عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Jul-2019

عشرات الضحايا خلف جدران الصمت.. تـنمر ذكوري ومفاهيم مشوهة تحول أزواجًـا وأشـقـــاء لوحــوش

 

عمان -الدستور - تحقيق جلال أبو صالح - ثلاثة أشهر مرت، لم تكن كافية لأن تنسى «عبير» ذات الـ«24» ربيعاً، ليلة وصولها إلى طوارئ مستشفى خاص في العاصمة عمان، بعد تعرضها للضرب على يد شقيقها الأصغر.
دخلت عبير (اسم مستعار) المستشفى 4 أيام، ولا تزال تحمل ذكرى «الواقعة الأليمة»، بعد أن تسبب لها ضرب شقيقها بكسور في مختلف مناطق الجسم، لتحرمها هذه الإصابات، لأكثر من أسبوعين، الخروج من المنزل والتواصل مع صديقاتها وجيرانها.   
تحت مفاهيم خاطئة؛ أساسها الجهل والتعصب والدخول في مرحلة من التنمر والتطرف تحت غلاف «ثقافة مجتمعية طارئة ومزيفة» بشكل مفاجئ، تحيل عبير «السبب المباشر» لضربها وتعنيفها وقتذاك. 
الأيام تُنسي الأوجاع! لكن عند عبير الأمر مختلف تماماً، فبعد أن تشير بيدها- دلالة الماضي، تستذكر قصتها مع شقيقها المُثقل، بحسبها، في مشاكل نفسية ووجودية واجتماعية جعلته يذهب باتجاه غير واضحة معالمه، ويبرم «صفقة مربحة»، ظنها تجدد عهده مع الحياة الدنيا، لكنها «عادت عليها بالضرر الكبير»، حسبما تروي عبير قصتها لـ«الدستور».
«اذكر جيدا يوم ضربني بقوة، اقعد البيت على رأسي، كان في حالة هستيرية بشعة، كأن يوم القيامة قد حان موعده، لم أكن أعرف ماذا يبتغي.. مرة يقول ليّ حجابك غير مناسب وملابسك فاحشة.. ومرة أنتِ لستِ مهذبة وممشاكِ عاطل يا بنت...»، تقول عبير. 
وصول شقيق عبير إلى هذه الحالة الغريبة، وما رافقها من سلوكيات عنيفة وغاضبة، لم تسعف العائلة بمحاولاتها المتكررة الى وقف التعرض لها وضربها على هذا النحو، لتتدخل إدارة حماية الأسرة التي أوقفته عند حده وقتها، واحالته للقضاء، ليجد نفسه سجينا محكوما بـ3 أشهر.
انتهاكات واسعة النطاق، تطال نساء وفتيات وأبناء، على حد سواء، أبطالها أشقاء وأزواج وآباء، اعماهم تطرف فكري وتسلحوا جميعهم بمفاهيم مشوهة، وتقاليد موروثة، لكنها بأساسها عكست انفجارا لعقد وتأزيم نفسي وفكري ليخلفوا وراءهم خسائر مجتمعية وأسرية وعائلية لا تحمد عقباها.
وعبير ليست الوحيدة التي تعرضت للتعنيف والضرب، فهي واحدة من بين حالات عديدة التقاهم (مُعد التحقيق)، واحتضنتهم حماية الاسرة واعادت تأهليهن ورعايتهن بعد اصابتهن بأضرار نفسية وجسدية كبيرة. 
مديرية الأمن العام، أعدت العام الماضي تقريراً، نشرته مؤخراً، تضمن «استقبال حماية الأسرة الفي حالة وقضية خلال العام 2018، ونحو 16.9 % حالة بعثت الى الحكام الإداريين، فيما شكلت قضايا الاعتداءات الجسدية 22.3 %من مجموع الشكاوى والحالات الواردة للإدارة».
افتقار الى النضج وتناقل افكار خاطئة هي اسباب أجمعت عليها اراء حقوقيين وباحثين واجتماعيين، في البحث عن «مربط الفرس»- كما يقال- لوصول شقيق عبير إلى الحالة، مع تأكيداتهم أن ترسخ عادات سلبية في المجتمع «عفا عليها الدهر وشرب»، افرزت هذا الكم الهائل من الأفكار الترهيبية، بدلاً من الترغيب والتحبب.
