عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Feb-2020

حارات منسية.. راديو ابو غالب

الراي - خالد قوقزة - في حاراتنا المنسية، كان للراديو والذي دخل عليها متاخرا، شأن كبير، وكان وكانه أداة سحرية، فكيف لصندوق خشبي مزخرف، يتسع لأولئك الذين يقرأون نشرات الأخبار، ولأولئك الذين يعزفون الموسيقى بكافة ادواتها، ويغنون تلك الاغاني الجميلة كمحمد عبدالمطلب، وسيد درويش، ونجاح سلام وام كلثوم، واسمهان، وفريد وتوفيق النمري وغيرهم؟!! فكان الكثير من ابناء الحارات لا يكادون يصدقون ما يسمعون من هذا الجهاز العجيب الرهيب. وكانت نساء الحارة ينظرن اليه على انه.. هِجنِة.. وضرب من الخيال، بل واكثرهن كْنّ يبتعدن عنه خجلا وخوفا من ان يراهن من بِداخله، وبعضهن يقول ان الذي صنع هذه الٱلة قد لا يكون من البشر.

هذا أبو غالب من رجال الحارة المقتدرين.. زَنقيل ومتَنًغِر ويلعب بالنيرات لعب... (بالطبع أبو غالب كان من الزناقيل لانه كان يملك ما يقارب مايتي دينار) حصل على موافقة الحكومة وإشترى راديو يعمل على البطاريات من عمان بسعر.. نيرة ونص.. وأحضره لمنزله الطابقين.. العُلّية...والتي كانت تتميز بلكونتها المطلة على ذلك الشارع الذي لا زال ترابيا.. طين بالشتوية وعَجِّة صيفا ولم يحظى.. بالرَصفة والزفتة الإنجليزية... وقد سمع به الأقارب والمعارف، فذهبوا اليه ليس حباً بتقديم التهاني، بل لرؤية هذا.. الساحر.. وسماع صوت مَن فيه.
ابو فلاح وابو عودة وابو مصطفى وهويشان الراعي يجلسون وقت الضحى.. قُدّام تُكّانة ابو عيسى التُكّنجي. فيحضر غالب إبن ابو غالب فيقول لابي عيسى: عمّوه أبوي ودّاني عليك وبيقول ليك بده.. سطلية إعقال الشايب، ونُصّية هرايس، ورطل چعيچبان... يتنَطح له ابو عواد ويبادره بسؤال فضولي: شوه عَمّوه كأنه عندكوا الشلبي وبدكوا إتطهروا أخوك الزغير. فيقول غالب: لا واالله عمّوه أخوي بعده إزغير عالطهور. هاظ العُقبَة عندك أبوي إمبارح أجى من عمان وجاب معاه راديو، وبقول ليكوا تفضلوا لعنده الليلة مساويات إتحلوا. يسأل هويشان وشو يعني رادو (راديو)؟! يقول غالب: عمّوه هاظ بده شرح كثير! أنت تعال وشوف بعينك واسمع بإذنك.
قبل الغياب قام ابو فلاح بأدخال الطرشات للخان وعلّفهن، وقام أبو عودة وبَيّت الفدان، وهويشان فَوّت المعزى عالصيرة وحلبهن، وابو عيسى سكّر التُكّانة. وتوجهوا جميعهم الى.. عُلّية.. ابو غالب. فوجدوا المضافة متلولة بالضيوف والكل صافن وبسمع للراديو ومش إمصدقين اللي بشوفوه وبسمعوه، والبعض كان يطرح أسئلة وابو غالب يجاوب.
بعدما شاهد الراعي هويشان الراديو وسمع الاخبار والاغاني غير مصدق قال لابي غالب: بدي مِنك خيوه هالطلب. خَمّن ابو غالب ان هويسان بده واحد مثله. فرد عليه وقال: خيوه هاظ ما مِنّك على حَقّه، ومتى ما حبيت تسمع إشي تعال وأقعد قَد ما بدّك. قال هويشان: خيوه من وين يا حسرة، بس خيوه بديّاك تسأل هاظا الماخود عن أخوي إطويرش اللي فقدناه قبل حولين، بلكي دَلنا عليه؟. قال ابو غالب: خيوه هاظ جهاز بذيعوا فيه الاخبار والغناني وبقلها من إذاعات موجودة بالبلد وبرا البلد، وما لهوش علاقة بأخوك اللي فقدتوه زمان!!
ابو فلاح يسأل ابو غالب: خيوه بدي اسألك سؤال. يرد ابو غالب: يا خوك اول هام لازم تشوف الراديو اللي بدك تشتريه، وبعدين توخذ ورقة بمواصفاته للقائمقام، مشان يرفع فيها للداخلية مشان يعطوك رخصة اقتناء. ابو عيسى التُكنجي يقول: أني بعرف واحد بعكا وممكن اوصيه يخمش لي راديو من هناك تهريب. قال ابو غالب: اذا بقضبوك الدرك وما عندك رخصة بلبسوك قضية وبحطوك بدار خالتك وبتهموك إنك داسوس.....
االله على زُلُم الحارات بهظاك الزمن لو لحّقوا هالايام وشافوا هالتكنولوجيا والإتصالات والفضائيات، والهواتف الذكية شو بده يصير بحالتهم؟