عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Mar-2020

نتنياهو يعرض عنصرية رسمية - حيمي شليف

 

هآرتس
 
الأنباء الجيدة هي أن التقرير السنوي لمنظمة “فريدم هاوس” الذي نشر قبل أيام عن وضع الحرية والديمقراطية في العالم، ما يزال يعتبر إسرائيل دولة “حرة”. والأنباء السيئة هي أنه حسب التقرير فان الديمقراطية في إسرائيل توجد في حالة تراجع متواصلة. في السنوات الثلاث الأخيرة إسرائيل هبطت من المرتبة 45 في التصنيف العالمي إلى المكان 76، قريبا بصورة مقلقة مع الدول التي تعتبر “حرة جزئيا”. وفي كتلة الدول الديمقراطية الغربية إسرائيل موجودة في المكان الأخير.
مكان إسرائيل في التقرير السنوي لهذه المنظمة، التي ترتكز إلى إعلان حقوق الإنسان للأمم المتحدة، يوجد له سقف زجاجي فكري، وهو لا ينبع من الاحتلال في الضفة الغربية الذي يتم احتسابه بشكل منفرد، بل من عدم فصل الدين عن الدولة والتمييز المؤسساتي ضد عرب إسرائيل وما أشبه. إن تدهور إسرائيل في التصنيف العالمي لـ “فريدم هاوس” في السنوات الأخيرة ينبع بالأساس من نزع الشرعية المتسارع عن الاقلية العربية ومن التحريض المتزايد ضدها برعاية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بشكل خاص، واليمين بشكل عام خلال الحملتين الانتخابيتين اللتين أجريتا في العام 2015.
من حسن حظ إسرائيل أن التقرير تم الانتهاء منه قبل العرض العنصري الرهيب لنتنياهو في الاربعاء الماضي، الذي بالتأكيد سيقلل علاماتها في السنة القادمة. نتنياهو اعتبر ممثلي القائمة المشتركة الذين حصلوا على ثقة كاسحة من الجمهور العربي في الانتخابات الاخيرة منبوذون بسبب الاشمئزاز. نتنياهو قرر أن العرب، ليسوا شركاء كاملين في الديمقراطية في إسرائيل. فهم يصوتون بالأساس لصالح أنفسهم.
ومن اجل مساعدة الأذن الإسرائيلية على استيعاب الصدى الخطير الذي كان لتصريح نتنياهو في العالم ساعة الانتخابات، يكفي تخيل مؤتمر صحفي لزعيم أوروبي، يقوم فيه برسم علاقات القوة السياسية في دولته، لكن بدون اليهود. هؤلاء غير مخلصين لدولتهم، بل لشعبهم ودينهم، سيقول، لذلك لا يتم أخذهم في الحسبان.
هكذا يسمع في الأذن الصماء تعبير “حسم الشعب” الذي يستخدمه نتنياهو ومن يرددون أقواله دون ادراك مدهش، منذ تبين أن انتصاره الكبير في الانتخابات لا يحقق له الأغلبية المطلقة التي توقعها.
بالنسبة لنتنياهو فان الانتخابات الإسرائيلية تجري على مستويين بشكل متواز، التي تشمل كل مواطني إسرائيل في انتخابات لا يمكن قبول نتائجها، والتي تشمل اليهود فقط وتعتبر الانتخابات الحقيقية الحاسمة.
محامو نتنياهو اشاروا وبحق بأن أقواله تعكس اتفاقا واسعا بين جميع الأحزاب الصهيونية (أي اليهودية، لأن الأحزاب الأصولية لا تعتبر نفسها “صهيونية” بالمعنى المقبول) ومنها حزب أزرق أبيض. ولكن هناك فرق كبير بين توجه حقير، مهما كان مخجلا، وبين تصريح رسمي لرئيس الحكومة يعتبر عرب إسرائيل رسميا مواطنين من الدرجة الثانية مع حق تصويت من الدرجة الثالثة، الذي يحول العنصرية الكامنة الى سياسة رسمية.
