عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Jan-2020

معهد الإعلام الأردني وحرية التعبير المسؤولة*د. نهلا عبد القادر المومني

 الغد

السؤال الذي يشغل بال الكثيرين في مجال حرية الإعلام، والتي تعد أحد مكونات الحق في حرية التعبير، هو كيف تكون الحرية مسؤولة، والتعبير في حدود النقد المُباح والبناء؟ والمهنية هي سيدة الموقف دون منازع؟ كيف يمكن ابتعاث جيلٍ يعمل نحو الحقيقة ومن أجلها؟ كيف لحق الجمهور في المعرفة أن يتسيد الموقف ويكون هو المحرك للعمل الإعلامي؟ كيف توظف المعلومة بصورةٍ لا تؤدي إلى التضليل أو المُخادعة أو اجتزاء الحقائق؛ فنصف الحقيقة أيضًا يخفي بين جنباته حقًا للأفراد في الوصول إلى المعلومة التي تُسهم في تشكيل آرائهم ومواقفهم بل قد تؤدي إلى تغيير مسار وتوجهات الأفراد في الميادين كافة.
إن الأسئلة المطروحة أعلاه وإن تطلب تنفيذها جهدًا وعملًا متواصلًا إلا أن رؤية إعلام مهني يحمل حرية تعبير مسؤولة ليس ببعيد المنال ما دام أن هنا كيانات تُبنى بصورةٍ مؤسسيةٍ تعمل على إعلاء هذه القيم بمهنية واحترافية ومصداقية ورسالة مؤمنة بالإعلام وأهدافه النبيلة.
معهد الإعلام الأردني، هو بذرة وضعت في أرض صالحة فأنتجت وما تزال منذ بذارها دفعات من الخريجين المُتسلحين بقيم المهنية والحرفية. ما دفعني لهذه الوقفة أمام هذا العمل الوطني الذي يُشار إليه بالبنان، هو رؤية مشروع بدأ صغيرًا وما يزال يكبر ضمن أطر تحمل في طياتها أهدافًا لإعلام يلتزم بمجموعة من القيم أهمها المحافظة على أعلى معايير التعليم الصحفي، وتهيئة الطلبة لسوق العمل من خلال التركيز على الدقة وضرورة الالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية للصحافة، وتوفير التجهيزات والبرامج التدريبية الخاصة بالإعلام الحديث، مما يفتح المجال أمامه لمواكبة تحديات العصر الرقمي، وتأكيد حق المُجتمع في المعرفة، بما يعزز غرس الأسس المتينة لدور الإعلام في تحسين نوعية الحياة، وبناء الديموقراطية، وحمايتها، والتغيير الثقافي والاجتماعي الإيجابي، فهذه القيم والأهداف التي يضعها المعهد ويسعى لها.
يتخذ معهد الإعلام الأردني من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان دعامةً أساسيةً لعمله، وخاصة المادة رقم (19)، والتي تنص على أن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء بدون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت من دون تقيد بالحدود الجغرافية، وتحقيقاً لذلك كان للمعهد عدة سياسات في مجال الجندر وحماية حقوق المرأة وفي مجال حقوق الأشخاص المعاقين وفي مجال مكافحة الفساد وغيرها.
هذه المؤسسة أعتقد أنها أنموذج عملي لمن يتحدث عن إنتاج إعلام مسؤول وتعزيز حرية التعبير ومناخ الحريات بالعمل لا بالقول ، خصوصاً في النهج العلمي الحداثي للمعهد الذي يخرج عن الأسلوب النمطي في التعليم من خلال اعتماد برامج تدريب عملي مكثف، والمناهج التعليمية المبتكرة، واستقطاب نخبة من الخبراء في المجال الإعلامي والثقافي من الدول العربية الشقيقة.
إن التزامات الدولة في مجال حرية التعبير تتضمن التزاماً أساسيًا عليها بتمكين الأفراد من هذا الحق وزيادة قدرتهم على ممارسته، ومما لا شك فيه أن مؤسسة كمعهد الإعلام تعد صورة عملية وأحد أشكال تنفيذ هذا الالتزام الذي يبني القدرات ويخرج لمهنة الصحافة والإعلام أفرادا مؤهلين مزودين بمهارات متنقلة تُعلي من شأن هذه المهنة إذا ما أحسن الشخص استثمارها.
بقي أن نقول إن معهد الإعلام بصورته هذه ما كان ليكون على ما هو عليه لولا وجود ذلك الدعم الكبير والإرادة الجادة التي تمثلت في إصرار سمو الأميرة ريم علي على السير قُدمًا نحو تعزيز هذا البناء الصغير بحجمه المُمتلئ برسالته، امرأة تشكل نموذجًا للفكرة التي متى ما وجدت إيمانًا حقيقياً تحولت إلى حقيقةٍ واقعية.
معهد الإعلام الأردني مثالٌ حي للعمل الجاد نحو حرية تعبير ومشروع طموح لإعلام يعكس الحقيقة ويعزز حق الجمهور في المعرفة، آملين أن نرى في القريب العاجل مؤسسات تُحاكي هذه التجربة الناجحة والرائدة ليكون السعي نحو حرية التعبير المسؤولة بالفعل لا بالقول.