عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Aug-2019

الرسول ومهمة التبيين - د. محمد الفقيه
 
الدستور -من الأسئلة الملحة والتي لا يمكن تجاوزها والمتعلقة بمهمات الرسول صلى الله عليه وسلم، السؤال الآتي:
هل من مهمات الرسول صلى الله عليه وسلم تفسير وتبيين القرآن الكريم؟
وإذا كانت الإجابة بالإيجاب فأين تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لمئات الآيات من كتاب الله، والتي خاض بتفسيرها المفسرون واختلفوا، فاختلفت الأمة بسببهم فكريا وتشريعيا وعقائدا؟
للإجابة عن هذا السؤال المركزي لا بد من الرجوع الى كتاب الله الذي هو تبيانا لكل شيء .
والمتأمل لكتاب الله يقرأ بوضوح أن الله تعالى يصف كتابه بأنه كتاب مبين، قال تعالى : الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ / الحجر (1) .
وقال تعالى : طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ / النمل (1)
قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ / المائدة (15)
وكذلك وصف الحق عز وجل آياته بأنها مفصلة فقال تعالى : وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ / الأعراف (52)
وقال تعالى : وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا / الإسراء (12)
قال تعالى : وَكَذَلكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ / الأنعام (55)
قال تعالى : وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ / الأنعام (98)
قال تعالى : وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ / الأنعام (126).
فهذه الآيات وغيرها المئات من الآيات القرآنية تبين وبشكل لا يقبل الشك، أن الله تعالى قد بين آياته وفصلها لنا حتى لا يكون للناس حجة على الله يوم القيامة .
وهناك بعض الآيات القرآنية والتي نسبت البيان للرسل أو للذين يحملون رسالة الله والتي يتوهم قارئها أن مهمة البيان والتوضيح والتفسير للرسل أو للذين يحملون رسالة الله، ولكن المتأمل لهذه الآيات بتمعن يدرك بكل وضوح أن كلمة لتبيننه وكلمة يبين، جاءت مقابلة لكلمة تكتمونه، كقوله تعالى : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ/ آل عمران (187).
فالمقصود ب لتبيننه هنا : لتظهروه وتكشفوه وتعلموا الناس به، ولم تأت بمعنى التفسير والتوضيح والشرح كما ذهب الكثير من المفسرين، وكذلك في قوله تعالى :يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ / المائدة (15)
فالآية الكريمة صريحة بأن مهمة الرسول إعلام وكشف وإظهار آيات الله الواردة في القرآن الكريم، والتي تكشف ما كان يُخفي أهل الكتاب مما أُنزل عليهم من الآيات، وكذلك قوله تعالى : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ / المائدة (19) 
وكذلك قوله تعالى : لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ / النحل (39). يبين بمعنى لِيُعلم وليظهر، أي إظهار آيات الله وإعلام الناس بها، لتكشف ما كان يخفي أهل الكتاب من كتبهم،
وكذلك قوله تعالى :إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ / البقرة (159)، فالبيان والتبيين في كتاب الله يأتي مقابل الكتمان والإخفاء،
وكذلك قوله تعالى : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ/ آل عمران (187)
لتبيننه مقابل تكتمونه، أي بمعنى الكشف والإظهار والإعلام، ولا تعني لا من قريب أو بعيد أن مهمة الرسل الشرح والتفسير والتوضيح، فكتاب الله تعالى بين ومبين ومفصل، ولقد حسم القرآن الكريم هذه القضية بشكل واضح وجلي بقوله تعالى : ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ / القيامة (19)
فبيان كتاب الله مهمة الهية وليست مهمة بشرية .
ولقد نزلت الكثير من الآيات القرآنية على خاتم الأنبياء والمرسلين بقصد إظهار وكشف ما أخفاه أهل الكتاب من كتبهم، وبقصد بيان ما اختلفوا فيه من العقائد والأحكام، قال تعالى :وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ / النحل (64).
وبناء على ما سبق فليس من مهمات النبي صلى الله عليه وسلم أن يفسر وأن يشرح كتاب الله، فآيات الله بينه وواضحة ومفصلة، ومهمة الرسول الأساسية هي البلاغ المبين، والتطبيق لما أنزل إليه من ربه تحت رعاية وإشراف الوحي الإلهي، هذا فيما يتعلق بالأمور الدينية، أما في القضايا الإدارية والتي لم ينزل فيها وحي الهي، فهي أمور اجتهادية ومتغيرة من زمان الى زمان، ومن مكان الى مكان فيبقى باب الاجتهاد فيها مفتوحا.