تشابه محرج
حسب الحلم المحدث لرئيس الحكومة وائتلافه، الذي يستبعد نهائيا صيغة دولتين لشعبين، ستسود في إسرائيل الكبرى كما يظهر ثلاثة أنواع للحكم، ديمقراطية لإسرائيل، ابرتهايد للفلسطينيين في المناطق التي لن يتم ضمها في الضفة الغربية وأرتهايد خفيف لاخوتهم في ارضها السيادية. براءة الاختراع هذه غير أصيلة. فهي تشبه بشكل مبدئي “البرلمان المثلث” الذي أسسه رئيس حكومة جنوب افريقيا، بيتر وليام بوتا، في محاولة لصد الضغط الدولي ضد نظام الابرتهايد الذي أسسه.
وحسب التعديلات في الدستور التي اجراها بوتا والتي تمت المصادقة عليها في البرلمان الابيض في جنوب افريقيا في 1983 والتي بقيت سارية المفعول حتى العام 1994، فان المجلس التشريعي ستكون فيه ثلاثة مجالس منفردة. الاول للبيض، فيه 178 عضو. والثاني لـ “الملونين”، مثلما كانوا يسمونهم وهم أبناء الجنسيات المختلطة، فيه 85 عضوا. والثالث للمواطنين من أصل هندي، وفيه 45 عضوا.
وتجدر الاشارة الى أنه تم منح البرلمان الأبيض حق الفيتو على قرارات البرلمانين الآخرين اللذين اقتصرت صلاحياتهما على الشؤون المتعلقة بسكانهما.
إن منح حق التصويت للسود، حتى لو كان ذلك في برلمان خاص بهم مخصي، وكان يشكل جسرا بعيدا جدا بالنسبة لبوتا واصدقائه. السود كان يمكنهم التصويت فقط في الاقاليم المرعية التي اقامها نظام الابرتهايد لهم، والتي تذكر الآن باسم “بانتوستانات”. وقبل ذلك كان مطلوب مجهر من اجل تمييز الفرق بين البانتوستانات وبين الحكم الذاتي الذي يقترحه اليمين على الفلسطينيين في المناطق. ومن ضمن ذلك حلم الرئيس ترامب الذي يتمثل بصفقة القرن. وتصريحات نتنياهو تكمل الصورة. فهي تسهل على من يكرهون إسرائيل الادعاء بأنه بين إسرائيل 2020 وبين جنوب افريقيا في عهد الابرتهايد يوجد تطابق كامل تقريبا.
في دولة سليمة، كما كانت إسرائيل ذات يوم، فان رئيس الحكومة الذي يقوم باقصاء جمهور كامل على اساس عرقي وديني، ويعطي بذلك هدية لاعداء بلادنا، كان سيتم منعه نهائيا من مواصلة القيام بوظيفته. في اسرائيل 2020 التي يحكم فيها رئيس حكومة يقوم بالتقسيم والتحريض وتشجيع رئيس أميركي فظ وعنصري أكثر منه، فان تصريح نتنياهو يستقبل باحتجاجات ضعيفة، ولكن بالاساس بلامبالاة.
المقارنة محظورة. ولكن على الأقل يمكننا أن نفهم بشكل أفضل كيف أن شعبا لديه ثقافة عظيمة وقيم سامية يمكنه بالتدريج الانجرار على أيدي زعمائه الى أماكن قومية متطرفة، مركزية الاثنية، والشعور بأنه محق، ويعتبر المعارضين له من الداخل مثل من
يغرسون سكين في ظهر الأمة، ومن ينتقدونه من الخارج كمن يثيرون العداء ويدعون إلى الكراهية ولا يعرفون الوضع على حقيقته ويسيرون في مسيرة وطنية فخورة نحو الهاوية.
