عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Sep-2025

لعل قطر تكون المنعطف*د. محمود عبابنة

 الغد

يقول الكاتب والمفكر الأميركي نعوم تشومسكي "الآن هناك دولتان مارقتان: الولايات المتحدة وإسرائيل تعتبران أن الشرعية والقانون الدولي تفاهة مملة لهذا تفعلان ما تهويان، وذلك مقبول". لكن ما يقوله العرب ودولهم بصوت خافت في الآونة الأخيرة فقط إن إسرائيل وحدها هي الدولة المارقة التي لا تحترم القوانين الدولية، وتقوم بالإبادة الجماعية على مرأى ومسمع من كل دول العالم، والآن وبعد القصف الجبان على الدوحه فإن السؤال المطروح هو: ما الذي يجعل دولة بحجم إسرائيل  تقوم بدور البلطجي المؤدب على أمة الأربعمائة مليون عربي، التي تمتلك أغلى الثرواث في العالم وتشرف على أهم الممرات البحرية، فلا نكاد نفيق من ضربة على الرأس في عاصمة عربية حتى نتلقى ضربة أخرى في عاصمة ثانية، ولا يخلو أسبوع دون سماع تقريع وشتم ووعيد من مجرم حرب يقوم بالتنفيذ اليومي للإبادة الجماعية على مدى سنتين تقريباً في قطاع غزة المنكوب. والكل يدرك الجواب ويتحدث به همساً، وربما شعار إيران الذي يصف الولايات المتحده بالشيطان الأكبر هو الجواب الذي يلتقي معه تشومسكي عندما وضع أميركا على أنها الدولة المارقة الأولى تم تتبعها اسرائيل.
 
 
قصف العاصمة القطرية الدوحة الحليف الاستراتيجي لأميركا كان بواسطة أحدث الطائرات الأميركية الصنع وبالقنابل التي لا تسلم إلا لإسرائيل وربما بإحداثيات من الأقمار الصناعية الأميركية أو من خلال الموساد الذي كان يحضر الى الدوحة بصفة مفاوضين لإطلاق سراح الرهائن، ومع ذلك لم نسمع إدانة ولو بلغة دبلوماسية لا من الرئيس ترامب ولا من وزير خارجيته ولا من الناطقة الرسمية للبيت الأبيض، وهؤلاء لا يحفلون لا بعتاب ولا برد فعل وحتى في مجلس الأمن لا يجاملون، فالويل كل الويل لكن من يتقدم لمجلس الأمن بشكوى، فإنه يتلقى تقريعا وبهدلة من مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن وما عليه إلا أن يردد الآية الصهيونية المقدسة " لإسرائيل حق الدفاع عن النفس" حتى لو قصفت إسرائيل العواصم العربية بالنووي.
كان من المتوقع أن تقصف إسرائيل أي عاصمة عربية فقد اعتدنا على قصف صنعاء، ودمشق، وبيروت وطهران وتونس، لكن الذي لم نتوقعه أن تقوم أميركا المارقة بغض الطرف ومباركة قصف دولة خليجية وأكثر من ذلك هي دولة  قطر التي صنفها الرئيس الأميركي السابق بايدن على أنها حليف استراتيجي من درجة خاصة على اثر ما قدمته دولة قطر من خدمات ومساعدة على اثر الانسحاب المخزي للقوات الأميركية من أفغانستان، فلم يشفع لدولة قطر نقل اكثر من 60 ألف أميركي من أفغانستان ولم يشفع لها ايضا حجم الاستثمارات القطرية التي أعلن عنها إبان زيارة ترامب للدوحة قبل عدة اشهر، لم يشفع لدولة قطر وجود قاعدة العيديد على الأراضي القطرية، ولم يشفع لها الدور الرائد التي تقوم به في حل النزاعات الدولية واستضافة أطراف النزاع، ما دام أن قطر بأميرها وحكومتها وشعبها يحملون البيرق العربي ويدعمون القضية الفلسطينية ويوفرون ملجأ لرجال المقاومة في حماس.   
هكذا كان الأمر، ومن يستمع لأقوال الرئيس ترامب لا يخرج إلا بنتيجة واحدة أن الضربة الإسرائيلية الغادرة الجبانة لم تكن لتحصل لولا موافقة ترامب المسبقة أو على الأقل العلم وغض الطرف، وما عدا ذلك فهو كذب ما بعده كذب ودليل ذلك أن ترامب لم ينبس ببنت شفة فيما يفيد إدانة الغارة الإسرائيلية، كل ما ردده انه يرغب باستعادة المخطوفين العشرين في حين لم يتطرق إلى مائتي ألف من القتلى والجرحى في غزة.
تاريخ الولايات المتحدة يشير إلى أن هناك سياسة ذات نهج ثابت لا يتغير بالاتفاقات وكلمات المجاملات، وخلاصته: عدم النظر إلى الشعوب الإسلامية أو العربية على قدم المساواة والتعامل مع هذه الدول يجب أن يتغلف بالمجاملة للحصول على ثرواتهم والتحكم بمقدراتهم وأن ما يرددونه عن الصداقة والتحالف الاستراتيجي ما هو إلا ضحك على اللحى، وهناك من اليمين المتصهين الاميركي كالسيناتور ليندسي غراهام الذي يعلنها حربا دينية وينادي بضرب غزه بالنووي. 
دولة قطر الدولة التي فرضت نفسها كدولة ناهضة وضربت مثلا في توظيف مقدراتها لخدمة شعبها واحتضنت بنجاح كأس العالم لكرة القدم، أصبحت في دائرة الاستهداف الأميركي المخفي والإسرائيلي المعلن، وقد آن الآوان لتصحو الأمة العربية الغارقة في سبات عميق وأن تراجع علاقتها مع حكومة اليمين الأميركي المتصهين التي تحتقر دولهم وشعوبهم ولا تفرق بين معتدل أو متطرف، ولا بين مسيحي ومسلم ولا بين شيعي وسني، اليمين الأميركي الذي عبر عنه السفير الأميركي في إسرائيل خير تعبير والذي وصف موقف بلاده في دعم الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في القطاع بأنها ليست موقفا جيوسياسيا بل هو موقف إلهي، وأن معركة إسرائيل هي معركة عمودية معركة بين الخير والشر، وبين العتمة والنور، وهو ما كان يردده مجرم الحرب نتنياهو، وهو بذلك يزاود على سموتيريش وبن غفير في كرهه وحقده على هذه الشعوب والدول التي تقدم لأميركا الطاعة والولاء ولا تأخذ إلا الصفع والإهانات.
ختاما، هل يكون ضرب الدوحة في قطر منعطفاً استثنائياً في وقف مسار الخنوع العربي، ألا تستحق قطر التي بذلت وساعدت ووقفت مع أمتها وقفة عز وشرف، لا نريد أن تتوجه الجيوش لمحاربة إسرائيل... فقط ليتم قطع العلاقات الدبلوماسية وسحب السفراء، ووقف التطبيع مع الدولة المارقة الثانية، أما المارقة الأولى فعلى مجلس التعاون الخليجي والعرب معه أن يشربوا حليب السباع ويتحدثوا بصراحة كأحرار مع الإدارة الأميركية وليس كعبيد ويضعوا النقاط على الحروف.