فتيل الأزمة يشتعل
الضياع الذي حل بشقيقها، كان يؤرق عبير ويبعث في نفسها الحزن والكدر، خصوصا أنه «بدأ مواله هذا»، بعد أن تعرف على شبان من جيله يدعون أنهم يحملون أفكاراً حديثة، قادرين بواسطتها تسيير المجتمع، على حد زعمها.
«أثناء دراسته الجامعية كان مشحوناً ومنجذباً لبعض الأفكار، لم نكن نحس عليه في بداية الأمر، ولا على معرفة تامة بمن وراءها، ومن يحركه بهذا الشكل المخيف والجديد علينا.. كانت أفكاره وطلباته كثيرة، مجملها، حول اللباس المحتشم والتربية والابتعاد كلياً عن استكمال الدراسة الجامعية، والتزام البيت حتى يأتي فرج الله...»، وفقاً لعبير.
طباع أخيها أخذت تختلف وتتغير، بحسب عبير، كلما هم بزيارة صديق له، بمثل عمره تقريبا، ومقرب منه كثيراً، لينجح هذا الأخير، بعد تخرجهما في الجامعة، أن يعرفه على «مجموعة» نجحوا في تغيير أفكاره ومعتقداته، وأفرغوه من التفكير والتعقل البراءة، حسبما تقول.
ما هي حكاية عبير وشقيقها؟ تشرح «حاول في كثير من الأوقات إجباري، رغما عنيّ، لأن ارتدي عباءة، بحجة أن ملابسي الحالية وإن كانت طويلة تبعدني عن الطريق المستقيم.. كلامه طبعاً، كان يتكرر في كل ساعة، وفي كل مناسبة، وحتى بدون مناسبة». 
وتابعت «يا ريت وقفت الأمور عند هذا الحد من التعنيف، فوصل الأمر به لضربي وإيذائي بشكل غير مقبول.. حتى أن تدخلات والدي وأمي والجيران أحيانا لم تنجح أبدا في تهدئته وإبعاده عني».
متطلبات شقيق عبير المتكررة والدائمة، أدت إلى اشتعال «فتيل» أزمة عائلية، رغم جميع المحاولات والتدخلات، التي لم تشفع لعبير العيش بكرامة وهدوء وأمان، بعد أن حصل لها ما حصل، حتى قررت وأهلها، وبعد تفكير طويل، اللجوء إلى القضاء و»التخلص من هذه الورطة»، وفقاً لعبير. 
هوس وأفكار
هوس هؤلاء الشبان، وتعلقهم وبشكل سريع ومفاجئ، بأفكار ومعتقدات، تكون في كثير من الأحيان مضرة وغير نافعة، تتسبب في حالات عنف وتعصب وكراهية ورفض للآخر، يحيله أستاذ الشريعة والدراسات الإسلامية د. منذر زيتون إلى حالة «الإفراغ الشمولي» التي تعمل عليها جهات معروفة وغير معروفة، ظناً منهم، أن هذا الإفراغ قد «يفرمل» طاقات الشباب. 
وبحسبه، فإن الفراغ أو الخواء أكبر عدوين للإنسان والأوطان، على حد سواء، مؤكداً أن الإنسان الفارغ الذي لا يشغله هموم ولا ينميه فكرًا؛ كالريشة التي لا وزن لها، يحملها الريح حيثما يشاء.
ويؤكد زيتون أن الدين يقوم على «الإقناع لا على الإخضاع»، ولا ينبغي لأحد أن يفرض سطوته أو فكره على غيره، وإنما الأمور تؤخذ بالحوار والمجادلة الحسنة وتبادل الآراء، لافتا إلى أن إقناع الآخرين بالدين يتمثل بالعمل بجوهر الدين من حيث التسامح والعدل والمحبة. 
