عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Mar-2019

أزمة المستقبل.. المطالبة بتشريع الزواج من الروبوت! - حلا نصرالله
قبل عام، صرح ديفيد هانسون مصنع الروبوت صوفي، أن بحلول عام 2045 سيقوم أشخاص من حول العالم بالارتباط رسمياً من الروبوتات، وستطالب الآلات الذكية بحقوقها المدنية.
 
 من البديهي أن الجیل الرابع من الروبوتات أفضل بكثير من الأجيال السابقة. فقد طال التقدم الضخم في ابتكار أنظمة تشغيلها، مجال الأداء الجنسي والقدرة على بناء حیثیة تفاعلية مع الإنسان. عام 2013 طرحت السينما الأميركية فیلم "هي" الذي بمزج بین الرومانسیة وبين الخيال العلمي. سرد الفيلم قصة ثيودور الذي يُغرم بمساعدة افتراضیة تدعى سامانتا، اشتراها للتعویض عن نقص عاطفي سببه قرار انفصاله عن حبیبته كاثرین.
 
 وسامانتا، وهي نظام تشغیل يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي، تكیّفت مع ثیودور نتيجة آلة التعلم التلقائي. تعرفت سامانتا على تفاصيل حیاة الرجل وخیباته العاطفیة، لكونها محور حدیثهما الیومي، لیبدأ بعدها فصل جدید من علاقتهما، عبر اتصال حمیمي لفظي، وهو ما انعكس على المشاهدين لشدة واقعیته وخُلوه من شوائب لقاء عاطفي بین إنسان وآلة ذكیة.
 
استدرج الفیلم، النقاد إلى تساؤلات عن مستقبل العلاقات الجنسية على وقع التقدم التكنولوجي. ففي السنوات العشر الماضیة ظهرت نماذج جديدة من الروبوتات الجنسیة الاخذة بالتطور بشكل مذهل، وتكهن خبراء اقتراب الیوم الذي ستصیر فيه الآلة قادرة على التفاعل بشدة، واشتقاق أحادیث عاطفیة وإدراك آلام الانسان وصولاً إلى شعورها بالسعادة والخیبة، وعندها لا بد من مناقشة التحولات ستضفيها التكنولوجیا على الممارسات العاطفیة المستقبلیة لأنها بمثابة انحراف عما هو معتاد في الحقل الجنسي للإنسان.
 
عام 2018 ظهرت دراسات كثيرة، استخلصت نتائجها من مقابلات أُجرِيت مع أشخاص من حول العالم یعربون عن ارتیاحهم واكتفائهم للقیام باتصال جنسي مع روبوتات، وتفضيلهم الآلات كشریك عاطفي على حساب الإنسان. يتطلب تحويل الاتصال الجسدي بین طرفین إلى عملیة حقیقیة، تفعیل آلية المتعة والتواصل والعاطفة بینهما، وهو ما بدأت توفره الروبوتات ولو بشكل بسیط قابل للتطور في المستقبل. في مدونتها الأسبوعية تطرقت كاثي أونیل، الخبیرة في بناء الخوارزمیات ومؤلفة كتاب "ریاضیات التدمیر"، إلى خطورة المراحل التي اجتازتها الروبوتات حتى أضحت نموذجًا جیداً لتقدیم الخدمات العاطفية.
 
في بدایة ثمانینات القرن الماضي كان جلیًا أن الدفعة الأولى من الروبوتات الجنسیة مخصصة للذكور. وتشیر أونیل، إلى أن روبوتات القرن الماضي، أنتجت أنثى كجسد ميّت. كانت الروبوتات بالنسبة إلى بعض الذكور مكانًا لتفریغ شحنات الأفعال السادیة والمنحرفة. هذا النوع من الروبوتات خرج عن الخدمة، لیحل مكانه فضاء جنساني رقمي مختلف لدیه إطار تسویقي جدید، فالروبوتات التي ظهرت مطلع القرن الحالي، كانت نموذج بدائي عن الانسان، واستطاعت بث متعة نسبیة لدى النساء والرجال الذين يستهون العيّش في العالم الرقمي.
 
