عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Oct-2019

قبول الرأي الآخر.. ثقافة ”غائبة“ وسیطرة لفکر الإقصاء و“التخوین“
مجد جابر
عمان-الغد-  تتراجع ثقافة تقبل الرأي الآخر یوما بعد آخر في وقت ”یرفض“ بھ العدید من الأشخاص وجھات نظر أخرى إن كانت مغایرة أو مختلفة عن آرائھم، ولا تتماشى معھا. ولم تعد المشكلة فقط بتقبل الآراء عند اختلاف وجھات النظر، بل أصبح من ”یخالف“ یتعرض للھجوم والإقصاء، فضلا عن شن وابل من الاتھامات علیھ، ویصل الأمر إلى تخوینھ والتنمر علیھ والتقلیل من شأنھ. ووفق مختصین، فإن ھذا الأمر لا یتوقف فقط على اللقاءات والتجمعات بین الناس، بل یصل إلى منصات التواصل الاجتماعي التي عززت من غیاب ثقافة تقبل الرأي الآخر، وأصبحت مساحة لشن الحروب على من یخالف رأي المجموعة أو یقرر أن یعبر عن رأیھ ووجھة نظره كما یراھا ھو.
ومنذ بدء أزمة إضراب المعلمین الشھر الماضي والتي انتھت مؤخراً؛ اتضحت الصورة أكثر عن غیاب ھذه الثقافة وسیطرة الفكر ”الإقصائي“ وانقسام الناس، وما إن یقرر فیھا شخص التعبیر الحر عن وجھة نظره تجاه ھذه الأزمة وإن خالف رأي الأكثریة، حتى تبدأ ”الشتائم“ والعبارات التي تخونھ وتنتقص منھ وتقلل من شأنھ وتضطھده، فضلا عن إطلاق أوصاف سیئة قد تطالھ وتطال عائلتھ.
ھذه الأزمة الأخیرة أظھرت طریقة تفكیر الأشخاص والتعصب تجاه الآراء، رغم أن المطلوب ھو فقط ”أنت حر إن لم تتقبل رأیي لكن لا تھاجمني“!
وعلى مبدأ ”مش معي إذن أنت ضدي“، تحتد النقاشات وقد تتطور لمشاكل كبیرة بین الأشخاص، وخلافات شخصیة عمیقة لمجرد التعبیر عن الرأي الآخر.
ذلك الأمر لطالما استفز نھاد محمود، ففي اللحظة التي تشارك رأیھا بموضوع معین مخالف للطرف الآخر أو آراء المجموعة، حتى یتحول الأمر الى خلاف كبیر، على حد تعبیرھا.
كانت نھاد تعتقد أن ”الاختلاف في الرأي لا یفسد للود قضیة“ مقولة تنطبق على الجمیع، غیر أنھا اكتشفت العكس تماما، خصوصا عندما قررت مشاركة رأیھا في قضیة المعلمین الأخیرة، فخاضت نقاشات مع أشخاص لا یدركون أبداً معنى ثقافة احترام الرأي الآخر أو أنھ مھما احتد النقاش لا ینبغي أن یؤثر على العلاقة الشخصیة بین الطرفین.
وبعد مواقف صعبة عدة، تعرض لھا إبراھیم علي بسبب كتابة رأیھ بالعدید من المواضیع العامة، اتخذ قرارا بعدم الدخول في نقاش مع أي شخص مھما كانت الأسباب، خصوصا على منصات التواصل، والسبب أنھ مدرك تماماً أن العدیدین لا یتقنون الحوار ”بأدب“، ولا الاستماع للآخر واحترامھ، مبیناً أن البعض یعتقد أنھ مخالفتھ في الرأي تعني أنك أخطأت بحقھ شخصیاً.
ویضیف أنھ لاحظ ذلك أیضا على مواقع التواصل الاجتماعي، فبمجرد أن یشارك رأیھ المختلف على أحد منشورات الأصدقاء حتى یتطور الأمر لنقاش حاد ویتفاجأ بأن الشخص قام بحذفھ من قائمة الأصدقاء.
