عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Jan-2019

تغيير مسار أوروبا

 

افتتاحية- «كرستيان سيانس مونيتور»
في جنوب شرق اوروبا، المنطقة التي اسهمت في اندلاع عدد من الحروب الكبرى خلال القرن العشرين، تعد اي خطوة تقود الى اطفاء جذوة القومية المتقدة امرا مرحبا به من دون شك. قبل ايام معدودة، وافق اعضاء البرلمان اليوناني على اجراء من شانه وضع حد لجدل امتد سبعة وعشرين عاما مع الجارة الشمالية على خلفية الاسم الرسمي لذلك البلد. وبعد الادلاء بالاصوات، سيطلق على الجارة التي اصطلح على تسميتها مقدونيا اسم جمهورية مقدونيا الشمالية. اما المنطقة الشمالية من اليونان والتي تحمل ايضا اسم مقدونيا فستحتفظ باسمها القديم.
حتى وان بدا الخلاف غامضا نوعا ما في اعين الغرباء، فان الحال ليست كذلك من وجهة نظر المتحمسين من القوميين في كل بلد. فكلا الشعبين ينسب الى نفسه الحق في تركة الاسكندر الاكبر، الذي جاء من المنطقة الحدودية. وهكذا فان المخاوف من فقدان الهوية الثقافية الخاصة واحتمال وقوع غزو اقليمي تترسخ في الوجدان. 
وعلى ضوء الاتفاق على اسم مقبول من كلا الطرفين، فقد قرر الجانبان ان يقدما واحدا من المثل على الكبرياء والتعنت. ويكمن هذا المثال في الحرص على ان تكون القارة الاوروبية اكثر نماء وتماسكا. ومن المتوقع ان تقوم جمهورية مقدونيا الشمالية، التي ادلت بصوتها على اسمها الجديد خلال العام المنصرم، بالانضمام الى حلف الناتو في وقت قريب وان تحصل في نهاية المطاف على عضوية الاتحاد الاوروبي. على مدى سنوات عدة، عارضت اليونان، التي تعد فعليا جزءا من كلتا الكتلتين، قبول عضوية جارتها باستخدام حق النقض، الامر الذي كان من شانه زيادة حدة التوترات في منطقة دول البلقان.
وقد نشر رئيس الوزراء اليوناني اليكسيس تسيبراس تصريحا على مواقع التواصل الاجتماعي قال فيه: «نحن نكتب اليوم صفحة جديدة لمنطقة البلقان، فالكره والخلاف والنزاع الذي تؤججه القومية سيتلاشون ليحل محلهم السلم والصداقة والتعاون». 
في عام 1991، اندلعت صراعات عدة في منطقة البلقان في اعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا السابقة. وبفضل التدخل الذي مارسه حلف الناتو والرغبة في نيل عضوية الاتحاد الاوروبي فقط، بدأت المنطقة في وضع نهاية للحروب وترسيم الحدود والاتفاق على التسميات. وقد اصبحت مونتينيغرو الان عضوا في الناتو. في حين عقدت البوسنة قبل فترة وجيزة انتخابات سلمية. كما يبدو ان المحادثات بين كوسوفو وصربيا تدعو الى التفاؤل. 
علاوة على ما سبق، يعتبر الاتفاق فيما بين الدولتين ضربة لروسيا. فقد تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في الخلاف من اجل منع توسع الاتحاد الاوروبي والناتو الى منطقة يعتبرها هو جزءا من النفوذ الروسي التاريخي. في حقيقة الامر، يتمثل النفوذ الفعلي في دول البلقان في رغبة شعوبها في ان تعيش في مجتمعات ديمقراطية وان تجمعها سويا قيم الاتحاد الاوروبي. 
اذا سارت الامور حسب ما هو مخطط لها، فان من الممكن ان ينال كل من رئيس الوزراء اليوناني اليكسس تسيبراس ونظيره المقدوني زوران زائيف جائزة نوبل للسلام. اذ ان لكل منهما تاريخ سياسي حافل في سبيل اعادة تعريف هوية بلادهما. ان مثل هذه المساعي هي التي من شانها ان تساعد قارة اوروبا في ان تنعم بالسلم على نحو دائم بعد ان عانت ويلات الحروب لمدة عقود من الزمن. ومن الجدير بالذكر ان اواصر المحبة قد غدت اشد قوة في هذه القارة بالمقارنة مع الانقسامات التي تصنعها القومية الضيقة.