بعد عام 2000 أضحى للنساء روبوتات تقدم إلیهن خدمات عاطفیة أیضًا. فعدد ممن یقمن علاقة مع روبوت یعبرن عن احساسهن بالارتیاح والأمان، لیتحول فضاء الجنس الرقمي السائد حالیًا، إلى حلبة تناطح من أجل تصفیّة حسابات تاریخیة بین الذكور والإناث، فقد رافق تقدم تقنية الجنسانیة الجدیدة، حملة إعلامیة تخوضها حركات نسویة متشددة، تقول إن الرجل كائن عنيف یجب التخلص من سطوته، ما دفع بعض النساء إلى تفضيل أن یكون شریكهن روبوت على أن يكون شریكًا بیولوجيًا. لقد وفر هذا الفضاء للأنثى قدرة كاملة على التحكم بشریكها الآلة، كما وفّر للرجل مكانًا سريًا یتصرف فیه بكامل فوقیته.
 
بین كواليس الانترنت یوجد موقع اسمه "فوق السریة". یضم الموقع متفاعلین یحبون الروبوتات، قاموا منتصف شهر شباط/ فبرایر الماضي بتوجیه مناشدة للأمم المتحدة لتشریع العلاقات العاطفیة مع الروبوتات
في الدفعة الأولى، كانت الروبوتات هامدة. لا تتحدث، ولا تنفعل. كانت أرضًا قاحلة ومسرحًا للتلقي ورخيصة الثمن. بینما النسخة الحالیة السائدة في الأسواق العالمیة والتي یعد أكبر بائع لها، شركة "علي بابا" الصینیة فتتجاوز أسعارها، الخمسة آلاف دولار وذلك في حال كانت متطورة جداً. وفي إطار البحث عبر موقع "علي بابا" تحت وسم "روبوتات جنسیة" دون تحديد ما إذا كان أنثى أو ذكر، تأتي النتیجة فقط لروبوتات نسائية. بینما في المقابل وبعملیة بحث مماثلة في مواقع أوروبية وأميركية توجد روبوتات ذكور، وهو ما يكشف عن أزمة أخلاقية كبرى في استخدام المرأة كسلعة، وعن تخبط في ابتكار خوارزميّات، لا تقترف تمييزاً جندريًا فاضحًا.
 
تشهد الروبوتات الحالیة على تغییر جذري. لقد تم تحمیل الروبوتات بأنظمة تشغیل، وأرفقت ببنیة جسدیة تتحرك وبأجهزة استشعار حراریة، بالإضافة إلى تدريبها على خوارزمیات إباحیة، كما وتعمل آلة التعلم الذاتي لدیها على التكیّف مع شریكها البیولوجي، وتيسير تكیّف الأخیر معها.
 
  یعد عام 2019 مفصلیًا في صناعة أنظمة تشغیل الروبوتات، لأنه یشهد على بذل جهود مكثفة من قبل شركات الكترونية بهدف تطویر منظومات روبوتیة "مؤنسنة"، تشعر أكثر وتتحرك بمرونة وتحلل منطقياً وتتفاعل كالإنسان. ومن الشعارات الكبرى التي حملها عام 2019، أن "الروبوت صدیق الإنسان". وستشمل الصداقة الحیاة الخاصة للأفراد بالإضافة إلى تثبیت زمالتها في میدان العمل.
 