انبعاث رائحة شرائح لحم مشوية
أمي العزيزة، رحمها الله، ولدت في بلدة ليتو مايرزتسا، التي عرفت في حينه باسم “لايتمريتس” في اقليم السوديت في شمال غرب التشيك. عندما كبرت تحول سكان البلدة والاقليم، الذين كانوا في معظمهم من أصل الماني، إلى قوميين متطرفين لاساميين أيدوا بحماسة هتلر ونظامه. وعندما كانت طالبة في الثانوية عانت أمي من التنكيل من قبل المعلمين والزملاء في المدرسة. وبعد ذلك تم نقلها هي وطلاب يهود آخرين الى آخر الصف في مكان مخصص لهم. وفي العام 1938 بعد ضم المانيا للسوديت هربت مع عائلتها الى براغ، ومن هناك جاءت وحدها الى إسرائيل.
تجربة أمي منحتها الشعور بتشخيص وتمييز بمستوى لن يتكرر بواسطة التكنولوجيا الحديثة. رادارها الداخلي لم يشمل فقط رؤيتها بأنه يمكنها التمييز بين اليهود وغير اليهود في لحظة، بل هو ايضا زادت لديها حاسة السمع والشم، حيث كان يمكنها التمييز بين اللاساميين وغير اللاساميين استنادا الى جملة عابرة أو نظرة عفوية أو تعابير وجه عارضة.
الحديث يدور عن تطور تجاوز كما يبدو اليهود الذين يشكلون الاغلبية في اسرائيل والذين لا يحتاجون الى اجهزة الدفاع التي طورها يهود الشتات، وتجاوز زعماء اسرائيل الذين ربطوا انفسهم بزعماء قوميين متطرفين مثلهم وتجاهلوا جوهرهم.
التدهور الشديد في ارض اسرائيل الى درجة أن اليهود فيها لم يكفوا فقط عن تشخيص اللاساميين من الخارج، بل هم ايضا يجدون صعوبة في ملاحظة العنصرية التي تنمو في اوساطهم.
رادار الشتات مع ذلك لا يقتصر على اليهود، بل هو يتطور في اوساط أي اقلية دينية، قومية أو عرقية، تعيش لفترة طويلة في محيط معاد يميز ضدها. والسود في أميركا، المعروفين اليوم بالافارقة الأميركيين، يوجد لهم نفس الشعور. فتاريخهم الذي يشمل 300 سنة من العبودية والتنمر و100 سنة من الاضطهاد والعنف و70 سنة من المساواة التي هي رسمية أكثر منها عملية، وفر ايضا للافارقة في أميركا رادارا متطورا يمكنه التمييز بين الاصدقاء الحقيقيين وبين المتملقين برمشة عين. وهذا الرادار هو المفتاح لفهم الانقلاب الذي لا يصدق والذي حدث في هذا الاسبوع في السباق الديمقراطي للرئاسة. جو بايدن لم يقف فقط الى جانب السود خلال سنوات، بل هو ايضا بث التماهي الصادق مع نضالهم. وبيرني ساندرز لم يتجاهلهم خلال سنوات فقط، بل إن محاولته لتقريبهم في اطار سباقه على الرئاسة بثت لهم رائحة، كما كانت تقول أمي، شواء وهمية.
المصوتون الديمقراطيون السود تدفقوا الى صناديق الاقتراع، في البداية في جنوب كارولاينا وبعد بضعة ايام في جميع الولايات في يوم “الثلاثاء العظيم”. وقد تسببوا بضربة قاضية لساندرز، ربما قاتلة، ومنحوا بايدن عودة مدهشة الى السباق، التي كان مشجعو مكابي تل ابيب القدامى، على الاقل الذين لم يصابوا بالكورونا، سيسمونها “معجزة بدالونا”.
لقد رفضوا النظرية التقدمية الشاملة لساندرز التي لا تميز بينهم وبين مضطهدين آخرين وبين المقاربة التقليدية للحزب الديمقراطي التي يمثلها بايدن، والتي توحد السود وتعترف بأن معاناتهم في الماضي والحاضر التي هي مثل الكراهية العنصرية الموجهة ضدهم ايضا الآن، لا يمكن مقارنتها مع مشكلات أي اقلية اخرى.
