عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Aug-2020

ثقافة التفوق و”الأحقية” و”مباركة السماء”.. هكذا تصف إسرائيل حكمها العسكري ضد ملايين الفلسطينيين لأكثر من 53 سنة - بقلم: عميره هاس

 

كنت أنوي الكتابة بمباركة كل لكمة يوجهها شرطي يهودي لمتظاهر يهودي في شارع بلفور، ولكني تراجعت. يقف رجال الشرطة العنيفون على نفس التسلسل مع المغتصبين بشكل جماعي، ومع المغتصبين الأفراد الذين يمارسون التحرش الجنسي، ومع معلمات رياض الأطفال اللواتي يسئن للأطفال الصغار، ومع المتنمرين على وسائل التواصل الاجتماعي. ثم تراجعت لأن الحبكة الروائية في البحث عن جملة افتتاحية للمقال (“أبارك كل لكمة” أو ما شابه) لا تسري على كل حلقات السلسلة.
 
لهؤلاء صلاحيات، ويتحلون بقوة الذراع، ويستخدمون العنف للإضرار بالآخرين، والشعور بالقوة والتفوق، والتخويف والاسكات، والاستمتاع. الاستمتاع والرضا هما مكون مهم في إظهار التفوق، في عملية إيلام الآخر. العبارات الصادمة تشجع المظاهرات التلقائية ضد ثقافة الاغتصاب، والاستخفاف بأعمال الاغتصاب والتحرش، وإدانة وسائل الإعلام التي تدخل الشرطة إلى حالة دفاع. الصدمة تدل على صحة المجتمع.
 
أما من الجهة الأخرى، فثمة مفاجأة وصدمة من عنف الشرطة في بلفور. ولمزيد من الدقة.. هي أمر صادم، تظهر أن المجتمع في إسرائيل لا يدرك مدى غرقه عميقاً في ثقافة التفوق، والأحقية منذ الولادة، والحق من السماء لاستخدام القوة لتحقيق الرضا، والحصول على أصول وقوة عمل رخيصة ومطيعة. أو مرة أخرى.. إذا أردنا التدقيق، يعيش المجتمع في إسرائيل في نفي عن الوعي؛ فهو يرفض استيعاب أبعاد العنف الذي يقوم بتطويره. ونحن لا نقصد فقط عنف الشرطة ضد الفلسطينيين في شرقي القدس أو ضد الفلسطينيين من مواطني إسرائيل. 53 سنة من الحكم العسكري والشرطي والشاباكي لخمسة ملايين شخص تقريباً، هي بالضبط هكذا: عنف.. تفوق.. استمتاع بالعنف والتفوق. كل بلاطة في كل بيت، في كل مستوطنة، هي بالضبط هذا: عنف وقح، ومتواصل، تدافع عنه ألوية وأجيال من أولادنا المسلحين والمدللين صبح مساء.
 
في إطار الدفاع عن العقارات، يذهبون كل ليلة إلى تنفيذ اعتقالات، بما في ذلك اعتقال القاصرين.. يلقونهم على أرضية المركبة العسكرية ويكبلونهم ويعصبون عيونهم. في 50 في المئة من الحالات يقومون بضرب القاصرين، هنا صفعة وهنا ركلة وهنا دفعة… لأنهم يستطيعون.
 
افتحوا موقع “بتسيلم”، وقناة “تقارير”، وستجدون هناك عدداً من الأمثلة على الركلات والسخرية والمعاملة السيئة لأشخاص يرتدون الزي الرسمي. أجل، أعرف ذلك. لقد نجحت دعاية اليمين. وبالنسبة لكم، إن أي شهادة لعربي حول مهاجمة ضده ولم يوثقها فيلم كامل عن الحادثة من كل الزوايا ومرغوب فيه في الهاتف الذكي للجنود أنفسهم، تبدو غير مهمة. وبالمناسبة: هذا عنف أيضاً.. أن تصدق الحاكم صاحب القوة.. أن تصدق القوي-نحن.
 
مع ذلك، قد تكون اللكمة نفسها قد أيقظت شيئاً ما في جهاز النفي الجماعي، وسترون العلاقة التي بينه وبين العنف الروتيني للجنود، الذي تصل حفنة صغيرة منه إلى “بتسيلم”، ليس قتل وليس إصابة بالغة.. مجرد عنف عادي على هامش الطريق… لأنهم يستطيعون.
 
اقفزوا من هناك إلى موقع آخر للأشخاص الجيدين، لـ “يوجد حكم”، وستقرأون الإحصاءات: فاحتمال أن تقود شكوى قدمها فلسطيني لمحاكمة جندي على عنف مارسه ضده، هو 0.7 في المئة. وهل هناك حاجة إلى التذكير كم من المواطنين الاسرائيليين، اليهود، الذين يتعرضون للفلسطينيين ويمسون بحقولهم، هم في معظم الحالات محصنون ضد التحقيق الشرطي والتقديم للمحاكمة؟
 
من كانون الأول الماضي حتى 10 آب 2020 أحصت الأمم المتحدة 163 حالة مهاجمة من قبل اسرائيليين – يهود، جاءوا من مستوطنات ضد فلسطينيين، منها 49 مهاجمة جسدية انتهت بإصابة وكدمات، و114 مهاجمة ضد البساتين والمحاصيل والحقول وأملاك الآخرين. ماذا نسمي غض النظر الممنهج لهذه الهجمات إذا لم يكن صفعة يوجهها المجتمع الإسرائيلي مرة تلو الأخرى؟
 
 
هآرتس