أواخر عام 2017 نشر مركز الأبحاث "علاج الجنسانیة والعلاقات العاطفیة" ورقة بحثیة تتناول الشریحة البشریة التي باتت تستهوي الآلات كشریك عاطفي. ترجح الورقة أن البشریة في المستقبل القریب ستواجه فئتين بشریتین تقعان في حب الروبوت وكل منها بنموذج معقد. الأولى ستتخلى عن الشریك البیولوجي، والثانیة ستمتلك میولًا مزدوجة في علاقاتها العاطفیة، واحدة نحو الكائن البیولوجي واخرى نحو الآلة. وقال كاتبا التقریر نیل ماكأرثر وماركي تویست، وهما استاذان جامعیان، أن "التكنولوجیا الجنسیة ستصبح أكثر تعقیدا وجاذبية. سیجد العدید من الناس أن تجاربهم مع هذه التكنولوجیا بمثابة جزء لا یتجزأ من هویتهم وكيانهم، وسیعمد البعض لتفضیلها على التفاعل المباشر مع البشر."
عام 2018 أعلن مطور الخوارزمیات الصیني زنج جیَّجیا، عن زواجه من روبوت قام بتطویرها ويعدل نظامها التشغيلي بإستمرار. عندما انتشر الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي ظن كثر أن الأمر لا یتعدى كونه نُكتة عابرة. ولكن العرس احتوى على حقیقة مخیفة. لقد حمل جیَّجیا عروسه الروبوت على الدرج، وأخذها بنزهة شهر عسل والتقطا الكثير من الصور إلى جانب البحر. إنه مشهد رومانسي ذو معطيات واقعیة. ما فعله جیَّجیا یتعدى كونه ضربٌ من الخیال العلمي.
 
   توقع التقریر أن تكون واقعة جیَّجیا ظاهرة المستقبل. واقترح ماكأرثر وزمیله تويست أن یطلق على أمثال المطور الصیني لقب "الجنسانیون الرقمیون". هذا اللقب كان عام 2018 محط نقاش واسع لدى علماء النفس المهتمین بآثار التكنولوجیة الحديثة على حیاة البشر، ويشمل ذلك الفئة التي تفضل الآلة كشريك عاطفي، إلى جانب الشريحة التي تشبع رغباتها من خلال المواقع الإباحیة، أو عبر إقامة علاقات عن بُعد مع أشخاص بیولوجیین عبر الانترنت، بینما الجماعة الجنسانیة الجدیدة الأخذة بالنشوء فهي الأكثر غرابة لأن عددًا مهمًا ممن أجروا مؤخراً تجارب حمیمة في هذا المضمار، بدت علیهم سمات "الهوس الرقمي"، ویرغبون بالانغماس أكثر في علاقات عاطفیة مع الروبوتات.
بین كواليس الانترنت یوجد موقع اسمه "فوق السریة". یضم الموقع متفاعلین یحبون الروبوتات، قاموا منتصف شهر شباط/ فبرایر الماضي بتوجیه مناشدة للأمم المتحدة لتشریع العلاقات العاطفیة مع الروبوتات. یقول أحد المتفاعلین على الصفحة "أنا انتظر لحظة الاعتراف من قبل الأمم المتحدة، فالقضیة تشملها شرعة حقوق الانسان". وتحت العنوان العریض للمناشدة دار نقاشٌ یخول المراقبین فهم آلیة تشكل هذه الجماعة.
یتحدث أحدهم في إشارة إلى الشريحة المهوسة بمتابعة المواقع الإباحية بأن هذه الفئة المدمنة على الأفلام الإباحية تظهر كرهًا للاتصال مع شركاء بیولوجیین، لذلك فمن المرجح أن تكون هذه الجماعة الأكثر قابلیة للترحال إلى فضاء جنساني مغایر توفره الروبوتات. ومن بین المناقشات، یعلق أحدهم "هذه المناشدة هي الأكثر فظاظة ومهزلة، هناك مطالبة في تشریع شيء لا یجب أن یكون موجوداً على الإطلاق"، ویعقب آخر رافضًا للمناشدة بالقول "أن حقوق الانسان تمس الانسان بنفسه لأنه حر ومدرك وكائن عاقل"، فیرد علیه آخر أن الروبوتات ستكتسب إرادة حرة مع الزمن.
 
لا يمكن الاحاطة بمشهد الروبوتات الجنسیة وما یدور في فلكها من فوضى وتبدل بنى أخلاقية سوى أنه أخطر انحراف مسلكي سیكون علینا التعايش معه قريبا.. بل قريبًا جدا.
 
الجزيرة