هآرتس
“لماذا يصعب جدا استيعاب أنه يوجد لمصوتي الليكود الشرقيين (ليس فقط لمصوتي الحزب من الاشكناز)”، تساءلت في الاسبوع الماضي ميراف الوش لبرون في مقال لها بعنوان “اسرائيل الثانية الايديولوجية” (“هآرتس”، 8/6). وبهذا فهي انتقدت التفسيرات البسيطة فيما يتعلق بتماهي مصوتي الليكود الشرقيين مع بنيامين نتنياهو، التي تم طرحها مؤخرا في الخطاب السياسي فيما يتعلق بالشرقيين. التفسير الاول هو التفسير الذي عرضه افيشاي بن حاييم الذي استل من المخزن القديم مفهوم “اسرائيل الثانية” الذي عفا عليه الزمن والذي كان سائدا في الاعلام الاسرائيلي في ستينيات القرن الماضي، الذي صمم على فرضه على الليكوديين الشرقيين ووصفهم بضحايا المؤسسة النخبوية، الذين يعتبرون نتنياهو سندهم في الضائقة. وهذا رغم أن الجمهور الشرقي بمعظمه هو من الطبقة الاسرائيلية الوسطى المزدهرة ويرى نفسه منذ سنوات كاسرائيل الاولى والحصرية والمهيمنة؛ التفسير الثاني هو لآفي دبوش الذي يعتقد أنه لو أن ميرتس فقط تخلى عن العلمانية الليبرالية التل ابيبية وتبنى بدلا منها القليل من التقاليد اليهودية لكان الليكوديون الشرقيون سيصوتون له.
إن استغراب الوش لبرون مبرر بدون ادنى شك. فهناك جزء غير بسيط من التعالي الاستشراقي في الميل في وصف المؤيدين الشرقيين لنتنياهو والليكود مثل قطيع لا يوجد له رؤيا فكرية، ويصوت حسب الحدس و/أو يسعى نحو رموز للشعبوية والتقليدية. ولكن ما هي هذه الايديولوجيا التي بسببها بقي الليكوديون الشرقيون مخلصين للحزب وزعيمه؟ وهذا الامر لا تكلف لبرون نفسها عناء شرحه، وهي تكتفي بذكر غامض بدرجة ما بشأن اهمية “الهوية اليهودية والقومية… في تجربة انتمائهم للاسرائيلية” (أو بلغة البروفيسور نسيم مزراحي “مشاعر يهودية”).
من الافضل التخلي عن الغموض الزائد ورؤية الامور على حقيقتها: البيبيون الشرقيون يرفعون بفخر راية الليكود لأنهم يؤيدون بثبات الحرمان الكامل للعرب الفلسطينيين من حقوقهم القومية بين النهر والبحر. ويؤيدون التقليص الكبير الممكن لحقوق العرب الاسرائيليين المدنية في دولة اسرائيل. وحسب رأيهم، الليكود برئاسة نتنياهو يدفع هذه المبادئ بالصورة الاكثر نجاعة. الرؤية الايديولوجية لليكوديين الشرقيين لا تختلف في جوهرها عن الرؤية القومية المناوئة للعرب للاشكناز القدامى أو الروس من اوساط مؤيدي الليكود الايديولوجيين.
مع ذلك، هذه الظاهرة في اوساط الليكوديين الشرقيين يوجد لها اسباب عميقة، تاريخية وثقافية، تميز بصورة واضحة هذا الجمهور. جذور هذه الاسباب ليس لها صلة بالمسيحانية الاستيطانية – والوش لبرون محقة عندما تؤكد على الضعف النسبي لأيديولوجية ارض اسرائيل الكاملة في اوساط الشرقيين في الليكود. هذه الجذور مغروسة في الماضي البعيد، في العهد الذي كان فيه مفهوم “اليهود العرب” غير موجود مثلما هو الآن من نصيب حفنة مثقفين شرقيين اسرائيليين يساريين، بل عكس بصورة صحيحة واقع المجتمع والثقافة اليومية للكثيرين جدا من اليهود الشرق الاوسط. ومثلما اظهر زملائي واصدقائي البروفيسور هيلل كوهين ود. افيغيل يعقوبسون ود. موشيه ناؤور في ابحاثهم التاريخية منذ مطلع الحركة الصهيونية، فان يهود المنطقة العربية الشرق اوسطية – منهم مواليد ارض اسرائيل والمهاجرون من الدول العربية الذين كانوا في معظمهم منغمسون بهذه الدرجة أو تلك في محيطهم الثقافي العربي – تم الاشتباه بهم من قبل الصهاينة الاشكناز بأن ولاءهم الداخلي هو للعرب اكثر من الصهيونية. “هؤلاء الناس (اليهود العرب) يعيشون بين ظهرانينا ولكنهم غرباء علينا… حيث أنك تشعر بأنهم قريبون من الموظف أو الأفندي العربي الذي جاء بالصدفة الى الموشاف اكثر من قربهم منا”، كتب في 1913 في صحيفة “العامل الشاب”.
شكوك واتهامات من هذا النوع بشأن القرب الزائد لليهود والصهاينة الشرقيين من الطرف العربي في الصراع القومي، استمرت في وجودها في الخطاب الاوروبي المركزي، سواء في فترة الانتداب أو في بداية ايام الدولة. في المقابل، ازاء هذا الخطاب فقد بذل اليهود الشرقيين قبل اقامة الدولة وبعدها جهود كبيرة من اجل التنصل من أي علاقة تربطهم بالفضاء الذي عاش فيه آباؤهم واجدادهم على مدى مئات السنين، وكي يثبتوا لاخوانهم الاشكناز بصورة لا تقبل الشك بأنه لم يبق لديهم أي شيء من الخلفية العربية الشرق اوسطية.
الكراهية الشديدة للعرب لدى عدد من الليكوديين الشرقيين والتي تجد احيانا تعبيرات محرجة ومضحكة الى حد ما مثل (“روحي الى غزة يا خائنة”، مثلما قالت ميري ريغف لحنين الزعبي، و “لوسي اهريش طورت روح يهودية من اجل المس بدولتنا، مثلما قال اورن حزان والحبل على الجرار) – ليست سوى النسخة الحديثة لنفس الكراهية الذاتية التي تطورت لدى اجزاء غير قليلة من المهاجرين من الدول الاسلامية بالنسبة لماضيهم الثقافي على خلفية المطالبة المستمرة لهم من جانب المؤسسة الصهيونية الاشكنازية من اجل اثبات اخلاصهم للصهيونية وابتعادهم عن العروبة.
بالنسبة لـ”اوروبيين لطفاء” مثل سارة نتنياهو وميري ريغف وليكوديين شرقيين امثالها، سيبقون دائما “عرب بدرجة ما”. ولكنهم لن يتخلوا في أي يوم عن الآمال العبثية في اقناع اخوانهم الاوروبيين بأنه لم يلتصق بهم أي شيء من الماضي العربي، ومن اجل تحقيق هذه الغاية سيكونون على استعداد لتبني الخطاب القومي المتطرف والملوث بالصيغة العنصرية الاوروبية.
بصورة مفارقة الى حد ما يجب الاعتراف بأن ما يشجع الآن بصورة غير مباشرة كراهية العرب من قبل اليهود الشرقيين هو خطاب الهويات الذي هدفه الاول كان، كما هو معروف، الاسهام في تعددية ثقافية وانفتاح على “الآخر”. وخلافا لأوهام ساذجة لعدد من اليساريين الشرقيين، فإن الخطاب المتعلق باليهود العرب ليس فقط أنه لا يفتح القلوب تجاه الآخر العربي لدى البيبيين الشرقيين، بل بالعكس، هو يثير لديهم درجة اكبر بكثير من العداء والكراهية للعرب – الذين بالمعنى العميق لم يتحولوا في أي يوم بالنسبة لهم الى “الآخر” تماما، بل دائما اعتبروا جزء منفي من “الأنا الشرقية”. بناء على ذلك، من المحزن والمؤلم، يبدو أن المفارقة الضرورية (لكن بالتأكيد ليست كافية)، لمحو المشاعر المعادية للعرب بين مؤيدي الليكود الشرقيين تكمن في النسيان التام للماضي العربي من قبل الشرقيين.