إن انتصارات بايدن بيوم “الثلاثاء الكبير” في الولايات التي يوجد فيها جاليات كبيرة للسود، منحته انتصارات جارفة واقامت من اجله “حصن جنوبي” توجد فيه مفارقة تاريخية غير قليلة. بايدن حظي بتطبيق “استراتيجية الجنوب” التي طرحها ريتشارد نيكسون في عام 1968، التي انتزعت من الديمقراطيين دعم الجنوب وحولت الحزب الجمهوري الى الحزب المهيمن، لكن بشكل معاكس. نيكسون احتل قلوب أبناء الجنوب عن طريق تطوير غضبهم وعنصريتهم ضد السود. وبايدن امتلك قلوب السود في الجنوب عن طريق تعظيم تميزهم والاعتراف بمعاناتهم.
نقطة ضعف ساندرز، مثلما هي نقطة ضعف منافسيه بايت بوتجيجي وايمي كالوفسر، نبعت من عدم قدرتهم على التواصل مع المصوتين السود ومن فشلهم في اثبات اقوال التملق التي اغدقوها عليهم في حملات تعكس الايمان الداخلي المتقد. بايدن في المقابل، لم يستند فقط الى سجل حقيقي من دعم نضالهم، بل بث ايضا التعاطف الذي لاحظه السود باحساسهم بأنه تعاطف صادق.
السياسي الديمقراطي غير المحبوب في اوساط السود يوجد له احتمال ضعيف كي ينتخب كمرشح حزبه للرئاسة، واحتمال ضئيل للفوز بالرئاسة. فمنذ عهد نيكسون، الديمقراطيون الوحيدون الذين دخلوا الى البيت الابيض، جيمي كارتر وبيل كلينتون وباراك اوباما، جميعهم حصلوا على دعم كبير من السود. وهذا الدعم هو شرط ضروري، حتى لو لم يكن كافيا، لجميع مرشحي الحزب الديمقراطي.
نجاح ساندرز في بداية الانتخابات التمهيدية في الولايات التي لا تمثل الشريحة السكانية النموذجية للحزب، مع اغلبية مطلقة للبيض وتمثيل أقل بروزا للسود، خلق الوهم الذي أيده خبراء ومحللون، بأنه سينجح في التغلب على العائق الافرواميركي ويواصل السير في ترشحه للرئاسة. السود تجاهلوا هذه التحليلات وتجندوا لاظهار قوتهم واعادة كرامتهم الضائعة. ومثلما تظهر الامور الآن فانه ليس مستبعدا أن تصويتهم في هذا الاسبوع قد قضى على ساندرز وضمن انتخاب بايدن كمرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة. وفي نهاية العملية اذا لم يتوقف بايدن في منتصف الطريق فسيتم تذكر ذلك مثل المسدس الذي وضع على الطاولة في المعركة الاولى من اجل تصفية رئاسة دونالد ترامب لاحقا.
من ناحية تاريخية الحديث يدور عن انجاز لامع للسود، انتقام جميل من ليبراليين بيض مثل ساندرز ومؤيديه الذين يريدون اصلاح العالم، ولكنهم لا يرونهم عن بعد متر. هم يستطيعون ربما أن يشكلوا الالهام ايضا للقائمة المشتركة التي يمكنها أن تصنع تاريخ اذا وقفت في صف واحد مع معارضي نتنياهو اليهود، حتى لو كانوا بالنسبة لهم يشكلون بضاعة تالفة. والمؤكد هو أنه اذا كان نتنياهو يقف الآن في الطرف الآخر للمتراس، فانه كان سيقول إن السود هم بالفعل نبتة غريبة واصواتهم لا يمكنها تقرير مستقبل أميركا.