وبھذا الخصوص، یشیر عمید كلیة الإعلام في جامعة البترا الدكتور تیسیر أبو عرجة، إلى أن ثقافة تقبل الرأي الآخر للأسف أمر ”لم نعتد علیھ“ ولیس لدینا ھذا الإرث في تقبلھ وقبولھ، مبینا أن غیاب الحیاة الحزبیة أسھم أكثر بغیاب تقبل الرأي الآخر، الى جانب العامل التربوي وعدم تفعیلھ بتعلم ھذه الثقافة.
ویلفت الى أن الأمر لیس ثقافة عامة بقدر ما ھو ثقافة شخصیة؛ أي أن النظام الأبوي العربي، ھل سمح لنا بتقبل الرأي الآخر واحترامھ؟
ویبین أبو عرجة أن منصات التواصل الاجتماعي، التي كان متوقعا منھا أن تزید المعرفة وتوسع الآفاق، جاءت للأسف لتعاكس ذلك، وزادت من ”التشدد“ بالآراء ورفض الآخر.
ووفق أبوعرجة، ھنالك عوامل نفسیة اجتماعیة تسھم في ذلك، إضافة الى التربیة الشخصیة للفرد، مؤكدا ضرورة تعمیم فكرة تقبل الرأي الآخر لدى أصحاب الفكر، والبدء من المدارس وكل الوسائل القادرة على التأثیر.
ویذھب الاختصاصي الاجتماعي الدكتور حسین الخزاعي إلى أن ھذه الظاھرة، للأسف، انتشرت بكثرة في الآونة الأخیرة، خصوصا و“أننا نفتقر لثقافة التنازل واحترام الرأي الآخر“، مبینا أن البعض یعتبر عدم تأیید رأیھ وقبولھ ”ھزیمة وانكسارا“.
ویشیر الى أن التنشئة الاجتماعیة سبب في ذلك؛ إذ إن الكثیر من الآباء یظھرون أمام الأبناء طریقتھم في عدم احترام رأي الطرف الثاني المخالف لرأیھم، وبالتالي یتعلم الأبناء ذلك منذ الصغر.
ویعتبر الخزاعي أیضا أن سھولة الحصول على المعلومة، جعلت كل شخص یعتقد أنھ صاحب الرأي الأصح والأھم، وعلى الجمیع الاستماع لھ.
ویضیف الخزاعي أن مواقع التواصل فتحت المجال لانتشار ھذه الظاھرة، فكل شخص یشعر أن لدیھ منبرا یستطیع أن ینظر من خلالھ من دون أن یتقبل رأي الطرف الآخر، فضلا عن ثقافة ”الأنا“ لدیھ والغرور وعدم إعطاء الآخرین فرصة للتعبیر عن أرائھم واحترامھا.
ویذھب الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة، إلى أن المجتمع الفردي المنغلق والقائم على ”الأنا“، جعل الشخص یعتقد أن لا أحد غیره یحق لھ فرض الرأي، فیغتال شخصیة الآخر، ویسعى للھیمنة علیھ في حال ناقشھ أو حاوره وقد یصبحان عدوین.
ویشیر الى أن ذلك یلغي الحوار وأھمیتھ، وفن الاستماع للآخر، حتى وإن اختلفت معھ، مبینا أن الأصل ھو احترام الرأي، وبناء ثقافة حوار قائمة على معطیات وأسس فكریة، فالاختلاف لا یفسد في الود قضیة.
إلى ذلك، لا بد من تقبل الآخر وشخصیتھ وتجاوز الانغلاق الذاتي والأنانیة، والتقوقع حول الفكر، والعمل على الانفتاح حول الآخرین وتقبل أي نقد بصدر رحب بدون الدخول في تحد بأن یقتنع الشخص أو لا. ویعتقد مطارنة بأننا نفتقد لھذه الثقافة ولا بد من التدرب علیھا وتوعیة جمیع الفئات بدءا من البیت والمدرسة والجامعة، وإدراك أن لكل إنسان شخصیتھ ومبادئھ وأن الحیاة لیست لنا وحدنا.