ولاحظ زيتون أن أقصر الطرق لحماية الشباب، العمل على إنضاجهم فكرياً وعلمياً وجعلهم جزءاً من قضايا وطنهم وأمتهم، وإعطائهم الثقة بقدراتهم واستغلالهم فيما يرغبون ويميلون، والتوقف عن التعامل مع الناس كمتهمين ومشكوك فيهم، إلى جانب أهمية إرساء قيم العدل والكرامة والاحترام.
كل ذلك، يضع الأفراد خصوصاً الشباب في حالة من «الضياع والشرود الذهني»، فإذا ما وجدوا فكرة جادة أو دعوة صريحة استجابوا إليها ولو كانت في حقيقتها مجرد خرافة أو كذبة، فيجعلهم هذا كله صيداً سهلاً لكل داع وناعق، يقول زيتون.
زيتون يرى أن «غيرة» الأهل على بناتهم وأبنائهم، في حين ساروا في مسار غير مرض لهم، ناتجة عن التجهيل العلمي والتعتيم الفكري، وهم يستحقون بدل العقاب التوعية وبيان الحق والأخذ بالرفق، بعيداً عن ممارسة العنف. 
«من ليس معي فهو عدويّ»
الاستشاري النفسي والتربوي د. موسى مطر، يرى أن التفكير السلبي وتوليده لدى البعض، يحدث عبر استغلال حالة الفرد أو الإنسان عندما يكون في حالة ضعف، لافتا إلى أن الجهات التي تستغل هذه الحالة يجدون ممراً يعبرون من خلاله إلى دماغ الافراد وزراعة أفكار جديدة بمفاهيم خاطئة. 
وبحسبه، يستخدم هؤلاء بعض الأساليب الترهيبية لاستقطاب الشباب والشابات، ليدخلوا بعدها في حالة «ولاء مطلق» للأفكار المتطرفة والخارجة عن الإطار الثقافي والديني والاجتماعي بحيث يصبح لديهم رؤى خاصة فيهم، مضمونها «من ليس معي فهو عدويّ».
يضيف مطر «عندما تتمكن أية جهة كانت، من الدخول إلى عقول البشر والتلاعب بها وتجريدها من الآراء الخاصة، من المتوقع أن ترى مثل هذه العدوانية المقيتة، بل ونتوقع مزيداً من الانفجارات الفكرية التي تشكلت من خلال أساليب تعليمية خاطئة، وأفكار مؤذية تؤذي أصحابها أولاً قبل المحيطين بهم». قانونياً، أعتبر المحامي معاذ المومني، في رده على استفسارات  أن الضرب (الايذاء) بصفة عامة يعاقب عليه القانون الأردني، وقد ينتقل من كونه جنحة إلى جناية في بعض الأحيان. 
وحسب المومني، تنص المادة (333) من قانون العقوبات أن «كل من يقدم قصدا على ضرب شخص أو جرحه أو إيذائه بأي فعل مؤثر من وسائل العنف والاعتداء نجم عنه مرض أو تعطيل عن العمل مده تزيد على 20 يوماً عوقب بالحبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات». 
ماذا عن العنف ضد المرأة؟
وفق الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1993، في مادته الأولى، فقد جاء تعريف العنف ضد المرأة بأنه: «أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عنه أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة».
وتشير التقديرات الأممية، إلى أن واحدة من كل ثلاث نساء وفتيات تتعرض للعنف الجسدي أو الجنسي خلال حياتهن، فيما صنفت الأمم المتحدة العنف ضد المرأة بـ «السرطان»، بخلاف العديد من الأمراض التي قد تنجم عنه وتفوق في خطورتها الأمراض الأخرى الأكثر إيلامًا.
عربياً، كان الوجود العربي في ملف العنف ضد المرأة حاضرًا وبقوة، إذ تشير الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن 37 % من النساء العربيات تعرضن لأحد أنواع العنف، فيما تعرض 35.4 % من المتزوجات إلى عنف جسدي وجنسي من الزوج.
ورغم إقرار عدد من الدول العربية قوانين مكافحة العنف الأسري، فإن هناك دولًا لا تزال تحتفظ بقوانين تسمح للمعتدين بالإفلات من العقاب.