن ما نعرفه هو أنه ليس صغيرًا، وأنه ينطبق عليه تعريف الإبادة الجماعية.‏
ثانيًا، أن هذا ليس مقارنة بالهولوكوست. إنه إصرار على السماح باستمرار جريمة ضد الإنسانية، معرَّفة جيدًا في القانون الدولي. ولكي يتوقف ذلك، ربما لن يكون كافيًا الحديث عن الفصل العنصري والتطهير العرقي.‏
‏يمكننا، بل وينبغي لنا، أن نستخدم لغة أكثر وضوحًا ودقة، بالنظر إلى ما نراه يحدث يوميًا في الضفة الغربية والقدس، حيث معظم القتلى هم من الشباب والأطفال. وهذا ضروري أيضًا بالنظر إلى تشجيع الجريمة الجاري والمستمر في أحياء عرب 1948، الذين تسمح قوات الأمن الإسرائيلية في قراهم وبلداتهم للعصابات المحلية، الفلسطينية للأسف، بالقيام بعمليات القتل لصالح الدولة.‏
 
‏*إيلان بابيه Ilan Pappé: أستاذ في جامعة إكستر في المملكة المتحدة. كان سابًقا محاضرًا رفيعاً في العلوم السياسية في جامعة حيفا. وهو مؤلف كتب “التطهير العرقي في فلسطين”، و”الشرق الأوسط الحديث”، و”تاريخ فلسطين الحديثة: أرض واحدة وشعبان”، و”عشر أساطير عن إسرائيل”. يوصف بابيه بأنه واحد من “المؤرخين الجدد” في إسرائيل، الذين، منذ إصدار وثائق الحكومة البريطانية والإسرائيلية ذات الصلة في أوائل الثمانينيات، يعيدون كتابة تاريخ إنشاء إسرائيل في العام 1948.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Using the Right Language: The ‘Incremental Genocide’ of the Palestinians Continues