بعد اغتيال هنية وشكر.. هل اقتربت الحرب الشاملة؟
الغد- زايد الدخيل
فيما رفع اغتيال الاحتلال الصهيوني كلا من رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس) إسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية طهران، والقيادي في حزب الله اللبناني فؤاد شكر في غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت أول من أمس، منسوبَ التوتر في المنطقة إلى نحو غير مسبوق، تثور أسئلة حول ما إذا كان هذا التصعيد ينذر بحرب شاملة باتت على الأبواب، أم إن قواعد الاشتباك ستظل حاكمة مجريات الصراع في المنطقة.
وفي هذا السياق يرجح مراقبون أن المنطقة تسير بخطى متسارعة نحو الانزلاق بصورة منتظمة وخارج قواعد الاشتباك المؤطرة لمسارات الصراع خلال الشهور الأخيرة.
وتحمل الضربة التي تلقتها طهران في أقل من اثنتي عشرة ساعة من اغتيال الشخص الأول في التراتبية العسكرية لحزب الله فؤاد شكر تناقضات وارتباكات عميقة لمحور طهران وحلفائها، حول ردود الفعل المناسبة والملائمة لما حدث.
وفي هذا الصدد، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة العلوم التطبيقية الدكتور خالد شنيكات، أن اغتيال هنية يمثل استمرارا لسياسة الاغتيال التي يمارسها الاحتلال تقليديا في علاقته مع قيادات المقاومة الفلسطينية، سيما وأنه نفذ العديد من عمليات الاغتيال طوال العقود الماضية ضمن إستراتيجية ما يسمى "جز العشب".
وتابع شنيكات: "هذه الإستراتيجية لم تحقق النجاح المطلوب وفق رؤية تاريخية والتمحص في استخدامها، لأنها تولد قادة يكونون أكثر صلابة في مقاومة الاحتلال، في حين تقفز سياسة الاغتيال هذه عن البحث في جذور المشكلة وهي الاحتلال نفسه، وتحاول قتل القادة على أمل أن يؤدي ذلك إلى إشاعة اليأس والقنوط لدى هذه الفصائل والقبول بالهزيمة والاستسلام".
وتوقع بعد عملية الاغتيال التي تمثل تصعيدا خطرا أن ترد فصائل المقاومة الفلسطينية، وكذلك إيران بشكل خاص، كونها معنية لأن العملية تمت على أراضيها وفي قلب عاصمتها.
وقال: "لكن من غير الواضح إذا كانت عملية الثأر كما تسميها إيران ستتخذ طابع الهجوم العسكري الواسع عبر طيران مسير وصواريخ، أم بعمليات اغتيال محدودة من دون الانجرار لمواجهة عسكرية مباشرة وشاملة، وأقصد هنا المواجهة البرية".
وتابع: "من المتوقع أن تتوقف عملية المفاوضات ولو مؤقتا، وواضح أن سلطات الاحتلال ذاهبة إلى المعركة حتى النهاية، ومن المحتمل أن يصبح التدخل الإيراني أوضح وأكثر انخراطا في الأحداث، خاصة وأن عملية الاغتيال تمت على الأراضي الإيرانية، وهو ما يعد انتهاكا صارخا للسيادة، وبالتالي فإن إيران ملزمة بالرد".
واستدرك شنيكات: "لكن الرد، من وجهة نظري، لن يذهب إلى حرب شاملة، وربما يتم الرد الإيراني من خلال حزب الله، لا سيما وأن الحزب اغتيلت منه شخصية قيادية كبيرة أيضا".
وأضاف: "من المتوقع أن يبقي الاحتلال على سياسة الاغتيالات بدون الانخراط في مواجهات برية، خاصة في لبنان، وهي السياسة الرامية إلى تصفية قيادات المقاومة الفلسطينية واللبنانية، أملا في أن يولد ذلك صورة النصر المنشودة".
من جهته، قال الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبوزيد إن على كيان الاحتلال إعادة حساباته في ما يتعلق بسياسة الاغتيالات، وهي اللعبة التي يتقنها، حيث يأتي اغتيال إسماعيل هنية في إطار محاولات تصفية الحسابات مع المقاومة في غزة، والثأر من حجم الخسائر التي تعرض لها الكيان لأول مرة في تاريخه.
وأشار أبو زيد إلى أن هناك خرقا أمنيا واضحا منح استخبارات الاحتلال القدرة على الوصول إلى قيادي سياسي في حركة حماس بهذا الوزن، ويبدو أن الاختراق حصل ليس في طهران بل خارجها، وتم تتبع هنية من الأجهزة الاستخباراتية لإيجاد فرصة الاغتيال، إلى أن وجدت تل أبيب تلك الفرصة بوجود هنية في طهران.
واعتبر أبو زيد أن المقاومة لا تتجسد بشخصية بعينها مهما كبر وزنها، لكنها أيديولوجية مستمرة مع الأجيال، مشيرا إلى أن هنية يعتبر القيادي السياسي رقم 10 الذي يتم اغتياله على يد الاحتلال، من دون أن تتأثر المقاومة.
بدوره، يقول المحلل السياسي الدكتور صدام الحجاحجة، إن دلالة واقعة اغتيال إسماعيل هنية بالغة الحساسية، كونها طالت قياديا بحركة حماس، فضلا عن وقوع عملية الاغتيال في إيران، ما يعني وقوعها في خانة ضرورة الرد على تلك العملية.
وتابع الحجاحجة: "الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان الذي استقبل هنية قبل ساعات قليلة من اغتياله، أمسى هو الآخر على المحك في مطلع تجربته الرئاسية، وربما عبر تلك الواقعة سيدرك الجميع حقيقة الحدود العلائقية بينه وبين مؤسسات المرشد الأعلى للجمهورية، وكيف سيصوغ المساحات الضيقة والمرتبكة التي تضمن له عتبة السلامة من تلك الحادثة".
واستبعد اتساع نطاق الحرب بسبب اغتيال هنية، متوقعا أن يرد حزب الله على اغتيال شكر من خلال عمليات جديدة على الجبهة الشمالية.
وتابع: "اغتيال هنية سيعقّد مسيرة المفاوضات الإيرانية - الأميركية، خاصة أن الرئيس الإيراني بزشكيان وضع تلك المسألة كأولوية مركزية في برنامجه الانتخابي وفي فترته الرئاسية التي ستنتهي عام 2028، كما أنه سيعقّد مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة".